هناك مبدأ في الفكر السياسي يتحدث عن تأجيل الإعلان، وهو يقضي بأن المشاريع عندما تكون غير مضمونة النتائج يجب التريث في إعلانها لحين توفير أرضية لها.
ويعتمد رجال الدولة هذا المبدأ عندما يرون أن مشروعهم قد يواجه بمعارضة شديدة، نتيجة سوء فهم مقدماته، أو نتيجة مطالب مسبقة ستفرضها الأطراف السياسية بمجرد الإعلان، وقد برع ثلاثة من رؤوساء أميركا في تطبيق هذا المبدأ هم أيزنهاور وريغن وكلينتون. كما برعت في تطبيقه رئيسة الوزراء البريطانية تاتشر، والرئيس الفرنسي ديغول.
أما في دول الشرق فقد كان بورقيبة والملك حسين والسادات وحافظ الأسد من الناجحين في تطبيقه في تجارب عديدة من سنوات حكمهم.
تأجيل الإعلان يمنح رجل الدولة فرصة كافية لمعرفة ما ستؤول إليه النتائج، ويستطيع ان يقدر ما إذا كان مشروعه سينجح أم لا، وفي هذه الحالة يستطيع التراجع أو المضي طبقاً لما قرره الواقع أمامه.
عندما نراجع العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام السابق، نلاحظ أن هذا المبدأ لم يستخدم على الاطلاق، بل كان الإعلان هو المعتمد في كل خطوة يراد تطبيقها، مما جعلها تواجه بردود فعل سريعة تحبطها منذ البداية، أو تعيق تنفيذها. فتحولت المشاريع السياسية الى ركام من الفشل المتكرر، بل نلاحظ في حالات كثيرة، أن القرارات التي كبدت المواطن والدولة خسائر ومتاعب كثيرة، يعاد النظر فيها بعد فترة، بمعنى ان العملية السياسية أصبحت حقل تجارب، وليست عملية قيادة دولة وبنائها على أسس سليمة.
والأكثر من ذلك، أننا لاحظنا أن بعض المفاصل الكبيرة في العملية السياسية يتم الإعلان عن إنتهائها، رغم ان الأطراف السياسية لم تنته منها بعد، حيث يتفقون فيما بينهم على مراجعتها لاحقاً، كما حدث في قانون إدارة الدولة، وكما حدث في الدستور.
وكذلك كما حدث في تسمية حكومة المالكي بحكومة الوحدة الوطنية، مع أنها ولدت وهي تعاني من خلاف حاد، لدرجة لم تسم تشكيلتها الاولى وزارتي الداخلية والدفاع.
ويأتي في هذا السياق مشروع المصالحة الوطنية الذي طرحه المالكي، والذي تحول فيما بعد الى عبء تنوء به حكومته، وأدرجته إدارة الرئيس بوش ضمن قائمتها في مراقبة نجاح الحكومة، وراحت تطالب به الدول العربية والمكونات السياسية العراقية، أي أن الإعلان المسبق عنه وضع المالكي أمام إحراجات عريضة.
إن الإعلان عن المشروع السياسي في دولة تعيش أزمات حادة، تحتاج الى دقة كبيرة، فالاعلان يجب ان يفظي الى نتائج عملية، وإلا فانه سيتحول الى إدانة ترفع أمام رجل الدولة كل يوم.
عندما نستعرض الواقع العراقي، نلاحظ ان الإعلان أصبح سياسة عامة معتمدة من أرفع منصب بالدولة مروراً بالوزارات ووصولاً لمجالس المحافظات. والنتيجة في الأغلب نتائج معاكسة أو لا تتحقق.