تبخر حماس الكثير من quot;المحللين السياسيينquot; واولئك الذين انشغلوا بمتابعة منظر quot;التهاوي الأميركي المروعquot; في العراق، والتبشير والتهليل بquot;النصر الذي حققته المقاومةquot;، عند سماع انباء تزويد واشنطن لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط باسلحة حديثة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. الأريحية الأميركية هذه تناغمت مع هدير مايقارب من 200 سفينة وبارجة حربية مقاتلة ارسلتها واشنطن للخليج العربي بغية ضرب الطموح النووي الإيراني استباقياً واجهاض الخطر/الحلم الذي اعتكف عليه الملالي سنيناً، وصرفوا من اجله المليارات من قوت الشعوب الإيرانية كرشاوي وعمولات ذهبت لروسيا وغيرها، على امل تحويله إلى حقيقة واقعة ذات يوم.
التحضير العسكري للضرية القاصمة اضافة للتهيئة السياسية والنفسية للحرب هما عنوان المرحلة الحالية. وهما هنا quot;كودquot; الحرب القادمة ضد النظام الإيراني، والتي لن تقف عند حد نسف quot;المكتسبات النووية الإيرانية، التي لارجعة عنهاquot; فحسب، بل ستطال ايضاً وجود النظام الإيراني وquot;ثورتهquot; كذلك.
الولايات المتحدة الأميركية قررت ضرب النظام الإيراني، والوقائع والقراءات تقول كذلك، وهي ومن اجل تحقيق هذا الهدف، تسلح حلفائها وتستنفرهم، وتبدأ في طرح مشاريع تسوية جديدة/قديمة تقول انها كفيلة بحل القضية الفلسطينية المزمنة، وستكون ضمانة ظهور دولة فلسطين، التي quot;يجب ان يكون مفاتيح ابوابها بيد الرئيس المعتدل المخلص محمود عباسquot; بعيداً عن الإسلامييين الذين quot;ينفذون اجندة الغيرquot;...
وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس سافرا سويا للقاهرة والتقيا بالرئيس المصري حسني مبارك وعدة وزراء عرب لطرح المشاريع الأميركية القادمة وشرح حقيقة الوضع الحالي في المنطقة. رايس وغيتس وضعا كل الحقائق على طاولة العرب: اما الشراكة الإستراتيجية مع الأميركان بما يعنيه ذلك من دعم سياسي وعسكري واقتصادي، او الرضوخ للشروط والإملاءات الإيرانية وقبول طهران سيدة على المنطقة وعلى العرب.
ليس ثمة من خيار لدى الأنظمة العربية، اما المضي في التحالف القائم حالياً مع الأميركان وضمان استمرارية الحكم والبقاء في السلطة دون quot;عمل حسابquot; لجماعات الإرهاب او وقوع غزو مباغت، او البقاء في الخطر، تحت رحمة السيف الإيراني المسلط على رؤوس العرب، والخليجيين منهم على وجه الخصوص.
ولأن دول الخليج العربي هنا اوquot;صغار الروبيانquot; كما نسميها تعلم، عن خبرة وايضاً عن قراءة صحيحة وذكية لواقع الحال، بان طهران ستبتلعها كلها دفعة واحدة اذما قيض لها النجاح في امري صنع القنبلة النووية واخراج الأميركان من العراق. لذلك فهي تنحو المنحى الطبيعي وترجح كفة تحالفها القديم والمخلص مع واشنطن وتضع كامل بيضها في سلة جورج بوش وفريقه.
الأمر ليس صعباً كما يتصوره البعض، وقد فعلتها دول الخليج في السابق: تطبيق مواد اتفاقيات الحماية اوquot;الدفاع المشتركquot; وفتح المعابر والحدود لتسهيل دخول القوات الأميركية في عملية quot;تحرير ايرانquot; الآتية..!.
حكومة محمود احمدي نجاد كانت غبية عندما استعدت العرب وجعجعت ضدهم طويلاً في ظرف السنوات القليلة الماضية. فتارة سمع العرب صراخ من يتمسك بالجزر الإماراتية المحتلة ويعتبرها quot;قدس اقداس الفرسquot;، وطوراً خرجت تهديدات بالسيطرة على البحرين وضمها الى quot;الوطن الأمquot;، تلبية لquot;رغبة جموح من اهلهاquot;، للأنضمام لجنة الثورة الإسلامية. هذا غير اللعب على الف حبل وحبل مع كل من النظام السوري ودعم مغامراته غير المحسوبة التي خربت لبنان واضرت بالإجماع العربي الهش اصلاً. وكذلك دفع طهران لمنظمة حزب الله اللبنانية باتجاه التصعيد وخلق البلبلة و شحن جماعة quot;حماسquot; الاصولية في غزة.
طهران اخطأت حينما ظنت نفسها نداً للولايات المتحدة في المنطقة والعالم. وهي ذهبت بعيداً في الرهان على quot;الفوضى الخلاقةquot; وquot;اشعال العالمquot; في حال لو تعرضت للرد العسكري الحاسم، كما قالت. هذا امر لم يؤتي أكله حقاً. فها هي واشنطن تحشد العرب بجانبها مرة اخرى وتزودهم باحدث الأسلحة لكي يتحمسوا لفكرة الإنقضاض الأميركي على الجمهورية الإسلامية، ويساهموا في ازالة نظام شكلّ لهم، وعلى طول 28 عاماً ومنذ ان هبط الإمام الخميني في المطار، صداعاً مزمناً وارقاً لاشفاء منه.
والأمر لايتطلب دخول العرب الحرب مع الأميركان بشكل مباشر، بل كل ما هو مطلوب منهم ان يوافقوا( أو يطنشوا: في نسخة معدلة!) ويدعّوا القوات الأميركية تستخدم قواعدها المنتشرة على أراضيهم حين تنفيذ الجراحة التي لابد منها. كما مطلوب من العرب ايضاً ان يدافعوا عن انفسهم( بالصواريخ الإعتراضية والبطاريات التي زودتهم بها واشنطن اخيراً) اذما أوفت طهران بوعودها وامطرت quot;مصادر النيران المعادية اينما كانتquot; بالصواريخ البعيدة المدى..!.
الحرب قادمة اذن، والأنباء تحدثت عن نية الرئيس الأميركي جورج بوش ازالة النظام الإيراني قبل رحيله. اي في غضون ال 17 شهراً القادمة. وساذج من يعتقد ان الغرب سيسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي وتهديد مصالحه ووجوده في منطقة مصادر الطاقة الهائلة في العالم. وساذج من يظن كذلك بان الغرب يمكن له ان quot;يتأقلمquot; مع وجود دولة دينية إسلامية تمسك بزمام القوى وتطرح خطاباً ايديولوجياً راديكالياً يتحدث عن quot;تصدير الثورةquot; وquot;ولاية الفقيهquot; وquot;ازالة اسرائيلquot; وتستطيع الحاق الأذى وايقاع افدح الخسائر بالمنظومة الغربية ومصالحها الحيوية في المنطقة، او بquot;العالم برمتهquot; كما يجهر بعض ملالي طهران في غمرة السكرة التي لابد ان تذهب سريعاً.
العرب يريدون التخلص من كابوس النظام الإيراني ومن تمدد فكر الملالي واجندتهم في جسد النظام العربي الرسمي، في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق. ومصر لن ترضى بزعماء اقليميين ينافسونها مكانتها وكذلك السعودية تنظر بحسرة وغضب لتآكل دورها امام قوة وتجذر النفوذ الإيراني السياسي والمذهبي في الجوار القريب...
جولة رايس وغيتس كانت البداية لمرحلة التحضير لضرب الملالي ووضع الخطط العسكرية على نار قوية بعد التمهيد الذكي الذي حصل في الأيام القليلة الماضية، والحديث عن مؤتمر السلام الدولي وحل الدولتين ودعم محور الإعتدال، والخ...
وايران تجد نفسها الآن على حد السيف، ولامناص من تحمل تبعات تحدي النظام الكوني القوي الذي ساد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وتوطدت دعائمه في مرحلة مابعد اندحار الشيوعية. وquot;الجعجةquot; وquot;الفشخرةquot; والتهديد بquot;حرق نصف العالمquot; وquot;محو اسرائيل من الخريطةquot;، لن يفيد في اقناع واشنطن في اصدرا قرار يقضي بعودة اساطيلها من الخليح دون تنفيذها لمهامها، وفسخ عقود الأسلحة الهائلة مع العرب والدولة العبرية، وترك العراق لقمة للنظام الإسلامي، بعد ان ضحك هذا الأخير كثيراً على quot;غباء الأميركانquot;، الذين quot;اسقطوا عدويين لدوديين للثورةالإسلاميةquot;، هما صدام في العراق وطالبان في افغانستان...