قبل أن يتسلم السيد نوري المالكي مهامه كرئيس للوزراء كانت علاقته بنواب العرب السنة يسودها التوتر، بسبب ما كان يدور في البرلمان العراقي، حيث كان المالكي مباشراً في طرح تصوراته.
وعندما تم ترشيح المالكي ليكون بديلاً عن الجعفري، قال المالكي لقادة حزب الدعوة أن ترشيحه مسألة صعبة لأن هناك من يعترض عليه من بين الكتل البرلمانية والتوافق من بينها، كما أن السفارة الأميركية لن تقبل به.
كان المالكي واقعياً في تصوراته، فهو يعرف علاقته بالكتل البرلمانية، ويعرف ما نجم عن مواقفه المباشرة ومناقشاته القوية مع العديد من النواب، من تشنج وفتور وربما خصومة. وكان طرح اسمه كبديل عن الجعفري يعني رفض تلك الكتل، مما يبقي أزمة تشكيل الحكومة متفاعلة لفترة أطول. وحين بدأ تداول اسم المالكي كبديل عن الجعفري إبدت كتل برلمانية إعتراضها، لكن السفير الأميركي زلماي خليل زاد لم يسمح لهذا النقاش أن يطول، كانت تعليمات الرئيس الأميركي بوش محددة لا تقبل التأجيل، فهو يريد حسم القضية خلال ساعات معدودة، لذلك أبلغ خليل زاد الكتل البرلمانية ان واشنطن لا تعترض على تولي المالكي رئاسة الوزراء، وكان ذلك كافياً لأن تتفق الأطراف على المالكي رئيساً للوزراء.

إن إتفاق الكتل البرلمانية على المالكي لا يعني أنها نسيت مواقفها السابقة، كانت مرحلة لا بد من تجاوزها، وبعد ذلك عادت المواقف لتكون هي مقياس العلاقة معه، وقد بدأت أولى الشكاوى من القائمة العراقية حين أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي سخطه على الحكومة، وقال أن كتلته قدمت ملاحظاتها الى الحكومة وأنها لم تتلق جواباً منها، وقال أن القائمة العراقية لا يمكن أن تبقى بدون موقف وان الحكومة إذا لم تستجب لملاحظاتها فانها قد تنسحب. لكن موقفاً عملياً لم يترتب على هذا الكلام وظل مجرد تصريح أطلقه علاوي إعلامياً فجرى تداوله لعدة أيام ثم تلاشى وسط زحمة التطورات.

جبهة التوافق من جانبها شعرت بأنها وقفت ضد تولي الجعفري رئاسة الوزراء، دون أن تحصل على مكسب ذي شأن، فنيابة رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، كانت حصتها المضمونة بأي حال من الأحوال، وربما شعر زعماؤها بأنهم إنساقوا في مشروع خال من الربح في ساحة تتعامل بقانون الربح الفئوي.
كانت بداية المواجهة بين المالكي وجبهة التوافق عندما أعلن عن خططه الأمنية، وتحديداً في شارع حيفا حيث أبدى نواب جبهة التوافق إعتراضهم الشديد متهمين الحكومة بأنها تعتمد الطائفية في الخطة الأمنية.
ظل التوتر هو الذي يحكم علاقة المالكي مع جبهة التوافق، فقد كانت الجبهة كثيرة الشكوى من التهميش على لسان زعمائها، وقام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بجولات عربية ودولية استطاع ان يحظى بدعم عربي كبير للعرب السنة في مواجهة حكومة المالكي. وكان الدعم من القوة بحيث ان الهاشمي أقنع الدول العربية بضرورة أن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصة العرب السنة وليس الأكراد.
أدرك الرئيس الطالباني ما تسعى إليه جبهة التوافق فقدم مشروعه في التحالف الرباعي الذي أيده رئيس الوزراء بقوة، مما أثار إمتعاض التوافق حيث وجدت فيه نهاية لطموحها في الحصول على رئاسة الجمهورية، فقد كان واضحا أن المشروع يهدف الى إجراء صيغة تعزز التوزيع الحالي لفترة طويلة قادمة، وهذا ما ترفضه التوافق.
لقد شكل منصب رئاسة الجمهورية محور الصراع بين الحكومة والتوافق، كان الصراع معلناً لكن الهدف من ورائه تسوده العتمة، ولو أن التوافق أعلنت رغبتها صراحة لكان ذلك أجدى لها، فهي تحظى بعمق استراتيجي عربي يؤيدها في هذا المطلب، لكنها فضلت الحديث بشعارات واسعة، في الوقت الذي تحتاج فيه أوضاع العراق الى تحديد الإتجاه بشكل مباشر.
لقد صممت التوافق موقفها بالانسحاب إستناداً الى دعم عربي، للحصول على مكسب لها في الواقع العراقي.