الضجة الإعلامية التي أحدثتها الحرب الكلامية بين رئيس الوزراء الجزائري الأسبق السيد بلعيد عبد السلام وبين الجنرال المتقاعد محمد تواتي الملقب ب(المخ) أو العقل المدبر للسياسات في الجزائر؛ نشرت الغسيل الوسخ وكشفت عن حقائق و أحداث كانت تُدار داخل كواليس السلطة الجزائرية.

بلعيد عبد السلام: لمن لا يعرفه تولى حقيبة الوزير الأول في الجزائر بين عامي 92-1993 ؛ وكان في السابق رجلا مقربا من الرئيس الراحل هواري بومدين ؛ كتب في الآونة الأخيرة مذكراته وجمعها في كتاب نشره عبر الإنترنت ؛ وجّه فيه انتقادات لاذعة لعدد من الجنرالات وعلى رأسهم محمد تواتي والجنرال محمد العماري الذي تقاعد من الجيش بعد فوز الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بمنصب الرئاسة لولاية ثانية.

عبد السلام كشف عن أن فشل برنامج حكومته في تلك السنوات العصيبة التي شهدت وقف المسار الانتخابي وانخفاض أسعار النفط ؛ يرجع إلى الضغوطات التي مارسها عليه الجنرالات وخصّ بالذكر الجنرال تواتي الذي اتهمه بالتحالف مع أصحاب المال ( المستوردين ) وذلك بالضغط عليه لإلغاء عدد من القوانين التي شرّعتْها حكومته والمحاربة للاستيراد بطرق ملتوية ! ومن بين رجال الأعمال الذين ذكرهم عبد السلام ؛ أسعد ربراب الذي يُعتبر حاليا من أغنى أغنياء الجزائر؛ وقال إنه كان مدانا لمصلحة الضرائب بمبلغ 140 مليار؛ وحينما أمهلتْه الحكومة مدة شهر لتسديد الديون عُزلت الحكومة !

عبد السلام فجّر فضيحة أخرى وقال إن الجنرال تواتي ليس عقلا مدبرا ! وإنه التحق بالثورة عام 1961أي قبل عام فقط من استقلال الجزائر؛ ودافع عن نفسه قائلا: إنه التحق برجال الثورة وهو لا يتعدى السبعة عشر عاما؛ وإنه الآن يحاول محاربة من يريدون الاغتناء على حساب الجزائريين البسطاء!

المتتبع لسلسلة المذكرات المنشورة والتابعة لأصحاب النفوذ والسلطة في الجزائر ؛ والمتتبع للحروب الكلامية بين مختلف الأطراف المتكالبة على السلطة ؛ يصل إلى حقائق أهمها:

1) الجيل الذي يسمى بجيل الثورة ( نوفمبر) هو من تحكم في مصائر البلاد والعباد منذ 1962 متى استقلت البلاد إلى يومنا هذا ؛ وبالتالي فإن الجيل الذي ولد في الستينات (الاستقلال) ثم السبعينات ثم الثمانينات ثم التسعينات ؛ مغيّب تماما عن مصادر القرار؛ وذلك تحت شعار: نحن جئنا بالاستقلال ونحن من يحكم.

2) جميع الانقلابات والهزات السياسية والخضّات الاجتماعية التي شهدتها وتشهدها الجزائر ؛ مصدرها صراعات ضيّقة بين أبناء هذا الجيل تحوم دائما حول تقاسم الكعكة وتنتهي بنشر الغسيل الوسخ وتحريك الشارع ( انتفاضة 5أكتوبر ؛ إبعاد حسين آيت أحمد إلى المنفى؛ تنحي الشاذلي بن جديد عن الرئاسة ؛ مقتل الرئيس بوضياف ؛ الخ)!

3) جميع السرقات الكبرى التي تتم في البنوك ترجع إلى نفس الخلافات ؛ فهناك فريق يرى أنه له الأحقية في النهب ( حقي من البترول) وفريق آخر مضاد يكشف الفريق الأول ثم يحاكمه ويبدأ بدوره في عمليات الاحتيال.

وهنا يحضرني الملياردير الهارب ؛ عبد المومن خليفه كمثال ( نهب 5مليار دولار) وإذا علمنا أن والد عبد المومن هو خليفة لعروسي الذي كان ضمن الأسرة الثورية وحكم على بلعيد عبد السلام بالإعدام (خليفة لعروسي كان مدير لمدرسة إطارات الثورة بالمغرب حين رفض عبد السلام بلعيد التدريس فيها؛ كما اتُهم بالمشاركة في المحاولة الانقلابية على الرئيس بومدين ) ؛ فإننا نفهم خلفية هذه الصراعات؛ نفهم لماذا قُدمت له كل التسهيلات للنهب ثم أُغلقت في وجهه كل الأبواب !

4) الكل يعلم أن الجزائر عاشت بعد الاستقلال شهورا من الاقتتال الداخلي بين جماعة الداخل وجيش الحدود وغيرها من الفصائل راح ضحيتَه الآلاف من الأبرياء! خلفيات هذا الاقتتال سائدة إلى يومنا هذا!

5) إذا افترضنا أن الذين التحقوا بالثورة عند اندلاعها عام أربعة وخمسين كان متوسط عمرهم 20 سنة ؛ فإنهم اليوم في نهاية السبعين بداية الثمانين ! هؤلاء أصابهم الخرف والمرض لكنهم متشبتون بالسلطة؛ في حين يوجد جيل من الضباط يتربص الدوائر! بمعنى آخر؛ إن الجزائر ستشهد في الأعوام العشرة القادمة انتقالا للسلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال الذي انتظر طويلا! هذا الانتقال سوف لن يكون سلسا ؛ وستشهد الجزائر للأسف المزيد من المذكرات وكشف المستور ؛ والمزيد من الفضائح الاقتصادية ؛ ولا قدّر الله المزيد من الدم؛ ذلك الدم الذي لا يدفعه إلا الشّعب البسيط!

سليمان بوصوفه