أخيرا وليس آخرا بالتأكيد اكتشفتها وتعرفت على مكامن عظمتنا وسر بطولتنا وحجم الانتصارات التي لم يعرفها شعب من الشعوب عدانا، فكل شعوب الأرض تنتصر مرة واحدة وعلى عدو واحد أو تراكم انتصاراتها مرة تلو المرة حتى تحقق انتصارها الكبير، الشعب الفيتنامي انتصر على المستعمرين الواحد تلو الآخر ولم يعرف كيف تنتصر هانوي على سايغون مثلا، الشعب المصري انتصر في حرب 1956 على المستعمرين ولم يعرفوا كيف يمكن أن تنتصر القاهرة على الإسكندرية، شعب جنوب إفريقيا انتصر على المستعمرين والعنصريين ولم ينتصر على مواطنيه البيض.

نحن فقط من دون شعوب الأرض من نوزع انتصاراتنا على كل الكرة الأرضية فذات يوم انتصرنا في جمهورية الأغوار ونحن نصد جيش الغزاة ونسجل ملحمة رائعة مع الجيش الأردني لنتركه
هناك ونعود خلفه لننشأ جمهورية في عمان لننتصر عليها ونغادرها إلى جمهورية أخرى في جنوب لبنان وحين سطرنا ملحمة التوحد مع جيش وشعب وقوى لبنان تركناهم وعدنا إلى جمهورية الفاكهاني لنشعل بيروت ونتركها إلى تونس والسودان وليبيا واليمن ونحمد الله أن تلك الدول سلمت منا قبل أن نغادرها دون أن يأسف علينا احد منتصرين على الانتفاضة باوسلو.

انتصرنا على الأردن وخرجنا وانتصرنا على لبنان وخرجنا وانتصرنا على العراق مع إيران وعلى الكويت مع العراق وعلى نهر البارد مع السنيورة وعلى السنيورة مع عون وحين قال الرئيس الأسد أن الحمة أراض سورية قلنا له بل فلسطينية وهي لا زالت بيد إسرائيل واختلفنا مع عبد الناصر لأنه تنفس باسم روجرز ولو من باب جس النبض، ولا زلنا من يشتغل في بترول السعودية يؤيد اتفاق مكة والطائف ويحج في السنة مرات ويعتمر مرارا ويلهج باسم خادم الحرمين الشريفين ومن يعيش على أطراف إيران يغني للإمام علي رضي الله عنه ويؤيد برنامجها النووي، ومن يعتاش من المنظمات غير الحكومية المدعومة من منظمات إمبريالية حكومية يعارض كل ما هو نووي ما دام لا يرضى الحكومات التي تدفع لمنظمته، ومن يصل منا إلى كوبا يصيبه عمى الألوان إلا من اللون الأحمر ويحمل صورة كاسترو على صدره ومن كان شيوعيا في موسكو الحمراء صار عضوا في إحدى المافيات في موسكو البيضاء.

أصابتنا الهزيمة عام 1948 فاتهمنا العرب وانتصرنا في عام 1956 مع شعب وجيش مصر فنسينا وتذكرنا أننا الأبطال وانهزمنا في عام 1967 فاتهمنا السلاح الفاسد والأنظمة الخائنة ووقعنا على
اوسلو واحتفلنا بتحرير بيوتنا من بساطير المحتلين ونسينا أن لفلسطين امتدادات بعيدة عن غزة وأريحا، وحين لم نتمكن من الإمساك بما بين أيدينا والحفاظ عليها عدنا لاتهام العرب وأنفسنا وأعلنا أن الهدف الآن هو التحرير التام وحين فشلنا ووجدنا غزة دون جنود المحتلين امسكنا بكل الرايات إلا رايات فلسطين وأقمنا ألف احتفال واحتفال إلا احتفال فلسطين.

انتصرنا على أنفسنا بالديمقراطية وحين رأينا العالم يصدق أن ما فعلناه عظيم خجلنا من فعلتنا وعدنا لعادتنا ندمر ما ننجز فقررنا الانتصار على فتح في غزة وعلى حماس في الضفة واقسمنا أننا لم نعرف يوما ثرى الناصرة ولا نتقن لفظ اسم تل الربيع وان القدس مسالة اكبر منا فلنتركها لعل إسرائيل تجد طريقة جديدة لتنسينا إياها فالأهم اليوم أن لدينا دولة في غزة ودولة في الضفة ولم يعد احد منا يذكر اسم القدس ما دام لدينا أيضا دولة يهودية في باقي الوطن ولازال لدينا دول في عين الحلوة وغيرها بعد أن خسرنا دولة نهر البارد.

نحن الشعب الوحيد الذي تحرر من ذاته كي يتحرر من قضيته فلسنا فلسطينيون أبدا فالفلسطينيون لا ينقسمون تحت بساطير المحتلين والفلسطينيون لا ينشغلون بتفاهات بعيدة عن قضيتهم، والفلسطينيون لا يطلقون النار على بعضهم في غزة ولا يعتقلون بعضهم في الضفة ولا يكسرون عظام بعضهم في الدولتين المستقلتين، وهل بات لزاما علينا أن نصدق تلك الدعاية الصهيونية في أوروبا أننا نحن المحتلين في فلسطين وان الصهيونية حركة تحرر.

نحن شعب الانتصارات وأين هي انتصارات هانوي فكل ما فعله الشعب الفيتنامي انه وحد البلد وحررها وهل هذا انتصار أمام انتصاراتنا الألفية على أنفسنا وأمام الدول التي نعلنها كل صباح ونتنازل عنها للمحتلين عندما يعم الظلام، وهل هناك شعب واحد على وجه الأرض عدانا لديه هذا الكم الهائل من إنجاز الاستقلال اليومي والاحتلال الليلي، هل هناك شعب واحد غيرنا أتقن التخلص من الأصدقاء لصالح الأعداء دون أن تهتز لنا رقبة.

نحن شعب العجائب ومن حق علماء الاجتماع أن يدرسوا حالتنا كحالة فريدة من نوعها لم تحدث بعد على مر العصور والا كيف نفسر أن يضرب داعية ديني رجل جاء يصلي ويحتج شيوعي على الداعية لأنه كان وقت الصلاة خارج المسجد، كيف يفتي رجل دين بجواز صلاة ويفتي آخر ببطلانها في نفس البلد وفي نفس اليوم.

نحن خبراء في إنشاء الجمهوريات المؤقتة في الأغوار وعمان والجنوب والفاكهاني والاستقلال المؤقت في حكومة عموم فلسطين وفي مجلس الجزائر وفي إنشاء السلطة والديمقراطية المؤقتة في الانتخابات التي لم نتمكن بعد من تهنئة الفائزين بها ولم ينعموا بألقابهم، والثورة المؤقتة ونحن نلغي ميثاقها دون أن نقبض الثمن، والسلطة المؤقتة ونحن نفقدها على بوابة العام السابع والدولة المؤقتة ونحن نكتبها في أوراقنا السرية أو نقرا عنها في تصريح لرئيس أمريكي نعرف جيدا انه يكذب والحدود المؤقتة ونحن نحتفل بانتصار بلعين
على تغيير مسار الجدار دون أن نرى بذلك تكريسا للجدار وان المسار الجديد لن يكون في الهواء بل على ارض فلسطينية وان بلعين فلسطينية تماما كغيرها وان أراضي غيرها ليست للأعداء وان محكمة الظالمين والمحتلين لن تكون بيوم من الأيام محكمة عدل لنحتفل بقراراتها، ونحن أيضا خبراء الخرائط المؤقتة والعودة المؤقتة ما دام بامكان بعضنا أن يحتفظ بشقته المستأجرة في عاصمة بعيدة انتظارا إذن لانتهاء المؤقت، ونحن خبراء بطاقات المرور المؤقتة فنحن وحدنا دون شعوب الأرض من نحمل جوازات سفر بلا عدد وبطاقات هوية بلا عدد ونحن دون غيرنا من شعوب الأرض من يقيم بيننا مائة ألف يحملون جنسية أمريكية بحسب تصريح القنصل الأمريكي بالقدس وقطعا هناك أعداد شبيهة من جنسيات مختلفة دون أن نتذكر
بالمقابل أن هناك يهود يتخلون عن جنسياتهم الأصلية ليأتوا إلى هنا مستوطنين محاربين، فنحن إذن أسياد كل ما هو مؤقت حتى انتماءنا لبلادنا وشعبنا وقضيتنا يبدو انه بات مؤقت ما دام هناك على الأرض الفلسطينية من يمتهنون مهنة التهجير ويتكسبون منها ولا احد يسائلهم فالأولى أن نتخلص من حماس أو فتح أما لصوص الأرض والمنشغلين بتفريغ بلادنا منا هربا منا فلهم مطلق الحق بفعلتهم لانشغالنا بتدميرنا والإجهاز علينا وعلى قضيتنا بأيدينا، فلماذا نترك لغيرنا فرصة أن ينجح بتدميرنا ويسجل لنفسه ذلك المكسب ما دام
بامكاننا نحن أن نفعل ذلك فجحا أولى بلحم ثوره.