سوريا: هل سينجح الفن حيث فشلت السياسة في اختراق الممنوعات؟

بعد أن سدت في وجههم ابواب السياسة نجح آشوريو سوريا عبر بوابة الفن في الخروج من دائرة النسيان والتهميش التي ادخلهم فيها الاستبداد الممارس عليهم من قبل النظام البعثي العروبي الذي يسعى لتعريب البشر والحجر. هذا الانجاز الفني الكبير حققته فرقة الرها الآشورية (السريانية) للفلكلور والفنون الشعبية بقيادة الفنان جورج قرياقس بفوزها بالمركز الأول بالدورة الأولى لـ(مهرجان ادلب الخضراء للفنون الشعبية) الذي اقيم ما بين 12 و 20 / تموز/2007 من بين خمسة عشرة فرقة شاركت بالمهرجان جاءت من مختلف المحافظات والمناطق السورية.
من بين اطلال التاريخ الآشوري ومن ترانيم التراث السرياني الأصيل خرجت فرقة (الرها) للفلكلور والفنون الشعبية. في مدينة القامشلي،نصيبين الجديدة كما يحب أن يسميها السريان، عام 1994 رأت النور. جدير بالذكر أن (الرها) حالياً مدينة هي في تركيا وتعرف بـ(اورفا)،والرها تاريخياَ تعد آخر مملكة آشورية(سريانية) بقيت حتى نهاية القرن الثاني الميلادي حكمتها سلالة الأباجرة- من الملك ابجر- وهي تعد أول مملكة في العالم تعتنق المسيحية. جريدة (الوطن) السورية في تغطيتها لفعاليات مهرجان ادلب وصفت فرقة الرها الفنية بـ(مشروع فكري للدفاع عن وجود). نعم ان فرقة الرها وغيرها من الفرق و الجمعيات الآشورية الفنية،في سوريا وخارجها، تسعى جميعها وعبر بوابة الفن للدفاع عن وجود شعب عريق امحته أو كادت ان تمحيه السياسات العنصرية والممارسات الشيوفينية للدول والحكومات العربية والاسلامية في المنطقة. فحيث فشلت الأحزاب السياسية والحركات القومية الآشورية في سوريا نجحت فرقة الرها الفنية و استطاعت بإمكانياتها المتواضعة أن تثبت وبجدارة،من خلال جميع مشاركاتها واطلالاتها الفنية المحلية والعالمية، أنها ليست مجرد فرقة كباقي الفرق للرقص والغناء، وانما هي أكثر من رسالة،هي صرخة الى الشعب السوري وشعوب العالم، تدعوهم الى التعرف على تراث وتاريخ شعب قديم قدم التاريخ. انه الشعب الآشوري(السرياني)، سكان سوريا وبلاد الرافدين الأوائل، شعب اهدى الابجدية الأولى للبشرية،لكن كان نصيبه النسيان والتهميش، في وطن وهب له اسمه (ASSYRIAN). فحكومات هذا الوطن تستكثر عليه مجرد الاعتراف به وبالتالي تمنع عليه ممارسة ابسط حقوقه القومية والديمقراطية. بالأمس القريب كان ممنوعاً عليه حتى الغناء والرقص والظهور على المسارح الوطنية. تألق الرها بهذا الفن الآشوري الأصيل يؤكد من جديد على أن الشعوب مهما صغر حجمها هي قادرة أن تعطي وتفعل الكثير وتبدع في العطاء اذا ما منحت الحرية والفرصة. والشعب الذي ابدع فنياً، بالرغم من الحصار المفروض عليه والظروف الصعبة التي يمر بها، هو من دون شك قادر على أن يعطي لبلده في كل المجالات الأخرى،السياسية والعلمية والأدبية وغيرها،مثلما اعطى في الماضي الكثير للبشرية. فوز فرقة الرها بالمركز الأول في مهرجان ادلب ليس هو الانجاز الأول والوحيد لها. اذ لها مشاركات كثيرة في مهرجانات محلية وآشورية وعربية وعالمية. حازت فيها على جوائز عديدة منها : جائزة الدكتور ملك حنا قاوقجي في مهرجان السويد،المركز الأول في مهرجان الشبيبة 2001 دمشق،و المركز الثاني بعد دولة الهند في مهرجان طريق الحرير 2003 اميركا،و المركز الأول في مهرجان الرقص الشعبي الأول 2005 جامعة المأمون بالقامشلي. والمفارقة الكبيرة والمدهشة أن هذه الفرقة الآشورية(السريانية) السورية التي حققت كل هذه الانجازات الكبيرة ورفعت علم الوطن عالياً بين اعلام الأمم في اكثر من مكان في العالم،هي غير مرخصة وغير مسجلة في وزارة الثقافة ولم يكن لمديرية الثقافة علم بها الى تاريخ مشاركتها بالمهرجانات. وقد تردد أن دعوة المشاركة في مهرجان ادلب وجهت لها عبر العلاقات الشخصية لمسئولها الفني الاستاذ (جورج قرياقس) بعيداً عن مديرية الثقافة. الأكثر غرابة ونحن نعيش عصر الانفتاح والعولمة في دولة تدعي الديمقراطية والحرية واحترام التعددية والخصوصيات أن عدم ترخيص فرقة الرها الفنية يعود الى خصوصيتها الآشورية وهويتها الغير عربية. جدير بالذكر هناك العديد من الفرق والجمعيات والنوادي الأهلية المهتمة بالفن الآشوري والتراث السرياني في مختلف المدن السورية وهي تعمل وتنشط من غير ترخيص وهذا، من دون شك، يحد من نشاطها وعطاءها ويشكل عقبة كبيرة أمام مسيرتها الفنية كما ويحرمها من حق التمويل والرعاية الرسمية من قبل الدولة و تلقي مساعدات وهبات من قبل المؤسسات والمنظمات الأهلية خارج سوريا. تأمل فرقة الرها، ومن خلفها جمهورها الواسع في القامشلي والجزيرة السورية وفي كل انحاء سوريا ودول العالم حيث يتواجد آشوريون(سريان/كلدان)، أن تكون رسالتها الفنية الحضارية والوطنية قد وصلت الى المعنيين في الدولة السورية. فقد ثبت تاريخياً فرض نموذج واحد من التفكير ولون واحد من السلوك والانتماء والايمان والتفكير واللغة والشعارات على مجتمع، كالمجتمع السوري، يتصف بالتنوع القومي والديني والثقافي واللغوي، هو قتل للطاقات والمواهب وموت للابداع. فزهرة واحدة مها كانت جميلة ورائحتها زكية لا يمكن لها أن تشكل حديقة. وبعد هذه الانجازات الوطنية لفرقة الرها ينتظر الآشوريون، وكل محبي وعشاق الفن الآشوري في سوريا، من المعنيين في الدولة السورية أن يلتفتوا الى الفن الآشوري والتراث السرياني،وتقديم كل العون له وتوفير الامكانيات المادية والمعنوية، من فتح مدارس وانشاء معاهد وأكاديميات، لتعليم وأحياء وتطوير هذا الفن باعتباره فناً وتراثاً سورياً اصيلاً.