في أعقاب طلب الكونغرس الأميركيِ التعليق المشروط لمبلغ 200مليون دولار مِنْ المساعدةِ التقديرية للسَنَةِ الماليةِ 2008، رَفضَ المسئولين المصريينَ فكرةَ أن الولايات المتّحدةَ يُمْكِنُ أَنْ تُملي سياساتِ الحكومةِ، حتى أن البعضُ ذَهبَ إلى حدّ الإدعاء بأنّ مصر لَيستْ بِحاجةٍ إلى المساعدات مِنْ أميركا. لكن من الواضح أنّ البلادَ معتمدة بكل تأكيد على هذه الأموال كي تُبقي على فاعلية الاقتصاد والبنية التحتية.
وتشكل المساعدات الأميركيةُ ما يزيد على 2.5 % من الناتج القومي المحلي السنوي الذي يقدر بحوالي 82 بليون دولار. مع وجود بعض الصناعات العالمية بخلاف النفطِ والغازِ، اللذان يمثلان تقريباً 7 % من الناتج القومي المحلي الإجمالي، ومصادر دخل مصر الرئيسية تتمثل في السياحةَ (6%)، عائدات قناة السويس (5%)، الزراعة (18%)، والحوالات المالية إلى أفرادِ العائلة مِنْ المصريين العاملين بالخارج. وقناة السويس هي مصدرُ مصر الثالث الأعلى للعملةِ الأجنبيةِ، بعد السياحةِ والحوالات الماليةِ الأجنبيةِ، وبالتالي فهي مصدر دخل حيوي. الضرائبُ مِنْ القناةِ تجلب عائداتَ تقدر بحوالي 3.6 بليون دولار سنوياً، مما يَجْعلُ برنامجِ المساعدات الأميركيِ مساوياً تقريباً إلى50 % من تلك العائداتِ. وبشكل واضح فإن مصر لا تَستطيعُ رَفْض هذا المبلغ الوفير كمساعدة من أميركا، جزئياً لأن كُلّ مصادر مصر مِنْ العملةِ الأجنبيةِ محل نظر. والسياحةُ تَتقلّبُ بالأحداثِ العالميةِ والمحليّةِ. وتاريخ السياحةِ في مصر يظهر بأنّ عقب كُلّ حادثة إرهابية، فإنّ القطاعِ يَأْخذُ على الأقل 8-9 شهور أَو أكثر للعَودة إلى حالته الطبيعية. وحيث أن أسهم السياحة بدأت في الارتفاع في الوقت الحاضر، فإن العائدات الآن بدأت في العَودة إلى المستويات السابقة على الهجمات الإرهابية في 11سبتمبر/أيلولِ, 2001. العائدات الزراعية مستقرّة عموماً، ولكن بينما يتزايد عدد السكان فإن هناك مساحة قليلة للنمو الزراعيِ، وذلك لأن 2/3 مِنْ مساحة الأرضِ المصريةِ صحراءُ، باستثناء ضفاف نهر النيل الخصب والدلتا باعتبارها مناطق صالحة للزراعة. ومن المستحيل الاعتماد على الحوالات المالية من الأقارب المقيمين بالخارج كمصدر ثابت ودائم للعملة الأجنبية.
لكن بالرغم مِنْ اعتماد مصر الواضح على المساعدات الأميركيةِ ورغبةِ أميركا في منح الأموالِ إلى دولة تتمتع بمثل هذه المركز الإستراتيجي الخطير، فإن طبيعة برنامج المساعدة الأميركيةَ لمصر ربما تعد القضية الأكثر أهميةً وجدلا التي تُسيطرُ على العلاقاتِ المصريةِ الأميركيةِ اليوم. في الثلاثين عاما الماضية، زوّدتْ الولايات المتّحدةَ مصر بكميةِ هائلةِ مِنْ المساعدةِ ndash; بمعدل 1.9 بليون دولار في السّنة، وتأتي في المركز الثاني بالنسبة لمبلغ المعونة الذي يمنح لإسرائيل. والحساباتِ الأخيرة تشير بأنّ من 1.7 بليون دولار، 1.3 بليون دولار تذْهبُ مباشرة إلى الجيشِ مَع أكثر قليلا من 400 مليون دولار توَجَّه إلى الحاجاتِ الإنسانيةِ والاجتماعية والاقتصادية. وإلى وقتنا هذا، منحت الولايات المتّحدة أكثر من 31 بليون دولار من المساعدةِ إلى مصر، ورغم ذلك، فإن الاقتصاد، الخدمات الأساسية ومؤسسات البلاد بأكملها في تدهور مستمر. وبنَظْرة للوراء إلى مشروع مارشالِ لإعادة بناء أوروبا بَعْدَ الحرب العالمية الثانيةَ، ساعدت المعونة الأميركيةَ 20 دولة تقريباً في إعادة بناء اقتصادهم وبنيتهم التحتية وساهمت في وضع هذه الأمم على المسار الصحيح مرة أخرى. لماذا لم يتم القيام بهذه التحسينات في مصر إذن؟ بعد إنفاق أكثر من 31 بليون دولار من المساعدات الأميركيةِ، ماذا تريد مصر أن تُظهر من ذلك؟ أغلب أموال المساعدةَ تذَهبَ إلى بناء الجيش والبلاد نفسها ومواطنيها لا يستفيدون إلا بنسبة قليلة من هذه الأموال. ومع التزايد السريع في عدد السكان وتقلص البنية التحتية ومع انتشار الفقر الذي يدمر الأمة، فقد أصبح أمرا حتمياً أن يتم تقليص حصة المعونة الأميركية التي تنفق على الجيش لتصل إلى تقريبا العدم وتكرس أغلبية الأموال لمساعدة مواطني مصر مباشرة.
لماذا يتم إنفاق غالبية برنامج المساعدات الأميركية على الجيشِ؟
الاقتصاد المصري يظل في مشكلة مزمنة. والبطالة حالياً تصل إلى حوالي 25 %، والاستثمار الأجنبي ما زالَ ضعيفُ، والجنية المصري يَعاني من تقلّباتِ الماضي ولم يستقر إلا الآن فقط. يعيش 40 % تقريبا من السكانِ تحت معدل الفقر ومعدل دخل الفرد من الناتج المحلي 3,700 دولار سنويا فقط. التعداد السكاني لازال يتزايد بمعدل خطير ليضيف مزيداً من الضغط على البنية التحتية المصرية المنهكة بالفعل. وعلى الرغم مِنْ هذه الاتجاهات المقلقةِ، وبينما تظل ال1.3 بليون دولار من المساعدة التي تنفق على الجيش ثابتة ومن المتوقع استمرارها على ذلك في المستقبل، نجد أن المعونة الاقتصادية لمصر في تضائل مستمر منذ أواخر التسعينات. في يناير 1998، تفاوض بعض المسئولين الإسرائيليين على إنقاص المعونة الاقتصادية وزيادة المعونة العسكرية لفترة تمتد إلى 10 سنوات. وتم تطبيق صيغة مماثلة لتخفيض المعونة الاقتصادية على مصر، ولكن مستوى المعونة العسكرية ظل كما هو. المعونة الاقتصادية تتقلص بمعدل 40 مليون دولار، حيث تقلصت من 815 مليون دولار إلى 455 مليون دولار وسوف تستمر في التناقص بنفس المعدل كل عام. ومع تزايد التعداد السكاني وزيادة صعوبة الحياة اليومية بالنسبة للمواطنين، فإن القرار بتقليص المعونة الاقتصادية والاستمرار في زيادة المعونة العسكرية بشكل غير متكافئ، يعد أمر مخالف لكل منطق.
وبإلقاء نظرة سريعة على الوضع في مصر يتبين لنا مدى الحاجة الملحة للمعونة الاقتصادية من أجل إعادة بناء الطرق والجسور ولتأسيس مصدر كافي للكهرباء وتوفير خدمات المياه والصرف الصحي ولتمويل النظام التعليمي الفاشل ولتزويد المزارعين بالمساعدة الزراعية، ولتَوفير الغذاءِ والضروراتِ الأخرى إلى أبناء الدولة الفقراء. وفي مواجهة هذا الفقر المريع، ومع وجود مال وفير من المعونة يأتي إلى مصر من الولايات المتحدة كل عام، من الصعب تصور أن كل من حكومتي مصر والولايات المتحدة الأميركية لم يروا الحاجة إلى توجيه جزء من هذا الأموال لدعم الشعب المصري. وهكذا سنة بعد الأخرى، وعقد بعد الآخر، بلايين الدولاراتِ تدفق على صناديقِ الجيشَ. ومصر دائما ما كَانتْ الزعيمَ الإقليميَ في الدفاع عن العالمِ العربيِ خلال السَنَوات الـ50 الماضية، وذلك مع وجود دعم قليل مِنْ دول الشرق الأوسط الأخرى، وحتى مِنْ الدول الخليجيةِ، البلدان الأغنى في العالمِ. ولَكنَّه شعبُ مصر الذي دَفع الثمن لهذه الحروبِ ولجيشِ الدولة الضخم الذي يتم تمويله بشكل فائق. وفي الوقت الذي تنهمر فيه الأموال على الجيش، يعاني مواطني مصر من الفقر ويتحملوا وطأة هذا البناء العسكري الموجه بشكل سيء. فمنذ إعلان السلام مع إسرائيل عام 1979، لم يعد لمصر أعداء حقيقيين، ولا تقع تحت أي احتمال وشيك للغزو أو أي نزاع مسلح. وبالتالي، من هو المستفيد من هذا الجيش المُمَول بشكل ضخم؟
المملكة العربية السعودية، إيران والولايات المتّحدة
النفط
هناك نقطتان رئيسيتان للنزاعِ في الشرق الأوسطِ، وكلاهما يَتضمّنُ السعودية وإيران، ولا يمت أحدهما على الإطلاق بمصر. تَتعلّقُ القضيةُ الأولى بالنفطِ وسيطرةِ توزيعِها من خلال الخليج الفارسي. لقد كَانتْ إيران مُنذُ فترة طويلة البلادَ الأكثر عدوانيةً في المنطقةِ، من خلال سياستِها وأعمالِها وخطاباتِها. وأكثر تهديداتها الحالية يتعلق بسيطرتها على صادرات النفط، حيث تؤكد إيران أن العديد من الجزر الغنية بالنفط في الخليج الفارسي وعلى وجه الخصوص طنب الكبرى وطنب الصغرى، وأبو موسى، التي تطالب بها الآن الإمارات العربية المتحدة، تعد جزءَ متلازمَ من إيران. هذه الجُزُرِ واقعة في مضيق هرمز، التي تَفْصلُ الخليج الفارسي عن خليجِ عُمان وبحر العرب، ويضيّقُ هذا المضيق ليصل إلى عرض 21 ميلِ فقط. السيطرة على هذه الجُزُرِ تمثل أهميةِ إستراتيجيةِ عظيمةِ، لأنهم البوابة إلى طريق البحر الوحيد والتي من خلاله يتم نقل النفط بحرا من دول الخليج الفارسي. يرى المحللون العسكريون بأن أي تحرك ضد إيران، وبالأخص في أعقاب إعلانهم عن برنامجهم النووي، سوف يدفع هذه البلاد إلى محاولة غلق الممرات إلى مضيق هرمز. والسيطرة على الجزر في هذه المنطقة سوف يسهل إغلاق المضيق الأمر الذي سيترتب علية كارثة لسوق النفط العالمية. حيث أن حوالي 40% من إمداد النفط العالمي يمر من خلال ذلك الممر المائي. ونفس المحللين يعتقدون بأنه مع وجود السيطرة على المضيق، حتى مجرد تهديد إيران بغلق المضيق سوف يكون كافيا لمنع أميركا من اتخاذ أي إجراء عسكري فيما عدا الحالات الخطيرة.
السيطرة على جُزُرِ الخليج الفارسي ومضيق هرمز يَسْمحانِ لإيران ورئيسه العدواني، أحمدي نجاد، أن يفرض سيطرة مذهلة على أي بلد معتمدا على نفط الخليج الفارسي. لكن مثل هذا العمل يعرض مصالح دول أخرى للخطر من ضمنها السعودية، العراق، الكويت، البحرين وأجزاء من الإمارات العربية المتحدة. ولأن إيران تَقُومُ بحملة نشطة لاستعادة السيطرة على جُزُرِ الخليج الفارسي، فإن البلدان المجاورة ينتابها القلق بشأن الإمكانيةِ القائمة بأن إيران سوف تُحاولَ غَلْق طريقِ الملاحة لصادراتهم النفطية. وهذه هي بعض أغنى بلدان العالم، التي يُمْكِنُ أَنْ تَتحمّلَ تَجميع قوّات مُسَلَّحةِ فعّالةِ بسهولة لإبْقاء دول الإقليم المارقة تحت السيطرة. تعد المملكة العربية السعودية، رائدة تصدير النفط في العالم وأكبر دولة في شبة الجزيرة العربية، وهي الدولة التي لديها الكثير لتخسره من حصار المضيق وعلى أتم استعداد لتمويل جيش قوي للوقوف في مواجهة إيران. وعلى الرغم من ثروتها العظيمة، فإن جيش صغير ومهدد بشكل كبير من الثورة الداخلية، مما يجعل الدولة تعتمد بشكل أكثر وأكثر على الدعم العسكري الغربي.
والمساعدة العسكرية الأكثر وضوحاً مِنْ الولايات المتّحدةِ إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليجِ الأخرى تظهر من خلال الجيشِ المصريِ. بإرسال المساعدةِ إلى مصر التي تُموّلُ تقريباً 60 % مِنْ الميزانيةِ العسكريةَ الكليّةَ للبلادَ، والولايات المتّحدة تضمن بصفة جوهرية جيش إقليمي قوي بما فيه الكفايةُ لإبْقاء إيران تحت السيطرة.
السنة في مواجهة الشيعة
المشكلةِ الثانيةِ في المنطقة يتمثل في النزاع التاريخي الذي دام عبر القرون بين السنة والشيعة المسلمين. وترجع جذوره حين انقسم المسلمون إلى فئتين فور وفاة النبي محمد عام 632 ميلادية، وأعلنت أحد الفئات بأنّ خليفته يَجِبُ أَنْ يَكُونَ من بين صحابته الأكثر قدرة على الالتزام بتعاليم الإسلام، ويَجِبُ أَنْ يُختارَ مِنْ أقرب أتباعِ النبي وصحابته. وهذه المجموعةِ، هي التي عرفت لاحقاً بأهل السنة. وكما يعرف الجميع فقد اختير أبو بكر، الذي أصبحَ أول خليفةَ في الإسلام. أما المجموعةُ الأخرى فرأت أن القيادة في الإسلام يجب أن تبقى ضمن quot;آل البيتquot;، وتذهب إلى أبن عمه وصهره، علّي بن أبي طالب. وأولئك هم الشيعة، اختصارا لشيعة علّي، يعتقدون بوجوب أتباع سلسلة الأئمة من نسل النبي محمد.
انقسام الإسلامِ جاءَ أثناء فترةِ نمو الدينِ الجديدِ، وبينما بَدأَ كنزاع سياسي، فإنه من خلال القرون المتعاقبة بدأت تظهر الاختلافات الدينية والثقافية والعرفية. وكل جانب يرى نفسه ولأن الانقسام حدث مبكرا جدا في تاريخ الدين، فهو راسخ في الإسلام تماما. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاء رسمي فمن المتوقع أن يكون عدد السنة في العالم حوالي 85% والشيعة 15%. والسنة يمثلون الأغلبية في معظم الدول العربية بما في ذلك سوريا ولبنان ودول الخليج، باستثناء إيران التي يمثل عدد الشيعة فيها 90% والعراق التي يوجد بها 65% شيعة. والنزاع بين الفئتين قديم وعميق وقاسي، ويبدو من المستحيل أن يكون هناك أي مجال للتقارب بينهم. وعلى الرغم من أن جزءً من الصراع يتمثل في السيطرة السياسية على الأمة كما في المعارك الدامية بين السنة والشيعة في العراق الآن، فأن أصل النزاع يتعلق بتاريخ الإسلام ذاته. ولأن كل جانب يعتقد أنه يمثل صحيح الإسلام، ولأن الفئتين نشئا مع وجود الإسلام، فلن يتراجع أي منهما عن موقفه.
لكن ما علاقة هذه الخلافات التاريخية بمصر، وجيشها والمعونات الخارجية؟ القليل جداً - أَو بعبارة أخرى، أن تأثير هذه القضايا على مصر قليل جداً. كَمَا هو الحَال في أكثر البلدانِ العربيةِ، مصر لديها أغلبيةِ سكانية من السنة ولا يوجد عندها نزاع بين مواطنيها من السنة والشيعة أو مع الشيعة من البلدان الأخرى. على أية حال، المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الغنية بالنفط، بلدان بها أغلبيةِ سنيّةِ مع وجود نسبة معتبرة من الأقليات الشيعية ولهم تاريخ من الصراع الاقتصادي والثقافي والسياسي مع جيرانهم الشيعة، إيران. المملكة العربية السعودية وإيران كممثلين لجماعاتهم دائما ما تصارعوا من أجل السيادة في المنطقة. ومع ازدياد قوة إيران، واتساع تأثير حزب الله، واستعادة الأغلبية الشيعية الحكم في العراق، توجست السعودية من تزايد النفوذ الإيراني.
الولايات المتّحدة أيضا مهتمة بالصراع بين السنة والشيعة. فالسعودية, وهي دول تتمتع بأغلبية سنية كما ذكرنا آنفاً، ضمنت للولايات المتحدة حماية المصالح النفطية الأميركية عن طريق ضمان استقرار أسعار النفط. وأي تغيير في القوة في اتجاه آخر غير السعودية سوف يعرض هذا الوعد للخطر. والولايات المتحدة أيضا لديها تاريخها من التوتر من إيران، خاصة منذ كارثة الرهائن في أواخر السبعينات. وأصبحت إيران عدائية جدا للولايات المتحدة على مر السنين، متحدية السلطة الأميركية بشكل منتظم. ومؤخرا، أعلن رئيس إيران صراحة تكريس بلاده على محو إسرائيل وتفاخرها بقدرتها النووية. أحمدي نجاد يصر على تعنيف الولايات المتّحدةَ، والحكومة الأميركية لن تقف راضخة أمام تهديداتُه.
يوجد في إيران ثامن أقوى قوة عسكرية في العالم وفقا لدراسة قام بها مركز الدراسات الاقتصادية والإستراتيجية. وحجم قواته أكبر قليلاً من مصر، وبالرغم من أنه يُعتَقد أن قواتها شبه العسكري هائلة، فإنه في حالة القتال التقليدي، فسوف تكون مصر وإيران على قدم المساواة رسمياً. ولكن لماذا تحتاج مصر إلى جيش يكون مساوياً في القوة إلى إيران؟ هل تمثل إيران تهديدا لمصر؟ تاريخياً، لم تدخل إيران في نزاع مع مصر. ولكن، لمن تمثل إيران التهديد الأكبر؟ وبكل وضوح فإن الأكثر خوفا من إيران هما المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وجيش مصر الذي تسانده وتدعمه الولايات المتحدة هو كلب الحراسة الموجود في المنطقة في حالة ما إذا تطلبت مصالح أميركا والسعودية الحماية.
لقد أعطتْ مصر ما فيه الكفاية
خلال السَنَوات الـ50 الماضية، مصر كَانتْ الزعيمَ العسكريَ في الشرق الأوسطِ وكُرّستْ كميةَ هائلةَ مِنْ مصادرِها من أجل كفاح المنطقة. أَخذَ مصر القيادة في النزاعِ على تأسيس إسرائيل عام 1948. وكما أقسمَ العالمُ العربي على محو إسرائيل في العقود التالية، كَانَت مصر هي قائدة المعركةَ. خاضت ثلاثة حروبِ رئيسية منذ ثورةِ عام 1952. وفي كُل واحدة، لم تكن مصر تُدافعُ فقط عن مصالحَها الخاصةَ، ولكن أيضاً عن مصالح كُلّ البلدان العربية في الشرق الأوسطِ. وفي كُل واحدة، ضَحّت مصر بالأموالِ والقوَّاتِ مع عدم وجود دعم اللهم إلا دعم ضعيف جداُ من بعض دول الشرق الأوسط الأخرى.
في حرب 1956، فَقدتْ مصر الأرض ولكنها رَبحتْ نصر سياسي عظيم. فالرّئيس ناصر وَجدَ لنفسه دعماً مِن قِبل الرّئيسِ أيزنهاور، الذي ضَغطَ على حكومات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لسحب قواتها من مصر. وتم تمجيد ناصر كبطل وزعيم نموذجي للبلدان العربية الحرة المستقلة وتم النظر إلى الحرب باعتبارها نصر عربي على إسرائيل. ولكن على الرغم من هذه الانتصار، فقد دمر الجيش المصري بالكامل وفقد عشرات الآلاف من المصريين أرواحهم، وضحت الدولة بجزء كبير من الاقتصاد الوطني من أجل المجهود الحربي.
حرب الأيام الستّة لعام 1967، من الناحية الأخرى، كَانَت هزيمة ساحقة لمصر. وفي خلال أيام قليلة من الضربة الإجهاضية التي قامت بها إسرائيل، تم تحطيم 2/3 القوات الجوية المصرية وكسحت قواتها البرية. وفقدت مصر سيطرتها الكاملة على شبة جزيرة سيناء بعد هزيمة ساحقة ومذلة. ولم تستعد مصر سيطرتها على سيناء حتى عام 1973، ولكن الخسارة العسكرية في 67 كانت مدمرة جداً حتى أن العديد من كتب التاريخ المصري تتجاهلها كلية.
استعادة مصر لمكانتها جاءَ بحرب أكتوبرِ 1973، حيث استطاعت تحقيق انتصار سريع وحاسم على القوَّاتِ الإسرائيليةِ في البِداية. على أية حال، بَعْدَ أَنْ زودت أميركا قوَّات وأجهزة طارئة إلى إسرائيل، انقلب الوضع. وتم الدعوة إلى وقف الحرب بناء على طلب وقف إطلاق النار من الجانب الأميركي. لقد كانت هذه الحرب التي أدت إلى اتفاق كامب ديفيد حيث اعترفت كل من مصر وإسرائيل أنهم سوف يواجهون عدد غير حصري من الحروب التي يصعب النصر بها. وكانت مصر أول دولة تعترف رسمياً بإسرائيل وتم توقيع معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979. وتم إنشاء برنامج المعونة الأميركية لكل من مصر وإسرائيل أثناء محادثات كامب ديفيد. وفي الحقيقة، تم مكافأة مصر من أموال المعونة الأميركية السخية مقابل إقامة السلام مع إسرائيل.
والتزمت مصر باتفاقها بمُوَاصَلَة إبْقاء السلامِ. لكن القيادةَ العسكرية المستمرة لمصر في المنطقةِ تأتي على حساب شعبها ولا تعود إلا بالنفع القليل على مصر، لأن التهديد العسكري في المنطقة ليس له علاقة بمصر، والمساعدة العسكرية لتي تتلقاها يتم إنفاقها لحماية مصالح أميركا والسعودية بصفة جوهرية. لا يجوز أن تجبر مصر على أنفاق أي أموال سواء من المعونة أو عائداتها لضمان استقرار المنطقة من أجل أميركا والسعودية. فدول الخليج الغنية بالبترول يجب عليها إما أن تنشأ قوات مسلحة فعالة خاصة بها أو أن تمنح الأموال لدعم تأسيس الجيش المصري. وبما أن الولايات المتحدة لديها مصالح ترغب في حمايتها فيجب عليها الانضمام إلى المملكة العربية السعودية والدول الأخرى لتمويل القوات المسلحة المصرية.
لكن هذا لا يَجِبُ أَنْ يتم على حساب الشعب المصري. فبرنامج المعونة الأميركية الحالي يجب أن يتم إعادة تقييمه وتوزيعه. إذا كانت الولايات المتّحدةِ ودول الخليج ترغب في وجود جيش مصري قوي لحمايتهم ضد إيران، فيجب عليهم أن يدفعوا ثمن بناء الجيش وأن يتركوا أموال المعونة الأميركية لكي تنفق على المحتاجين من أبناء الشعب المصري. على مدار الخمسين عاما الماضية، أخذت مصر على عاتقها مسألة قيادة العالم العربي ضد إسرائيل، وفي العقود القليلة الماضية، مسألة إبقاء السلام مع إسرائيل. وقد جاءت هذه المبادرات من جانب مصر بالخسارة الفادحة على الشعب المصري، وبالتالي فإنه يتحتم إصلاح عدم التوازن بين المعونة الاقتصادية والعسكرية لمصر. لقد حان الوقت لمساعدة الشعب المصري نحو استعادة قوته الاقتصادية والاجتماعية، وأن نزوده بالاحتياجات الأساسية والمساعدات المهنية. لقد ضحت مصر بما فيه الكفاية، والنوع الصحيح من المساعدة يجب أن يمنح إلى هذه البلاد الآن ndash; قبل أن يفوت الأوان نحو إنقاذ الفشل الاقتصادي للدولة والبنية التحتية المفتتة والشعب المُتعب.
* رئيس التجمع القبطي في الولايات المتحدة
[email protected]
التعليقات