النصر مضاعف، فوزنا بالكأس وفوزنا الأكبر مشاهدة العراقيين على اختلاف طبقاتهم ومللهم ونحلهم وقد وحدهم هذا الفوز وأخذوا يقبلون بعضهم البعض الآخر و يجرون فى الشوارع حاملين العلم العراقي ويهتفون للعراق الموحد، وفى سريرتهم امنية العمر: أن يضعوا الخلافات جانبا ويكونون صفا واحدا ضد أعداء العراق كائنا من كانوا.

لكن ما لبثت الفرحة ان تعكرت بوصول أنباء من الأردن وسوريا تفيد باستعمال القسوة والشدة مع العراقيين المتظاهرين الفرحين من ضربهم بالهراوات وتمزيق الأعلام العراقية. أرجوا ان تكون هذه الأخبار مبالغ فيها اذ لا أجد سببا لمثل هذه الشدة ضد عراقيين مشردين ضيوفا فى هذين البلدين العربيين، وهم يهتفون: وحدة وحدة عراقية لاسنية ولاشيعية.

تذكرت معمما عراقيا كان يستهزء بلعب الكرة ومعبرا عن استنكاره لمشاهدته رجالا يركضون وراء قطعة مطاطية على حد تعبيره، ومعمما آخر يقول ان لعبة الكرة تصرف الناس عن العبادة، وآخر أمر أتباعه بضرب كل لاعب لا يرتدى سروالا طويلا يغطى ساقيه بالكامل، أما لعب كرة السلة من قبل البنات فهو محرم تماما وجزاء المخالفة القتل. هؤلاء وأمثالهم من المهووسين بالدين والمتأسلمين أصحاب فتاوى القتل يريدون حكم العراق. ترى كيف سيكون شكل العراق اذا (لاسمح الله) فازوا بمرادهم؟ بغداد بعد سقوط الصنم البعثي توشحت بالسواد، وفى ساحاتها رفعت صور المعممين بلحاهم الكثة وكأنهم يراقبون المارة ويحصون عليهم أنفاسهم ويدققون فى ملبسهم ويحصون عليهم حركاتهم.

بغداد العتيدة، بغداد السحر والجمال، بغداد الشعر والشعراء، بغداد أول جامعة فى العالم، بغداد الجواهري والرصافي والزهاوي، بغداد مصطفى جواد وعلى الوردي وعبد الجبار عبدالله، بغداد الأب أنستاس الكرملي ومير بصري و محمود فهمى درويش، بغداد محمد مكية ورفعت الجادرجي، بغداد جواد سليم وخالد الرحال. وتطول القائمة وتطول. بغداد الحبيبة ستنهض من كبوتها بكل طوئفها وأجناسها، وتشق طريقها الأزلي نحو التقدم والعمران، وتواكب سير الحضارة البشرية نحو غد مشرق وهاج.

مرة أخرى: ألف ألف مبروك لكل عراقي مخلص لعراقه، ويحبه ويضعه فوق وقبل كل شيء.

عاطف العزي