أُسدل الستار على أعمال منتدى حوار الحضارات في مدريد الذي نظمته الأمم المتحدة، وهو الأول من نوعه من حيث الإمكانات المادية والحضور الكبير الذي بلغ نحو خمسمئة شخصية سياسية ودينية وفكرية، المنتدى انتهى بإصدار اثنتي عشرة مبادرة لتفعيل الحوار والتواصل بين الأديان والثقافات.
من حيث الشكل يبدو أن الحدث حقق أهدافه المسطرة بجمع ممثلين عن الديانات الثلاث ودعوة سياسيين وأكادميين من جميع بقاع العالم لتبادل الأفكار وإثراء النقاشات، لكن هل ستترجَم هذه المبادرات إلى وقائع ملموسة على الأرض؟ شخصيا أشك في ذلك.
منتدى مدريد بدأ وانتهى والمكتبات السنية تُحرق باسم الطائفية في الكويت، هذه الطائفية كانت سببا في في استهداف مواكب عاشوراء في بغداد وبيشاور، وهي السبب في بقاء دولة دون رئيس في انتظار حل القمح أو الشعير. وباسم إقامة دولة يهودية أوإزالتها من الوجود تساقطت قنابل على قطاع غزة وتهاطلت صواريخ القسام على عسقلان، وباسم الدين قُتل المدنيون في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية ودولية، صراعاتٌ أصلها سياسي و تحوم حول السيطرة على الأرض وغُلفت بمسمى صراع الحضارت والثقافات والأديان.
أعود إلى مؤتمر مدريد، فقد طرحتُ هذه التساؤلات على الدكتور عمر الراوي وهو العضو العربي الوحيد في البرلمان النمساوي الذي يضم أربعة نواب مسلمين، ورد بأن الأمور تعدت أحاديث النخبة إلى العمل على الأرض وقال إنه وبحكم تمثيله لدائرته الانتخابية يلتقي يوميا العامل والمزارع والرجل والمرأة لبحث انشغالاتهم والتواصل معهم فالأجيال العربية الجديدة في الغرب أصبحت تتواصل مع مجتمعاتها فتؤثر فيها كما تتأثر بها.
أرى أن هذه المثال الجميل يسهم في تحسين صورة الإسلام والمسلمين في الغرب ويثبت مشاركتهم البناءة في المجتمع إلا أن مشكلة التطرف تبقى قائمة.
كما أرى أن المسؤولية الكبرى في مكافحة التطرف تُلقى على كاهل الزعماء السياسيين ورجال الدين حيث يتمتع هؤلاء بمكانة كبيرة تصل حد التقديس عند عامة الناس، وأحصي هنا ثلاث مناسبات لأبهى صور قدمها القادة وسيكون لها الأثر الكبير على تنوير الرأي العام في هذا المجال.
زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دمشق وصلاته في المسجد الأموي ثم زيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى تركيا وصلاته في الجامع الأزرق مستقبلا القبلة، وبعدها الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الملك عبد الله إلى الفاتيكان.
ربما لم نشعر بعدُ بالأثر الطيب والتغيير الكبير الذي أحدثته هذه المبادرات في ذهنية الشعوب لكن الوقت كفيل بإظهار ذلك على سلوكها.
سليمان بوصوفه
التعليقات