مع بدايات ونهايات الحروب كل الحروب نقطة تفصلنا عن مصيرنا نحن الذين نكتب ونسعى لصورة ليست فوتوغرافية لنفهم القارىء أن ما نفعله هو الحقيقة بعينها..
نطير به الى أفق أبعد من سماء زرقاء موجودة في عدسة كاميرا يقولون أنها مهددة أو مضطهدة.
منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أتخبط بين مجلة وصحيفة.. كنت أريد ان اتعلم الخبر وكيف أكتبه؟ وكنت أرى عن قرب كيف يمتطي المصور الكاميرا ويذهب بها الى البعيد..
هو في النهاية انسان طيبأراد أن يؤرخ اللحظة في صورة قال لي وليد عوض منذ سنوات اسمه أهم من كلمة أستاذ تسبقه :quot;يا ابني المصور عندو عقدة المحرروأنا بطوّل بالي عليه لاني عايزوquot; لا أعرف ان كان كل المصورين لديهم العقدة التي تحدث عنها وليد عوض لكنني أدركت بعد مغامرات طويلة ان لا شيء يساوي الحياة الاّ الموت المفروض علينا جميعاً.
كنت أمشي لا أسمع صوت العقل وكنت أريد الوصول الى مكان ما أكتب فيه لم أعمل في حياتي الا في ملاك صاحبة الجلالة كانت كل الصور من أمامي لوحات دراماتيكية لناس ووطن هو في الاصل معاناة وعلينا أن نؤرخ كل هذا في جعبتنا ونقف على موضوعية بعيداً عن اي لُبس من المفترض أن أنه الحقيقة تنامى الى ذهني أسماء بعض المصورين الزملاء الابطال في ساحات المجد السياسي والفني والذين حاولوا صدفة تأريخ ثوان من الحرب والسلم..
وتساءلت هل فعلاً هؤلاء يحبون بعضهم هل فعلاً هؤلاء يوزعون النيغاتيف فيما بينهم لنشر كل هذه الصور تحدث السيد نقيب المصورين جمال السعيدي مع نضال الاحمدية على قناة الجرس عن الازمة الخانقة التي تعترض سير عمل النقابة في لبنان وآلمني كثيراً الوضع الذي وصلت اليه الحال مع الحكومات المتعاقبة (قصة ابريق الزيت).. والذي لا يزال يؤلمني أكثر مع نضال الاحمدية هو أننا لم ندخل الى نقابة المحررين واستغلت نضال حضور النقيب السعيدي لنشر الغسيل القديم على السطح وهاجمت نقيبا الصحافة والمحررين نحن كمحررين لسنا أفضل حالاً من المصور نضال قررت اخيراً الانضمام الى نقابة السعيدي
كادت نضال تموت قبل سنوات وربما ستلهبنا الذكرى من جديد لو تذكرنا صورتها مضرجة بدماءها في مستشفى المقاصد..
لم تكن نضال يومها مصورّة..نضال يومها عانت الظلم الكبيرأدرك ربما أنني لست بحاجة الى نقابة لتعترف بي كاتباًومبروك للاستاذ ملحم كرم ومحمد بعلبكي النقابات المفتوحة بالمناسبة تتلمذت في بداياتي على يد الاستاذ الكبير الراحل سامي غميقة والاستاذ الفنان جيجي لامارا شاهد على ذلك..
نعود الى الصورة quot;بزومquot; استثنائي أستعيره من السادة الزملاء العاملين في الجرس على اعتبار أن كل المحررين في الجرس يصورون ولا همّ....
ميشلين وديانا وكانت روى وحتى رجا وشادي يلتقطون أنفاس الصورة من رقبتها للفوز بسبق نهاية الاسبوع ولا بأس لو كانت نضال الاحمدية هي المثل الاعلى لنا جميعاً في التقاط الصورة وهي سيدة الصحافة الفنية بلا منازع تستلهم من عزيمتها الخبر لتبثه وتظفر به ولا تنسحب الاّ بعد معارك تقول عنها باطلة لكنها تربحها بعد ممارسة دور المقاتل والتحري والقاضي.
في النهاية كلنا في العالم العربي من زعماء ورؤوساء وحتى أطفال نريد الانتصارغيرالالهي بالطبع ونربح فكيف هو الحال في الفن؟؟
ما دفعني (للزوم والفوكوس) هنا هو السؤال من يقرر أن التصوير مسموح أو مفتوح أمام كل الحدود ولكل الناس واي وطن عربي نستحق أن نفتل لا أن نستشهد من اجله..
من يزودني بالمعدل العام للأعمار في العالم العربي ؟
ستون عاماً- سبعون أم ثمانين في أفضل الاحوال..
كم عشنا ونحن نلفظ صورنا الاجتماعية من الحروب والهروب الى غير رجعة نحن نذكر اليوم ليال نجيب التي عاشت ستة أشهر تريد ان تلتقط قدرة المشهد قبل أن يلتقطها هو وتصبح هي المشهد
ماذا يعني ان مضى الزمن ونحن كل عام نتذكر مآثر(!) ليال نجيب التي قدمت نفسها قرباناً للصورة.. وماتت؟
ليال كانت تحمل فقط quot;زوماً لم يمهلها كثيراً والسبب هو اننا ننسى ولا نُعلّم بعضنا ماذا علينا ان نكون لتصبح صورتنا أوضح أمام محكمة النفس..
تاريخنا سيحاسبنا بالطبع على ما فعلناه.
أمر دوماً في منطقة الصيفي البيروتية الاصيلة ومنذ نوفمبر الماضي تنتصب على مبنى حزب الكتائب العالي صورة للنائب الراحل بيار الجميل مكتوب تحتها بالخط العريض ليبقى لبنان..
كنت أحب الشيخ بيار الجميل كثيراً خصوصاً وأنه من عمري وكنت أرى فيه عنفوان الشباب لكن الصورة الكبيرة على جدار مقر الكتائب تؤكد أنه مات ليبقى لبنان ومن قال ذلك ؟
مات عمه بشير الجميل قبل 25 عاماً ولا يزال لبنان فهل تكذب الصورة؟؟
كنت احب بيار ولا أزال عندما أرى والدته السيدة جويس ابكي أشعر كأنها أمي..
كنت أرى بيار الجميل بعيداً عن السياسة ربما رجل اعمال يطير بين لندن وباريس ودبي ويمتلك مجموعة من الشركات المالية أو المصرفية أو حتى الاعلامية وان شاء يقول رايه في السياسة على فضائية عربية لانه متجذر في السياسة لاأن يصبح الطرف المظلوم والمقتول أنا اقول لو رحل كل السياسيين عن لبنان لبنان سيبقى..
المصورون الذين لاحقوا الاميرة النائمة ديانا في سبات المملكة البريطانية لتبقى الصورة تخليداً لموتها
ماتت ديانا ومشى المصورون في جنازة ملوكية ماذا نفعت الصورة؟؟
بقيت الصورة منصوبة وديانا ماتت من ينقذ المصور من جهل وتربص القدر والسياسة والفن وُيحكمّه بثقافة ضرورية كي لا يخسر حياته أو يستسلم لياس الحروب كما هو الحال عند النقيب السعيدي؟؟
نحن عالم عربي لا يفقه الا بمنطق القتل الاميركي ننقذ خططاً أميركية لنقتل أو لننتحر من اجل الصورة
كلنا أبطال من فلسطين وجمال عبد الناصر وياسرعرفات ولا مجال للمزايدة في مثل هذه الاحوال سنموت ابطالاً ليس لان الصورة بدت واضحة تقول كل شيء عن حقيقتنا العارية ولا رغبة في مقاومة أو جائزة مسيّسة ولا هرباً من تحت سقف الاطفال الذين هدم منزلهم في قانا الجليلة.. ولا حتى حقيقة أو كذبة الفوتو شوب التي أخرجت اللاعب المخضرم والمصورالكبيرعدنان الحاج علي من رويترز لانه زوّر حريق الضاحية قبل عام واحد.. ولا حتى موت المصور وليد العشي بمرض السرطان فقيراً الاّ من ثيابه بل من خفايا القدر المرسوم بعدسة واضحة (بالمناسبة وليد العشي هو الذي ساعد واحتضن موهبة نانسي عجرم وكان يحملها الى كل وسائل الاعلام كالطير الذي يمسك بمنقاره وليده ليبعده عن شر الموت ويمنحه الحياة)
الصورة والوقت وسيل من التهم وكل ما في الامر أن الشهادة المزورة على لحظة تبدو بالية من واقع عربي مرير ضاق ذرعاً بالجهل فأستفرغ نعيقاً من حروب لن تعرف النهايات وهي في الاصل لم تتوقع البدايات الكبيرة التي سلبت فلسطين حقها وقتلت ناجي العلي المصور الكاركاتيري الاول واستطاعت القفز فوق جثة كيندي واكملت لتغتالنا جميعاً وتؤرخ صورة الهوان الكبير.
لا يا سادة ليال كانت طفلة صغيرة أرادت أن تلهو واختارت لعبة الحرب لم يكن السلاح رشاش ماء بل كان يهودياً صحيحاً استمهلت ستة أشهر وحماسها نابع من عنفوان بديهي لشابة لم تجد أحداً يخبرها أن اللعبة أكبر منها.
كانت ليال تبحث عن مكان تشعرفيه أنها أصبحت تملك قرارها وتؤكد للجميع أن قدرتها ستتغلب على أنوثتها..
ألم تنقص وزنها عشرات الكيلو غرامات قبل اشهر من وقوع الواقعة..
هي الصدفة والاقدام المتعب يقودنا الى البطولة في أن نتسلق أرض المعركة ثم نقع في الباطل فلا الحروب اليهودية ستقف بعد موتنا أو قتلنا ولا العرب سيفهمون يوماً ما أننا نموت من أجل....لا شيء سوى أن حماسنا يستهتر بقيمتنا الانسانية كنت أفضل ان ارى كل المصابين في معارك الباطل الطويل يعيدون قراءة التاريخ والهزائم وتعلم الدروس من الماضي لا متابعة طريق الحماس العربي ليتنا نهدأ قليلاًاسرائيل ستزول حتماً لكن قبلها بايام ستحاول سحقنا ليتنا نفهم لعبة عدونا قبل ان نعلن انتحارنا فجأة ونصبح رغم كل الاخطاء ابطالاً من ورق..
البطولة لا تكون بكاميرا ولا بعملية انتحارية ولا بابن لادن رئيساً لجمهورية العالم ولا بصوت أم تندب فلذة كبدها..
البطولة في مفهومها البسيط البسيط جداً تبدأ حين نصمت ونتأمل في أننا اصبحنا فجأة قيمة انسانية تتكئ على سنين نعيشها على معدل أعمار من صنع الله وحده.
ربيع فران
التعليقات