من حين لآخر يطلع علينا بعضهم يذكرنا بالحروب الصليبية وجيوشها المتوحشة التى غزت ديار المسلمين الوادعة الآمنة، وكيف ان البطل صلاح الدين ردهم على أعقابهم مدحورين خاسرين، وبذلك أخفوا الكثير من الحقائق التأريخية.ان ما حصل هو ان المسلمين قد قد غزوا أسبانيا والبرتغال من شمال أفريقيا عام 711 ميلادية، بينما الغزو الصليبي بدأ عام 1095 ميلادية. الغزو الصليبي انتهى فى فلسطين 1291 وفى مصر سنة 1427 بينما الغزو الاسلامي (باستثناء الهجمات العثمانية) انتهى عام 1492. الغاية المعلنة من الغزو الصليبي كانت تحرير القدس والأراضى المقدسة التى كانت مسيحية قبل (الفتح) الاسلامي، أما الغاية الحقيقية هى فى الغالب النهب والسلب حتى ان بعض جيوش الصليبيين نهبت أقطارا مسيحية وهم فى طريقهم لتحرير القدس!!. والغاية المعلنة للغزو الاسلامي هى نشر الاسلام فى بلاد (الكفر)، بينما الغاية الحقيقية هى النهب والسلب فى الغالب ايضا. وهكذا كانت اسباب كل الغزوات منذ الأزل مهما حاول الناس تجميلها واضفاء صفات البطولة والفروسية عليها.
قام الصليبيون بأعمال منكرة من قتل وتنكيل وحرق وتدمير، مما لم تكن له سابقة فى تأريخ الحروب، ولا ينكر الأوربيون ذلك بل يذكروه بخجل وباستنكار شديدين.فى شرقنا لم نقرأ عن منكرات قامت بها الجيوش الاسلامية، ولكنها بالتأكيد لم تحتل اسبانيا والبرتغال بأغصان الزيتون. أقام المسلمون حضارة عظيمة فى الأندلس لا ينكرها الاوربيون، لكنهم يقولون انها تمت بالتعاون مع الاسبان الذين لم يغادروا بلدهم واعتنقوا الاسلام أو تظاهروا باعتناقه لتجنب دفع الجزية.
وحيث ان الصليبيين كانوا من امم شتى اتفقت على شن الحرب، فقد ذهب ذلك مثلا بين الأوروبيين يضرب على كل تجمع عدائي، ولكن البعض منا يستغل ذلك ليتهم الغرب باستمرارهم بالحرب المسيحية الصليبية والتى لم يعد لها وجود منذ أكثر من خمسمئة عام.أزاح الغربيون رجال الدين عن السياسة وتخلصوا من تدخلاتهم فى الشئون الدنيوية للناس، وكان ذلك أحد أسباب نهضتهم.
المسيحيون وباقى الطوائف الدينية فى العراق هم جزء من أهل العراق، وان يتطاول البعض منا عليهم أو يعتدى على مقدساتهم يكون كمن يضرب يده اليسرى بيده اليمنى. فهم جزء من كل، ولا تعمل آلة اذا ما تعطل جزء منها. لا يحاسب المسلمون كلهم بسبب خطأ فرد واحد منهم، كما لا يحاسب الآخرون كلهم بسبب خطأ فرد واحد منهم.فى الماضى البعيد والقريب حصلت مثل هذه الأعتداءات والكل أخطاؤا ولكن من الذى لا يخطىء؟ وكما قال الشاعر: (اذا كنت فى كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذى لا تعاتبه).

فكما هم أخطأوا بحقنا فنحن ايضا أخطأنا بحقهم، ويجب ان لا ننسى الأسواق القديمة فى بغداد بعد الفتح الاسلامي، عندما كانت تعج بالجوارى والعبيد من شتى الأجناس والأديان وقد اختطفهم المسلمون من ديارهم وباعوهم لكل من دفع أكثر، ونفس الشيء حصل فى اوروبا حيث أسواق الجوارى والعبيد المختطفين من الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم تجارة العبيد الذين كانوا يساقون من أفريقيا ويباعون فى أمريكا، بواسطة تجار الرقيق العرب.

اننا فى العراق مصابون بداء نبش الماضي، فيعيب أحدنا على الآخر من أن أجداده لم يكونوا عربا او غير ذلك من الترهات التى تعصف حاليا بالبلد عصفا وتدمره وتقضى على اهله. وصل بنا الحد الى حيث أصبحنا لاجئين مشردين فى بلدنا ومنا من هاجر الى بلاد الغربة وبمرور الزمن سينسى أولادنا بلدهم الأصلي الذى ولدوا فيه.

مصائبنا سببها لنا المتأسلمون السياسيون، والبعثيون القتلة الذين يحلمون بالعودة الى حكمهم الدموي، و لا ينقذنا مما نحن فيه الا وحدة الصف واعتراف كل منا للآخر بأخطائه و بحقه فى العيش الكريم فى بلده، بلد الخير والعطاء. ولا يحاول أحدنا فرض سيطرته على الآخر لانه من طائفة او من قومية أخرى، ولا تحاول الأقلية السيطرة على الأغلبية ولا الأغلبية تظلم الأقلية. فأبناء البلد الواحد يتساوون فيه فى الحقوق والواجبات. دعونا نعمل يدا واحدة لايقاف النزيف واعادة اعمار البلد وطرد الأجنبي. الزمن عدونا الأكبر، فان لم نسرع بالاصلاح فلن تقوم لنا قائمة. علينا ان ننسى الماضى الأليم ونفكر فى مستقبل زاهر يجمع كل العراقيين من كل الطوائف والأديان والأجناس. فنحن مسئولون أمام أطفالنا، الذين سرعان ما يصبحوا شبانا ويطلعوا على ما فعلنا نحن الآباء لهم، وهل هيئنا لهم مستقبلا قاتما مليئا بالأحقاد أو مستقبلا سعيدا وحياة هانئة.