بداية عند الحديث عن الشعب العراقي لابد من التفريق ما بين السلوك الفردي، وبين السلوك الجماعي السياسي:

فالعراقيعلى الصعيد الفردي - غالباً - ما يكون شخصا مثقفاً معتدا ً بنفسه ويمتاز بالكرامة وعزة النفس والاخلاص والأمانة ودفق كبير من المشاعر الانسانية.

ولكن الحال يختلف في السلوك الجماعي السياسي.. اذ يتصف المجتمع العراقي بالغوغائية والهمجية والسلوك التدميري، واخطر ما في سلوك العراقيين السياسي هو غياب الأهتمام بمصالح الوطن والانهماك بالمصالح الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية!

لقد سبق للعراقيين ان ذاقوا ذرعاً بالاستعمار العثماني الذي أستمر بحدود - 400 - عاما من العبودية والقهر والقتل ونهب الثروات وفرض الضرائب وسوقهم كالعبيد الى خارج حدود العراق للقتال في حروب الجيش العثماني.

وعندما جاءت الفرصة الذهبية على يد الجيش الانكليزي الذي دخل العراق وطرد الجيش العثماني وحرر العراق منه، وذاق الشعب العراقي لأول مرة في تاريخه الحرية، وبدأ الانكليز في بناء دولة عراقية حديثة فيها مؤسسات ديمقراطيةوعاش الشعب لأول حياة كريمة.

وهنا في ظل الحريةبرز مرض ماسيوشية المجتمع العراقي وعطشه للقوة والدكتاتورية والحاجة للخضوع للسلطة... فأخذ يمارس شتى انواع الممارسات التخريبية الهمجية ضد نفسه وضد مصالح وطنه، وأقدم مجموعة من قطاع الطرق اللصوص من أفراد العشائر الذين كانوا يعملون كميليشيات للحماية الطرق وغيرها لدى الانكليز.. أقدم افراد العشائر أولئكعلى اعلان التمرد المسلح بعد ان رفض الانكليز ابتزازهم وزيادة حصصهم المالية فأعلنوا تمردهم بمساندة بعض رجال الدين الفرس المتخلفين وأطلق على عملهم التخريبيذاكمايسمى بثورة (العشرين) وهي في حقيقتها اعمال شغب غوغائي لاأكثر!

وأستمر ت اعمال الشغب والتخريب وتوجت بأنقلاب 14 تموز عام 1958 الذي قام به مجموعة من ضباط الجيش الأميين الطامعين بالسلطة الذين أجهزوا تماما على مؤسسات الدولة العراقية ودمروها وافتتحوا عهد الانقلابات العسكرية الاسود!

وفي عام 2003 يعيد التاريخ نفسه، فبعد تحرير الجيش الامريكي للعراقيين من القمع والسجون والقتل والخلاص من نظام صدام الاجرامي، واشراق شمس الحرية... شعر العراقيون بالحنين الى مرض الماسوشية والحاجة الى الدكتاتورية والخضوع للسلطة، وسرعان ما تمردوا على الديمقراطية وبدأوا في أرتكاب جرائم التخريب والفساد الاداري وتهريب النفط والمفخخات والقتل.

وغدر العراقيون مرة أخرى بالمحرر الامريكي مثلما فعلوا سابقا بالمحرر الانكليزي، وهاهم يدمرون أنفسهم ووطنهم ويضيعون فرصة لاتتكر لبناء بلدهم والاستفادة من الامكانيات الهائلة للولايات المتحدة الامريكية!

ثلاثة فقط أستطاعوا فك شيفرة المجتمع العراقي وضبط سلوكه هم: الحجاج بن يوسف الثقفي، والاستعمار العثماني، وصدام حسين، فهؤلاء الثلاثة نجحوا بشكل بدرجة كبيرة في اشباع الحاجة الماسوشية لهذا المجتمع لقبضة السلطة الحديدية والقمع والخضوع، لاحظ كيف أستمر الاستعمار العثماني - 400 - عاما والشعب العراقي خاضع مستسلم تماما للعبودية، وكيف أستمر نظام صدام - 35- عاما والشعب العراقي خاضع له، ولكن بمجرد مجيء الفرصة للتحرر والديمقراطية على يد الانكليز والامريكان، سرعان أعلن المجتمع العراقي رفضه اللاشعوري لهذه الدميقراطية عبر التمرد عليها واشهار سلاح الغدر!

أكرر عند الحديث عن الشعب العراقي لابد من التفريق مابين السلوك الفردي، ومابين السلوك الجماعي السياسي، فالعراقي على الصعيد الفردي - غالباً - ما يكون شخصا مثقفاً معتدا ً بنفسه ويمتاز بالكرامة وعزة النفس والاخلاص والأمانة ودفق كبير من المشاعر الانسانية، ولكن للأسف سلوكه الجماعي السياسي في غاية الهمجية والتدمير الذاتي.


[email protected]