أن تسكن بحر الحزن ويداعبك احدهم، بصفاء قلب، محاولا ان يسرق منك بسمة، ذلك سمو الحياة. أن تكون في النفق المظلم ويأتيك من بعيد صوت يُنعش في روحك امال النجاة، ذلك قد يكون مشروع الولادة من جديد. ان تسقط في الطريق، محطًما، تغتسل بدمائك، مضروبا على الرأس والجسد، وفجأة تمتد يد بيضاء تحاول ان تمسح ماتستطيع من الدموع والالم، تأخذك الى الطريق الصحيح الذي لاتجهله اصلا، تلك هي الترجمة الحقة لمثل السامري الصالح الذي تكلم عنه المسيح ( له المجد ) قبل الفي عام. مافعلته العراقية شذى قبل اسابيع وما يحققه منتخب العراق هذه الايام هي نسمات عليلة هبًت على بلادي الحبيية وكأنها تيار من الهواء البارد يمر على الاجساد التي اعياها حر الصيف دون ان يكون ( لمولدات الابتزاز ) او ( للكهرباء الوطنية ) فضل في هذا التيار بل هو رسالة قصيرة من رب العرش العظيم، فنتعلم منها ان نعود الى اصلنا، الى حياة المحبة والجماعة، و المُحبَون هم الواصلون.

اني اتحدى أيُ تنظيم او قائد سياسي في العراق يستطيع ان يُنزِل العراق الى الشارع، اعدادا غفيرة وبعفوية صادقة كما فعلت شذى وكما فعل هوَار ورفاقه. الالاف بل الملايين تخرج الى الشوارع العراقية غير مشحونة بشحنة العداء او الكره او الانتقام او حتى الاختلاف اتجاه اي فريق او طائفة او قومية ما لانها خلطة ومزيج من الجميع، بل هي ثملة حتى النخاع بحب العراق، كل العراق، بيشماغه وعكاله وسرواله وعبائته ودشداشته، بمأذنه ونواقيسه، بجوامعه وحسينياته وكنائسه ومعابده، بمياهه وجباله وسهوله ووديانه، ببغداده واربيله وبصرته وتكريته وكربلائه. حتى في خارج العراق وفي بلاد الغربة يشعر العراقي بعد فوز فريقه الوطني برغبة عنيفة للنزول الى الشارع، لان شعورا ينتابه اليوم ان ظهره قد عاد اليه ( ولو مؤقتا ) انتصابه. يريد ان يقول للعالم ها أنذا وهذه هي حقيقتي وليس ما تتناقله الاخبار، فانا انتمي الى أُم الحضارات وليس الى عالم المفخخات، ومسلة حمورابي هي شريعة اجدادي اما برلماني الحاضر، الذي اصبح ينافس برنامج ( كاريكاتير )، فهو طفرة وراثية جاءت مخالفة لقوانين التطور، وانا ابن الدولة القديمة والحديثة، واما حكومة المحاصصة، التي يتخاصم ويتصالح اعضائها في اليوم الواحد اكثر من المرات التي يتخاصم ويتصالح فيها ضرائر الحاج متولي فيما بينهم، فهي علامة طارئة حلًت بفعل كابوس اسود هو الاحتلال اللعين. ترى أليس تجنيا وظلما ان نطلق في أن واحد على فريقنا الوطني بكرة القدم وعلى الحكومة العراقية وصفا مشتركا هو ( فريق وحكومة الوحدة الوطنية ) وكأنهما يستحقان الوصف على حد سواء !. لو كان فريقنا الوطني قد اعتمد نظام المحاصصة في تشكيلته وفي توزيع مراكز اللعب لكان يرى في فريق الصومال او افغانستان بعبعا من الصعب اجتيازه، مع احترامنا لهاتين الدولتين. لقد كانت صرخة تركت الوجه يصاب بالاحمرار مدوية تصيح ( عراق - عراق ) وهي تاتي عبر باب شرفة الشقة، صدحت بها جموع العراقيين المتواجدين في الحي الذي اسكن فيه، كل من شقته ويتوقيت واحد بعد حسم النتيجة لصالح منتخبنا في مباراته مع كوريا الجنوبية.

بالامس احتظنت اربيل مهرجان التظامن مع العراقية شذى حسون واليوم اصبح اسم ( هوَار ) شائعا لدى جميع العراقيين. انه لفخر عظيم ان تسمع هذا الشاب الكردي العراقي الاصيل وهو يتحدث الى احدى القنوات التلفزيونية بعد انتهاء احدى المباريات يدعو لعراق موحد، في صوته تعابير الجهد الذي بذله اثناء المباراة لتنتهي بالفوز ومع هذا لايتوانى عن الطلب والدعاء الى الله عز وجل ان يمكِنه من تحقيق الفرحة تلو الفرحة للعراقيين. لو كان بيد ( هوَار ) ورفاقه لطلبوا ان يلعبوا مباراة تلو مباراة، واثقين من ان الله معهم فيحققوا الفوز بعد الفوز لتصبح الوحدة والفرحة حالة ملازمة لحياة شعبهم في هذا الزمن الصعب. ترى متى يكف البعض عن الاصطياد في المياه الاسنة ويفهم ان الاكراد كانوا ولازالوا وسيبقون هم اؤلئك العراقيون النجباء الاصلاء.

وفي غمرة هذه الفرحة، المفاجأة، وعندما ذهب البعض حد الحلم بعراق أمن قريبا، تنتشر في ساحات مدنه و قراه في مثل هذه المناسبات شاشات العرض الكبيرة التي يتجمع حولها ابناء الوطن، يقفون معا يساندون ويناصرون ابنائه المبدعون في الثقافة والفن والعلم والرياضة، دون ان يخطر في بال احدهم إن كان الواقف بجانبه عربي او كردي او تركماني او كلدواشوري سرياني، مسلم او مسيحي او صابئي او يزيدي، سني او شيعي او كاثوليكي او اورثوذكسي. وإذا بالحلم ينقلب الى كابوس فيأتي مانشيت الاخبار بالخبر الصاعقة،عن تفجير سيارات مفخخة بين جموع المحتفلين الفرحين بفرح العراق، ترى هل يعرف الفاعل انه بفعلته تلك لم يستهدف قومية او دين او مذهب، بل في كل ضحية سقطت ترك العراق بأجمعه يتسلق من جديد خشبة الصليب.

شذى و هوَار وكل رفاقه الاخرين وكل المبدعين في بلادي، لاتتوفقوا، عيثوا ( فسادا ) في الارض وانشروا هذا الشعاع القاتل المفعم بالحياة، اجعلوا الجميع يصابون بالعدوى من ( مرضكم )، قسما بالخالق العظيم، ان ( فسادكم وشعاعكم ومرضكم ) هي البلسم والدواء وهي ارقى واحلى واجمل من كل الوصفات السقيمة التي يقدمها لنا تجار السياسة والحروب والارهاب.

أياً كانت نتيجة المباريات النهائية، يكفيكم فخرا انكم أجَجتم أجمل مافينا من المشاعر.

د. وديع بتي حنا

[email protected]