سأكتب كلاماً لن يعجب الكثيرين لكنني سأمضي في هذا على الرغم من ألم هذا الكلام لكنه برأيي يعكس صورة حقيقية لما نحن فيه من مصائب و مهازل و مآسي. و لا أريد هنا من أي أحد أن يسوق علينا أي كلام في الوطنيات و الشعارات الزائفة، بل أرجو ممن يقرأ أن يتمعنوا في هذا الكلام و يعيدوا حساباتهم و قراراتهم قبل الحكم السريع المتجني غير الكامل.

فبالرغم من هذا التحليل أقول أنه علينا أن نتوقف قليلاً مع أنفسنا و نمارس بعض النقد الذاتي البناء، و لا أقول جلد الذات، بل لنفهم عمق المؤامرة التي تسللت إلى عقولنا من خلال شعارات كاذبة زائفة لم تنجح إلا في تدمير الشعوب و مصائرها و تفاقم حالها.

فمنذ بدايات القرن الماضي، و لأسباب قيل أنها من أجل الإستقلال، ظهرت لنا شعارات كبيرة براقة فضفاضة، أهم ما فيها الكذبة الكبرى و الشعار الزائف quot;أمة عربية واحدة.....quot;

هذا الشعار لم يكن سوى أداة إستعمارية جديدة للسيطرة على عقول الناس وعلى مقدّراتهم و أقدارهم، و الأمثلة أمامنا واضحة كيف أن هذه الشعارات لم تنفع سوى أعدائنا و أن الأهداف التي قادها هؤلاء الطغاة ليست إلا quot;... ذات رسالة خائبةquot;.

فما يحصل الآن في العراق و فلسطين و لبنان و غيرها من أطراف هذه المنطقة هو نتاج تلك الرسالة و وقودها التي اقتات و لازال يقتات به الديكتاتوريون و المتسلطون و الطغاة من quot;المحيط إلى الخليجquot;.
أقولها و لا استثني أحدا، على رأي المثل الشعبي الشائع quot;شهاب الدين أ.... من أخيهquot;.

بواسطة هذه الشعارات تمكن هؤلاء الطغاة من قيادتنا قطعاناً صامتين لا نعرف سوى البحث عن لقمة العيش، حتى البراري التي تقتات منها القطعان تصحّرت، و منابع المياه جفت، لتسكن مكانها السجون و المعتقلات و المقابر الجماعية: فبأي شعارات نقتات؟

أرادوا لنا أن نفكر بالأمة و الأمة غائبة عن نفسها. كيف للشخص أن يفكر بجاره أو جيرانه و هو لا يقوى على الحراك من الجوع و القهر و التعسف و الحرمان؟

كيف سيفكر بالأمة الواحدة وهي تضطهد كل من يحاول أن يرفع شعار هويته الشخصية قبل أن يرفع هوية أخرى؟

كتبوا لنا شعارات عالية لنرفع رأسنا و ننسى أنا مخصيون، مغتصبون، مقموعون في أبسط حق لنا.
الحاكم فقط هو الفحل بيننا و أعوانه هم من يقدموننا أضاحي و هبات و جواري بين فخذيه، و من يتألم، يأتيه واحد من الحاشية، أقصد الحوش، ليعطيه درساً في المعارضة و إشتراكية الحكم. فالحاكم و حوشه شركاء في التربية، تربية الشعب. أليست أمة عربية واحدة؟

فكرة إنطلاقة هذا الشعار قادت إلى المزيد من الهزائم، فالمهزوم هناك يجب أن تشاركه في هزيمته، و المقموع هنا يجب أن يصدٍر أصول قمعه. أما الحكام، فهم متوحدون في أساليبهم، و إلا فلماذا هذا يحكم بالوراثة و ليس غيره؟ على الجميع أن يرث هذا الشعب و مقدراته، و على الشعب أن يرث بؤسه و حرمانه و قمعه و استعباده.

و عندما تقوم واقعة هنا أو هناك، و بحجة وحدتنا، فلا مانع من أن نتدخل في شؤون جيراننا: أليست أمة عربية واحدة؟

بحسب هذا الشعار، يحق للإرهابي أن يغادر بلده ليسافر إلى أي من بلاد الجوار لينشر أفكاراً و دماراً و تكفيراً إرهابياً. أليست أمة عربية واحدة؟

و من يرغب بزيادة تسلطه يمكنه أن يذهب إلى بلد آخر لينشر فيه فتحاً إرهابياً جديداً، بإسم الدين، يصمد فيه أمام جيش البلاد حتى آخر حجر و بناء في ذلك البلد. يجب على الدمار أن يعم. أليست أمة عربية واحدة؟

و إختراق الصفوف و تمزيق الشعب الصابر تحت الإحتلال من أجل منصب، هو ليس بالسيادي حتى، لتنقسم البلاد إلى دولتين، أفضلهما لا تتحكم حتى بقياس لباسها، كل هذا يجب أن يتم بإسم الثورة و بثمن دماء الشهداء. أليست أمة عربية واحدة؟

أمة، كان يوحدها الإستعمار، و عندما إعتقدت انها استقلت، جلبت على نفسها حكاماً و ديكتاتوريين و طغاة جعلوا من هذه quot;الأمة الواحدةquot; إثنتين و عشرين على الأقل، و الإنقسام شبيه الخلايا في إستمرار.

لماذا لا نفكر قليلاً و نعترف كم هي سخيفة هذه الشعارات و كم هي مقيته.

القارة العجوز quot;كما يحلو للبعض من المستوحدين أن يسموهاquot; تحولت من سبع وعشرين دولة إلى إتحاد واحد، لا يجمع بينهم لا عرق و لا دين و لا لغة و لا تاريخ، فقط العقل و التفكير السليم بدون أي شعارات.

حتى الدين أصبح عندنا سلعة و وصفة و فتوى يقدمها كل واحد لا يكمل بعد كتاب القراءة الأولي. عند تكفيريي اليوم، أصبح شعار الدين لباساً قذراً و لحية كثة و منظراً مقرفاً لا يعرف حتى أصول الإغتسال و النظافة أو الأخلاق.

نحن أمة تعيش على ماضٍ و تأريخ، أصبحنا نشك فيه، لأنه من كتابة السلاطين وليس صناع الأمجاد. حتى لو كان صحيحاً، فقد آن الأوان أن ننظر ولو لمرة واحدة إلى الأمام و نفكر بمنطق التقدم وليس الأصولية.

هدفنا يجب أن يكون الوطن و المواطن و حريته و كرامته أولاً، وليس الشعارات البالية و الخائبة.

للأسف، هذا بعض من حال quot;أمتنا العربية الواحدة، وهذا نتيجة رسالتها ndash; التي آمل أن لا تكون خالدةquot;

أكثم التل

كاتب و صحفي أردني ndash; مستقل
[email protected]