الحلقة الأولى

التحالف الذي قادته الولايات المتحدة واجتاح العراق في اذار / مارس 2003 وأطاح بالنظام ترتبت على ضوئه مسؤوليات دولية قانونية يقف منها المجتمع الدولي، وحكماء ودبلوماسو الأمم المتحدة والقانون الدولي في موقف الحيرة والتخبط والغموض. والموضوع الذي أود التطرق اليه وتحديده يتعلق فقط بطرق ألأستعادة القانونية لسيادة العراق على أراضيه الأقليمية وأستقرار هذه السيادة بأتخاذ سلسلة من الأجراءات والحجج القانونية والأتفاقات التي يسهم فيها أطراف الصراع والتي ستسهم بدورها بأستقرار الأوضاع و تحجيم الأرهاب المرتبط الى حد كبير بمصالح دول مجاورة ومجموعات ذات أهداف أيديولوجية لايمكن التنبؤ بسلوكيتها مستقبلاً.


وقد تكون أحدى الدروس السياسية والعسكرية المستخلصة منذ عام 1980 ولحد الآن هي أنه قد يكون في أستطاعة القيادات السياسية والعسكرية منها أن تتنبأ ببدء الأعمال العدائية والحربية على وجه التخصيص ولكنها لاتستطيع معرفة تاريخ أنتهاءها وكيفيته. وبالتالي تبقى سيادة الدولة معلقة بنوع وطبيعة الأخطار المحيطة بها. وتبقى هذه الأخطار تستنزف أموال الدولة ويزداد الفقر بالبطالة وتتعطل مشاريع البناء وتوظيف رؤوس ألأموال وهو ما حصل للعراق فعلاً. فما هي الدروس المُستخلصة؟ وكيف يستطيع قادة العراق معالجة قضايا تتعلق بالسيادة والحفاظ على وحدته.
صحيح أن مجلس الامن الدولي كان قد أوكلَ الى القوة المتعددة الجنسية وعلى رأسها الولايات المتحدة مهمة بسط الامن وحفظه في البلاد وواجبات حماية السيادة الأقليمية للأراضي العراقية بموجب القرار رقم 1546 الصادر في حزيران/ يونيو 2004 والذي تلته قرارت اخرى بهذا الصدد كان اخرها القرار رقم 1790 الذي مدّدَ مهمتها حتي 31 كانون الاول / ديسمبر 2008. والذي بدا واضحاً أن الولايات المتحدة لم تتمكن بالتمام من القيام بهذه المهمة على الوجه ألأنسب، جرّتها للوقوع في جملة أخطاء أعترفت بها وكلفتها الكثير وأهدرت سمعتها وميزانيتها وهوموضوع معقد يدور بحثه بين الحين والحين بين ألأطراف المعنية في الحكومتين الأمريكية والعراقية أضافة الى الأوساط الشعبية والسياسية والأكاديميات العسكرية في العالم.


في المقدمة لابد من طرح موضوع قدرة القادة السياسين على فهم مبدأ السيادة الأقليمية الوطنية للبلاد وسلوكيتهم في التعامل مع السيادة المنتقصة تحت وطأة الأحتلال الذي ساندته المعارضة لغرض الأطاحة بالحكومة السابقة بالقوة العسكرية لتحرير العراق. وكما هو معروف عند أستقراء تاريخ السيادة الأقليمية للدول التي أطاحت الولايات المتحدة بنظامها السياسي في أوروبا وأمريكا اللاتينية واليابان وكوريا الجنوبية، نجد أن الحكومات اللاحقةالتي جاءت بعد الأحتلال الأمريكي تصرفت في منتهى الحكمة والدهاء السياسي لأسترداد السيادة الوطنية وأستفادت من quot;التاجر الأمريكي العم سام quot; والعقلية الرأسمالية التجارية وحولت صيغة الأحتلال العسكري الى مردود وطني وتقدم تكنولوجي وصحي وأقتصادي، وتمتعتْ بحماية عسكرية أدخلت الأمن الى ربوعها وأزدهرت الحياة بين شعوبها. وفي الحالة العراقية ونتيجة للتركيبة السياسية الحالية يبدو للمتطلع أن القادة الجدد quot;بأستثناء البعضquot; لم يستطيعوا ولحد الآن أن ينقلوا بكل أمانة وشجاعة ووضوح الى صفوف القوات الوطنية في الجيش والشرطة والأمن والمنظمات الحزبية والشعبية الوطنية و المؤسسات الحكومية من تشريعية وقضائية، أن ينقلوا أليها الحاجة الأنية للعراق quot;للوجود الأمريكي quot; بحيث لا تظهر الى السطح قدرة أو أرادة في شمال الوطن أو جنوبه تشكك بهذه السيادة أو تتحداها دستورياً.


أن العراق بوضعه الحالي يتعرض لتصرفات وحشية وأدعائية وأضطراب للمفاهيم الوطنية قد تؤدي الى دخول الفوضى السوقية بخروج الولايات المتحدة من العراق قبل الوفاء بالألتزمات التي قطعتها على نفسها وقد يعود العراق الى شريعة الغاب التي قد تجلب عليه كارثة مؤكدة وجديدة من الخراب والدمار، وفي حالة قد تكون أسوأ من حالته أيام عهود الظلم والدكتاتورية السابقة. أن الواجب الوطني والشفافية السياسية تتطلب أن تعلن الحكومة أولاً، دون أي خشية أوخوف،عن نواياها المتعلقة بسبل التعامل مع الأحتلال، وثانياً، تثقيف من هم معهم في السلطة التنفيذية والتشريعية (أعضاء البرلمان) بالمفاهيم الموضوعية التي أتبعتها الكثير من الدول للأستفادة الذكية من الوجود الأجنبي بدلاً من ثقافة العنف وفقدان وحدة القرار والاقصاء. أن الوجود الأمريكي يخدم مصلحة العراق في الأمد القريب والبعيد، كما أنه ليس حالة من التسليم المطلق والخضوع السيادي للأجنبي وأنما هو عنصر من عناصر القوة التي من الممكن أستغلالها لتحقيق المصالح الوطنية بالشكل المناسب كما سأتطرق له لاحقاً.


أن القانون الدولي يحدد للدولة الغازية جملة مسؤوليات وألتزامات وتبعات تقعُ في عهدتها من جهة، كما أنه يمنح بشكل واهي سيادة موحدة تتقاسمها الى حد ما الدولة الغازية وquot;الحكومة المنتخبة الجديدة quot; وتعطي ألتزمات ومسؤوليات في غاية التضارب والتعقيد في التفسير بالنسبة الى القواعد المطبقة وكيفية تسيير الأمور الحياتية اليومية لمواطني الأمة الراضخين تحت الأحتلال. لذلك تحدد القيادة الوطنية في الدولة لنفسها quot;ألتزامات وطنية quot; نحو مواطنيها، تتطلب بالأضافة الى الفطنة والدهاء والمهارات السياسية quot;مهارات قانونية يفهمها المضطلعون في القانون الدولي لتنفيذ وتطبيق أرادة الأمة والوصول الى أتفاقات تُعقدُ مع الدولة الغازية دون الرجوع الى عوامل الحرب، بيئة الحرب أو أخلاقيتها والأسباب التي أدت الى فقدان السيادة، وهي أمور تترك للمؤرخين للخوض فيها. وقد يتحدد نبض السياسة العراقية بما تستطيع أن تتخذه من قرارات صحيحة ونظرة عملية للأستراتيجة الأمنية و الأستفادة من طاقات الولايات المتحدة العسكرية وأدخالها في تعهدات تُلزمها مساعدة العراق عسكرياً ومالياً وأقتصادياً في نفس الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق الأغراض التالية:
1.فك الألتزامات القديمة بألتزامات جديدة تتم عن طريق الدبلوماسية والمفاوضات الهادئة، وتطوير شراكات دولية جديدة تخفف من ضغوط قوات التحالف بالنسبة للسيادة الوطنية وأشاعة الأطمئنان الذي تطمح له السلطة الوطنية كما تطمح له الدولة الغازية دون اللجوء الى أثارة غوغائية الشارع وتصريحات المسؤولين الرنانة المتناقضة التي تذكي النقمة والحقد ولاتتسم عن ذكاء أو حكمة لخدمة المصلحة الوطنية. أن قراءة سريعة لتاريخ الحروب الأمريكية قد توضح للحكومة العراقية الفتية، تعامل اليابان، ألمانيا، وأيطاليا، وبنما مع الأحتلال وكيفية تحوّلهُ الى تحالف أستراتيجي للتطوير والتنمية. والنهظة التي سببها الأستقرار في دول الخليج العربي والأردن ومصر هي المثال الذي يجب أن يساق لتوضيح نجاح الألتزامات الأمريكية ndash; العربية القديمة منها والجديدة.
2.التحديد والتركيز على مؤشر المصلحةالوطنية الذي قد تختلط فيه المفاهيم نتيجة الدخول في ألتزامات جديدة متطورة ودفع الأطراف على العمل الجاد لأزالة الألتزامات والتعهدات القديمة واشتباك مصالح الأطراف والأضرار والأخطاء الفادحة التي خلفتها الأتفاقات الواهية نتيجة عدم فهم البيئة الأجتماعية والحضرية والثقافية والقيم الدينية والعشائرية في العراق.
3.أستعادة الأموال التي سُرقتْ من قبل الاشخاص والمؤسسات العراقية والأمريكية بالملاحقات القانونية وتعيين مفتش مالي مستقل وذو صلاحيات أستثنائية لهذا الغرض والتحقيق فيما أنجزته لجنة النزاهة الحالية بالنسبة للفساد المالي الذي أستشرى في مؤسسات الدولة والعقود التي وقعتها مؤسسات وهمية.
4.ينبغي على قادة العراق في السلطتين التشريعية والتنفيذية الأسراع بطلب نقل ممتلكات الأراضي والمواقع السيادية الى السلطة العراقية المختصة (بموجب أتفاقات تُوقع رسمياً بين الطرفين). وطلب انتقال القوات المرابطة في المدن العراقية تدريجياً وأعادة أنتشار القوات الأمريكية وأنتقالها الى قواعد ومعسكرات بعيدة عن المناطق السكانية، وترك وأخلاء القصور الرئاسية بما فيها المنطقة الخضراء، والمطار المدني الدولي وأعادة أدارة هذه المواقع من قبل أيدي عراقية. فلا يمكن لأي سلطة عراقية منتخبة أن تطلب من مواطنيها التأييد والأسناد في وقت تكون فيه هناك منطقة خضراء آمنة وأخرى حمراء يسفح فيها الدم والخراب. ولايخفى أن تحديد هذه المسائل يجب ان يتم التخطيط لها من قبل لجان فنية عسكرية ومدنية تكنوقراطية تُشكل من الجانبين. فعلى سبيل المثال، يجب أخلاء قصر الفاو قرب المطار المدني الدولي بالطلب الى مقر القيادة الأمريكية بالأنتقال الى معسكر الرشيد في الرستمية جنوب بغداد، كما يمكن نقل بعض المقرات العسكرية واللوجستيكية الى القاعدة الجوية في الحبانية غرب بغداد. أن عدم فهم طبيعة الأطراف المتنافسة على السلطة وأنتقال قوى مسلحة أرهابية الى الساحة العراقية في السنوات التي تلت عام 2003 كان قد أخلَّ بعلاقات العمل العراقية ndash; الأمريكية وصّعب من تنظيمها بالشكل الذي تصبح فيه قوة الأحتلال مسؤولة عن quot;حمايةquot; المصالح العراقية الوطنية وعدم تغييرالصبغة الشرعية كما هو متعارف عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
5.أن وحدة القرار العراقي للقادة العراقيين الحاليين ونوعية العناصر الوطنية في السلطة وولاءها لتربة الوطن وعدم الوقوع في الشراك التي أوقعت البلاد في محنة وطنية فريدة النوع ستسهل الكثير من الخطوات الأجرائية الشرعية المعقدة بما فيها أزالة الضرر الذي سببّته عمليات القاعدة ووجود مليشيات عراقية طائفية الولاء وجيش من قوات الشركات الأمنية الأجنبية والمرتزقة. فالمهم أن تبادر القيادة العراقية بتقليص عدد الشركات الأمنية وطرد البعض الأخر وأعتماد شركات أمنية عراقية. وفي هذا الصدد يمكن فهم مغزى ماصرح به قائد القوات الأمريكية في العراق الفريق بتريس لمحطة الأذاعة البريطانية في شهر تموز/ يوليو 2007 بقوله quot; يجب أن تعطى الأولوية لما تحققَ أنجازه بالدماء والقتال المرير بالمحافظة على ألأنجاز وتثبيته من قبل القوات العراقية وقادة الحكومة العراقية والبناء عليه quot;.


6.أعطاء عقود لشركات عراقية وأجنبية لبناء مرافق ومنشأت نفطية وموانئ وقواعد عصرية للقوات العسكرية الأجنبية في حالة الموافقة على وجودها وتأجير الأخرى بعقود قصيرة الأجل قابلة للتجديد ووتتماشى مع مصلحة العراق العليا بشكل مماثل لما هو معمول به في (الكويت قاعدة علي السالم الجوية ومعسكر الدوحة، وقاعدة العديد الجوية في قطر(.


أن الدعوة العلنية للفقرات المنوه عنا أعلاه لتأخذ مساراً في نبض السياسة العراقية قد تثير حفيظة بعض المسؤولين الحاليين في العراق وحساسيتهم لأن معظمهم لايستطيع التعايش مع واقع العلاقات المصلحية التي ترتبط بها معظم الدول المتحضرة دون اللجوء الى الشعارات السوقية والأيدولوجيات المتزمتة التي أكل عليها الزمن والتي ألحقت ضرراً هائلاً بسياسة العراق ومصالحه على الصعيد المحلي والدولي. أن رئيس الجمهورية الحالي ومعظم القيادة الكردية كانت قد أدركت صواباً بأهمية التعاون العسكري الذي تستطيع الولايات المتحدة تقديمه، وصرحتْ به في أكثر من مناسبة، كما صرح وزير الدفاع العراقي مؤخراً بأن الرؤية الصحيحة تتطلب وجود قواعد أمريكية تتفق عليها حكومتا الطرفين وتحديد مناطق تواجدها. كما أن التقارب العراقي مع الولايات المتحدة يثير حفيظة أيران وتركيا لأسباب سأتطرق لها في حلقة أخرى. وبالتأكيد فأن أتخاذ مثل هذه الخطوة سيثير حفيظة المنظمات الأرهابية التي لاتريد الأستقرار للعراق وتدعو في نشراتها خلاياها السرية الأرهابية الى الدمار والتخريب وأشاعة الفوضى.

ضياء الحكيم

[email protected]