(سراب الإصلاح الداخلي)
ظهر بشار أسد بعد أدائه القسم الأول على أنه سيقود سورية إلى مرحلة جديدة على المستوى الداخلي تتميز بالإنفتاح على الشعب والقيام بالإصلاح الداخلي على شتى المستويات،يلخصه سؤالين أساسيين:الأول هل باستطاعته أن يسير وفق نهج إصلاحي جريء ؟ والثاني:أم عليه أن يتشبث بتقوية موقعه في السلطة والحفاظ عليه وبالتالي يفقد قدرته على أي تغيير جوهري في السياسة الداخلية ؟ فعلى المستوى الأول أبدى بشار أسد نظرياً رغبته بالإصلاح لكنه لم يدرك أو بالأحرى لم يريد الإصطدام بواقع السلطة التي تركه له والده، وبدى في سياسته الداخلية خاوياً وفاقداً لمنهج واضح ورؤية واضحة حول إعادة تشكيل السياسة السورية على المستوى الداخلي الذي يعج بالعقد والتعقيدات،تحايل عليه بخطاب موارب مضمونه أن الإصلاح يحتاج لوقت طويل وهو عملية تدريجية هادفاً إلى كسب وقت أطول لتثبيت وضع سلطته الداخلية.
وفي أيامه الأولى كان موقفه العام ملتبساً بين الحفاظ على خطوط السياسة الداخلية التي رسمها والده وبين دعوته الشفهية وتبنيه اللفظي للإصلاح واختار الوقوف حائراً بين سلطة قمعية لها مرتكزاتها ووسائلها المادية وبين رغبة إصلاحية لايملك من مقوماتها المادية شيئ، وقرر اللعب على الزمن وهو يعرف أنه تسلم سلطة لايحدها سقف زمني معين ولاضغط انتخابات معينة وبالتالي قرر اللعب في المساحة المفتوحة زمنياً مقتنعاً أن عملية الإصلاح معقدة ومحددة بتركيبة الحكم وأداء الدولة وطبيعة النظام المركزي وافتقاره ألى أدوات الإصلاح الرئيسية في ظل دولة متخلفة سياسياً وأكثر منه اقتصادياً،وامتداداً لخطابه الإصلاحي قرر البدء بالإصلاح الإقتصادي مؤجلاً الإصلاح السياسي لخوفه في ظل الوضع الداخلي السوري من انقسامات طائفية متراكمة لايستطيع حلها، وقام بترتيب أولويات الإصلاح بالشكل الذي يسمح له بالسيطرة على السلطة وهو هدفه الأول والأخير.
هنا يكمن التلاقي البنيوي لبشار أسد مع والده في ضرورة الحفاظ على السلطة وعلى عتلاتها الداخلية الرئيسية مع مفارقة أن بشار أسد قرر ذلك عن طريق السيطرة الكاملة على شبطة الإقتصاد السوري وبالتالي إحكام سيطرته على الوضع الداخلي الأمني والإقتصادي عبرتطوير شبكة من الفاسدين الأغنياء اللذين يتحكمون بالإقتصاد السوري بشكل شبه كامل،وعليه كان واضحاً أن بشار أسد صمم على التحرك ببطء شديد في الإصلاح السياسي وعبر أكثر من مرة أن البدء بالديموقراطية في سورية سيؤدي إلى نتيجة مماثلة لماحدث في الجزائر في التسعينات وفوز القوى الإسلامية واتخذه شماعة لطي مسألة الإنفتاح السياسي ورفض السير نحو الديموقراطية وأغلق الباب بشكل كامل واستمر عملياً بنفس صورة النظام القديم.
واستطراداً قرر بشار أسد عملياً الإستمرار بنفس مقاربات النظام نفسه ولم يريد الصدام المباشر مع أركان النظام القديم السياسية والإقتصادية التي تنهب ثروة البلاد وتعيث فساداً في الإقتصاد الوطني،وقررعلى المستوى الداخلي خلق نظام إداري بديل للنظام القديم ولكن ليس على طريق بناء اللبنات الضرورية للإصلاح،بقدر ما هو خلق مراكز جديدة مرتبطة به شخصياً وتستمد وجودها من دعمه لها بهدف تغيير طويل الأمد في بنية السلطة ونقلها من محور والده والتمحور حوله من جيل أتخمه الفساد والنهب إلى محوره هو بجيل جديد يستمر بنفس الآلية ولكن يوفر له السيطرة التامة على عتلات السلطة في المستقبل ويخفف عنه ضغوط مفاصل الدولة والحزب والإدارة المستشرية في بنية النظام والدولة والتي تتحكم بحركتها الداخلية بشكل كبير.
وعليه أوهم بشار أسد الداخل السوري بعملية الإصلاح وأوهمه أكثر بخطورة الإصلاح السياسي في الظروف الإقليمية الخطيرة الجديدة وعزف على وتر الوضع المعاشي المتردي لعامة الشعب مغرراً أن البداية في الإصلاح الإقتصادي هي الضرورة الملحة لسورية والمجتمع لتحسين الوضع المدتهور ومحاصرة الفقر والبطالة والفساد، وقرر عملياً في بناء شبكة جديدة من المستشارين والإداريين والإصلاحيين الذين أغرقوا سورية والشعب السوري في طوفان الفوضى والفقر والفساد من جديد وانعكس ذلك على الوضع الداخلي بشكل خطير، فماهي مقاربات الإصلاح الإقتصادي الداخلي وأدواته التي اتبعها بشار أسد ؟!.........يتبع
د.نصر حسن
التعليقات