بعد ثمانِ سنواتٍ، حطَت الطائرةُ الرئاسيةُ الفرنسيةُ في بلغاريا، في أحضانِها الفريق الطبي الذي حُكِم عليه بالإعدامِ بتهمةِ إصابة أطفالِ ليبيين بالإيدز. لا يُمكنُ التدخل في الأحكامِ ولا في كيفيةِ إصدارِها، كمُ المعلوماتِ شحيحٌ، علي الأقلِ الآن، المهمُ دلالاتُ الإفراجِ عنهم، ففيها الكثيرُ من المعاني.

المتابعةُ العالميةُ وبالأخصِ الأوروبيةُِ لم تهدأ منذ اللحظةِ الأولي للاتهامِ مروراً بظروفِ الحبسِ ثم بإجراءاتِ التحقيقِ والمحاكمةِ. متابعةٌ دقيقةٌ عنيدةٌ، بإصرارٍ وحزمٍ، أمرٌ طبيعي في دولٍ تحترمُ إنسانَها وتقدرُه، إنها الأنظمةُ التي تكتسبُ شرعيتَها من احترامِ شعوبِها، تساوي بين مواطنيها، أحد المتهمين طبيبُ فلسطيني، لم يُهدر حقَه، لم يُنس. بلغاريا ليست من الدولِ الكبري ولا الغنيةِ، لكنها كرامةُ الإنسانِ وحقُه في العدالةِ. تكاتفَت أوروبا، علي أعلي مستوياتِها، الأمرُ ليس لبلغاريا وحدِها، إنهم متحدون رغم اختلافِ لغاتِهم، ومعتقداتِهم السياسيةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ.


هذا التكاتفُ العالمي والأوروبي لحقِ الإنسانِ في الحياةِ العادلةِ ترافقَت معه نظرةٌ للأنظمةِ العربيةِ، متشككةٌ، غيرُ مقتنعةٍ، ولا معترفةٍ، بسياساتِها، باحترامِها لشعوبِها، بكافةِ مؤسساتِها السياسيةِ والقضائيةِ والاجتماعية والثقافيةِ. أنظمةٌ سياسيةٌ وأعرافٌ اجتماعيةٌ لا تقدرُ الحياةَ الإنسانيةَ، تُهدرُها في السجونِ، في جرائمِ الثأرِ وما يُزعَمُ الشرفُ، في حوادثِ الطرقِ، في الجوعِ والعطشِ والبطالةِ والقهرِ. الإنسانُ العربي يُقتلُ بغيرِ حسابٍ، لأي سببٍ، نظامُ حياةٍ عدميةٍ يستهترُ حاملوها بقيمتِها. العالمُ يدركُ تماماً هذه النظرةَ المستخفةَ بالحياةِ، لا يعترفُ بها ولا يقدرُها تمام عدمِ تقديرِه أو ثقته في هذه التجمعاتِ، شعوباً وحكوماتٍ.


بقدرِ الهشاشةِ التي أصابَت الأنظمةِ العربيةِ يكونُ الضغطُ عليها، واقعاً، لا تملكُ من أمرِها شيئاً، بضعفِ اقتصاداتِها وصناعاتِها وتهالُكِ بُناها التحتيةِ وتعليمِها، إنها عالةُ العالمِ وعاطِلُه الأكبرُ، كائنُه المريضُ. الطاقمُ الطبي البلغاري برئ أم مذنبٌ؟ كيف تكون الإجابةُ مع تردي الأحوال السياسيةِ والاجتماعيةِ، والعلاجُ والقضاءُ من أركانِها؟ لذا كان الضغطُ العالمي ولذا أثمرَ.

لو كان المتهمون عربٌ لكان الإعدامُ نصيبَهم من أولِ جِلسةٍ، لا ثمنَ لهم، ولا كرامةَ، شأنُهم شأنُ ذواتِ الاثنتين والأربعِةِ والستةِ والثمانيةِ أرجلِ، لا أكثرَ وقد يكونُ أقلَ،،


ا.د. حسام محمود أحمد فهمي