يكشف ظهور العديد من الفضائيات الموجهة خلال العام الحالى عن أحتدام المنافسة للتأثير على الرأى العام العربى عبر مجال الصحافة التلفزيونية،فأهتمام حكومات فرنسا وايران والولايات المتحدة وروسيا واخيرا بريطانيا بمخاطبة الشارع لايمكن أن تكون مجرد رغبة عبثية لدى القيادات السياسية لهذه الدول.ما يدفعنا للتأمل فى هذه الظاهرة.


ولعل المعلومات الواردة من لندن التى افادت بأن الفضائية البريطانية الناطقة باللغة العربية قد اجلت بداية البث إلى اواخر شهر نوفمبر،دفعت البعض للأعتقاد بان امراض الأوساط الأعلامية العربية قد وجدت طريقها إلى الصرح الأعلامى البريطانى العريق.بل لم يستبعد بعض المتابعين وجود خلافات داخل ادارة الفضائية.وكان من المتوقع أن تدور هذه الأحاديث،بأعتبار أن التوقعات تشير إلى امتلاك الفضائية البريطانية العديد من الأمكانات التى ستمكنها من التميز عن زميلاتها من الفضائيات الموجهة(الحرة، فرنسا 24،روسيا اليوم،العالم) لأن المؤسسة التى ستطلقها من اهم مدارس الصحافة فى العالم.لكن هل يكفى هذا كى تتمكن الBBC العربية من الدخول إلى سوق الأعلام العربى كمنافس قوى؟ تساؤل لابد أن نطرحه فى ظل الأزمات التى تتعرض لها مؤسسات الأعلام العربية والمؤسسات الموجهة العاملة فى سوق الأعلام العربى.


ويمكن القول ان الفضائيات الناطقة باللغة العربية قد مرت بمنعطفات حادة،وازمات عاصفة،منعتها من ان تحقق تواجد مؤثر فى سوق الأعلام العربى،فقد واجهت قناة quot;الحرةquot; هجوما حادا ودعوات للمقاطعة،وكانت هذه المواقف النتيجة المنطقية فى التعامل مع مؤسسة اعلامية اخذت على عاتقها مهمة الترويج للسياسة الأمريكية فى المنطقة العربية،لأن الشارع العربى يعانى يوميا من سياسات واشنطن فى العراق والأراضى الفلسطينية ومصر وغيرهم، وبأعتراف الخارجية الأمريكية اصبح المزاج العربى معاديا للولايات المتحدة،ولما كانت الفضائية الأمريكية معنية بتحسين صورة الولايات المتحدة والترويج لسياساتها،فكانت المواجهة ضدها قبل أنطلاقتها.وبعد جهود بذلها العاملون فى المؤسسة الأعلامية الحكومية الأمريكية لأقتناص جزء من المشاهدين العرب،بالأعتماد على بعض القطاعات التى ترى فى نموذج الحياة الأمريكية الأسلوب الأمثل، لم تتمكن الفضائية الأمريكية من التواجد بشكل مؤثر فى ساحة الأعلام العربى،بل لم تنجح فى تقديم اعلام حديث متطور واتهمت بأنها ممللة وأن برامجها مجرد تكرار لبرامج الفضائيات العربية،بأعتبار انها تدعو نفس المتحدثين الذين ينتشرون على شاشات الفضائيات العربية.


اما الفضائية الروسية الناطقة بالعربيةquot;روسيا اليومquot; التى تعاقب على أدارتها خلال عام (فى مرحلة الأعداد لأنطلاقتها وخلال مرحلة البث) عدد من الصحفيين،فبعد اقل من 3 شهور على بداية البث تفجرت ازماتها،لتنتهى بأقالة مديرها بعد أقل من 3 شهور من تعيينه.وبالرغم من أن الطريق كان ممهدا امام قناة quot;روسيا اليومquot; لتحقيق نجاحات،نظرا إلى مواقف روسيا السياسية المساندة للحقوق العربية،ناهيك عن رصيد الثقافة والأبداع الروسى المتميز لدى المثقفين العرب،إلا أن الفضائية الروسية الفتية لم تستفيد من هذا الرصيد،وبدلا من ان تخاطب المواطن العربى وعشاق الأدب الروسى والموسيقى وفنون البالية،سارعت لتوجيه الأتهام للمواطن العربى بالتخلف(الحوارات التى يدعو فيها محللو القناة إلى عودة الجيش الأسرائيلى للأراضى الفلسطينية،..)اكثر من هذا لم تقدم له مواقف روسيا ولم تمكن المسؤولين الروس من مخاطبة المشاهد العربى،ولم تتحاور مع السياسيين والمحللين العرب حول مختلف القضايا والملفات التى تهم روسيا والعرب.


واذا كان الموقف الرافض للسياسات الأمريكية من ابرز الأسباب التى ادت إلى تعثر مسيرة قناة (الحرة).إلا انه لابد من القول أن هذه الفضائية قد تمكنت من ايجاد جمهور لها،والسبب فى ذلك يعود لمستوى الأداء المهنى للعاملين فيها،الذى اعتبره العديد من المختصين متواضعا.بينما فشلت(روسيا اليوم)فى الأحتفاظ بالجمهور الذى كان ينتظر انطلاقتها،بعد أن سيطر على اداءها حالة من العشوائية والعبث وافتقدت للمهنية،بل واصبحت تنقل وجهة نظر معادية للعرب،تختلف عن مواقف روسيا الرسمية،ما افقدها المصداقية والجدية.حيث يمنع فى مواد الفضائية الروسية أستخدام مصطلح الأراضى المحتلة وقوات الأحتلال،عند تناول الملف الفلسطينى،ما يعتبر تجاهل لقرارات الأمم المتحدة ولمواقف روسيا الرسمية،ولعل تغطية مفاوضات وزيرى الخارجية المصرى والأردنى مع الحكومة الأسرائيلية الأخيرة تعتبر مثالا صارخا على توريط المؤسسة الأعلامية الروسية فى أخطاء سياسية غير مفهومة، حيث اصرت الفضائية الروسية على أن هذه المفاوضات تجرى بين جامعة الدول العربية واسرائيل،لتورط عشرين دولة عربية مازالت ترفض اقامة علاقات مع اسرائيل،متجاهلة التصريحات الرسمية التى اكدت أن الوزيرين لا يمثلان الجامعة، بينما قامت(الحرة)الأمريكية بتغطية المفاوضات على انها حوار للأطراف المعنية بعملية السلام. واعتبر بعض المتخصصين أن سبب هذا الخطأ هو انعدام المهنية وضعف أدارة المؤسسة، بينما يرى البعض الأخر أن أتجاها متعاطفا مع اسرائيل وسياساتها يستخدم الفضائية الروسية لأقناع المشاهد العربى بأن موسكو حليف لأسرائيل، ليقضى على التواصل المستهدف مع الشارع العربى من جانب موسكو.


هذا الوضع الذى منح قناة(الحرة)امكانية التفوق والريادة فى ساحة الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية، يدفع العديد من الرافضين للسياسة الأمريكية،يعلقون امالهم على الفضائية البريطانية التى ستنطلق خلال ثلاثة شهور،استنادا لتاريخ المؤسسة الصحفية العريقة،واسلوبها الليبرالى والمهنى المتميز فى التعامل مع الأحداث.إلا ان انطلاقة الفضائية البريطانية تطرح ايضا تساؤلات هامة..ابرزها هل ستكون الBBC العربية قناة بريطانية الأداء عربية المحتوى؟ اما ستكون قناة عربية ذات اداء باهت لتحكى للعرب مرة اخرى حكاياتهم كما ترويها بقية القنوات؟ واعتقد أن هذا التساؤل يستمد مشروعيته من تركيبة فريق العمل الذى نعتقد اننا لم نستكشف بعد قدراته المهنية خلال فترات عمله فى الفضائيات العربية.

مازن عباس

صحفى مصرى