جهد مهم قدمه حسن العلوي في كتابه ( عمر والتشيع ) الذي حمل جملة من الخطابات بعضها لها علاقة بهواجس الكاتب نفسه فيما قدمت الأخرى نسخة جديدة من المبادرة القديمة- الجديدة لجمع أتباع المذهبين وعقد مصالحة تاريخية بينهم لكن مع ذلك يؤكد الكتاب وجود رغبة قوية لدى الكاتب للخروج عن النسق التقليدي المتبع في تناول العلاقة بين عمر وعلي ومحاولته صنع خطاب موازي لخطاب التعبئة الذي تركز عليه الثقافة العربية الإسلامية لكن رغم هذا الجهد الكبير والتحليلات التي جاءت غالبا على درجة عالية من الدقة والحرص المعرفي لم يخرج الكتاب في الواقع عن كونه صدى لخطاب التعبئة أو رد فعل عليه ولم يستطع إن ينجح في بلورة خطاب فكري يستلهم الحاجة إلى التمرد على اطر العقل التقليدية وليس البقا ء في دوامتها ومداها كما فعل الكتاب ومع إني لا أعول كثيرا على معاينة المسالة الشخصية وعلاقتها بالتأليف لان ذلك من حق المؤلف ولا يتجرد منه أي كاتب إلا إن تناهي الكاتب مع أطروحات أخرى سبق إن طرحها لا سيما طرحه (الشيعة والدولة القومية)يضع المسالة في قالب المواضعة أو الانجرار خلف السائد ما يدل على عدم وجود أرضية ثقافية يمكنها إن تخلق خطابا مناهضا لخطاب التعبئة لان الدافع وراء ذلك كما يقول مؤلف الكتاب هو quot;لحاجة الأمة إلى حاد يحدوها لا يتعالى عليها ولا يجلدها... حاد يحب قومه وقبيلته ويريد لهم الخير والتقدم quot;(ح1)

انه يعترف إن ألامه بحاجة إلى(حاد) وليس إلى (عقل) لأنها مازالت تعيش منطق القطيع الذي يحتاج إلى من يرعاه ويوجه ومنطق كهذا لايمكنه_بحسب ما يطرحه العلوي _إن يدرك حاجاته أو يفهم ظروفه بدون مساعدة المفكر الذي يشترط عليه إن يحب قومه وقبيلته وان يريد لهم الخير والتقدم وألا لن يكون جديرا بلقب (الحاد)الذي تحتاجه الأمة_القطيع_ متناسيا إن كل المفكرين بما في ذلك المحسوبين على الخطاب التعبوي يدعون ذلك ويمارسون الأسلوب ذاته في مواجهة الآخرين وليس هذا وحسب بل هو يقر بان الواقع الحالي هو الذي دفعه لكتابه هذا المؤلف قائلا quot; إن الموقف من الصحابة ومن عمر بالذات تتوقف عليه في عصر الاتصالات أمور لم تكن محسوبة قبل هذه الثورة وسنواجه بتجريح الصحابة إشكالات اجتماعية حادة في مناخ يسمح بنشر إحكام التكفير والترويج لها في الفضائياتquot;(ح1)

ما يعني إن دافعه سياسي وليس ثقافي ومع إننا نقدر عاليا هذه المبادرة إلا أن تقييمنا لها يجب إن يتسم بالشفافية لتقول إن المسالة الأولى في هذا الخطاب هو انه لن ينبع من حاله معر فيه خالصة أو واقع طبيعي رغم إيماننا بعلميه المؤلف ونزاهته الفكرية إلا آن النزاهة و العلمية وحدهما لايمكنهما إن يخلقا الخطاب الصريح والدقيق ولا ينجحا في دفع الواقع الثقافي نحو الغاية التي يهدفان لها مالم تكن هناك أرضية تتقبل ذلك أو تدفع به نحو البروز ثم إن حاجة واقعنا ومجتمعاتنا ليست بهذا الاتجاه الذي اعتمده حسن العلوي لا سيما على المدى البعيد لأننا مطالبون بزرع ثقافة إنسانية بعيدة عن حالة التعبئة والاحتراب وهذا الأمر يتطلب الخروج من دائرة المعهود والمتعارف عليه واعتماد منهج نقدي يستوعب قيم الحداثة ورؤاها التي تنطلق من الحاجة المباشرة والحقيقية للمجتمع لان النزاع حول عمر وعلي هو نزاع بدائي والخوض في تفاصيله ليس سوى تنميط للمفاهيم الأيدلوجية ومع إننا لا ننفي القيمة المعرفية للكتاب إلا إننا لا نستطيع إن نتفق على انه يحمل بشرى فكرية لان المشكلة ليست في نزاهة التأليف وعلميتها بل وفي قيمتها الفكرية ومستوى العقل الذي يستلمها وقدرته على الخروج من ضبابيته واستلابه وبالتالي نحن نخشى إن يدعم هذا الكتاب الحالة الاختلافية التي يعيشها الواقع الإسلامي لأنه سوف يجعلنا نعيش في دوامتها بدلا إن نواجهها من خلال النقد الجذري والمباشر لآلية العقل ومنتجه العام وبدلا من إن نحلل الأسباب التي تدفع هذا العقل للبقاء في دائرة الاختلاف نخلق وضعا جديدا يحاكي هذا الاختلاف أو يرسخه بطريقة من الطرق وسيكون إمامنا إن نفتح جدلا جديدا ليس بين الشخصيتين التاريخيتين علي وعمر(نقصد حضورهما من العقل لاختلافي ) بل وبينهما والرؤية الجديدة التي طرحها حسن العلوي ولعل أهم ما في هذه المحاولة أنها خلقت جدلا مضافا ومعمعة أخرى تقوي من النسق الرغبوي والطفلي للعقل العربي الإسلامي لان المشكلة في الثقافة التعبوية ليس في وجود خلاف بين شخصيتين تاريخيتين بل في وجود عقل يؤسس لهذا الخلاف وينمطه لصالح نزعه أيدلوجيه وبا لتالي لا أهمية لطرح يفند ذلك الخلا ف أو يقلل من حجمه مادام العقل ذاته يحمل نز عة اختلافيه أي إننا بازا ء مشكلة فكريه خالصة لايمكننا الخروج من بؤرتها بدون مواجهة العقل وتفكيكه عندها يمكننا إن نلاحظ إن لا مشكلة تستوعب كل هذا الاختلاف والعداء ولااهمية لان نتأثر نحن به أو نضعه إمام أعيننا وعلينا لكي نتخلص من هواماتنا و تفاهاتنا إن نركز على البحث عن سبيل للخروج من مأزقنا الحضاري ومعاناتنا الثقافية لا إن نبقى ندور فيها ولذلك لا يكمن الحل في إن quot; ننتظر لحظة لقاء بين ربع عمر وربع علي ليعودوا إلى المسجد النبوي ويستكملوا ثمانية عشر إلف صلاة مشتركة بين علي وعمر هناك quot; (ح29)لان صلاة كهذه لو حصلت سيغلب عليها الطابع السياسي ولن تحل مشكله الخلاف بين ربع علي وربع عمر إنما المطلوب من وجهة نظري هو تفكيك العقل التعبوي ألاختلافي للثقافة العربية الإسلامية وتبديله بعقل يؤمن بالحداثة ويمتاز بالانفتاح على الأخر عندها يمكننا فقط إن نتخلص من الخلاف بين الطرفين المتخاصمين لكن عملا كهذا لن يتم بين ليله وضحاها أو من خلال مؤلف واحد ومن خلال مشاريع ثقافية محدودة إنما يتطلب جهودا واسعة تمتد من التعليم ولا تنتهي بالإعلام مؤمنين بان إشاعة النهج الديمقراطي ونشر الرفاه والحرية هو الكفيل بحل كافة الإشكالات بدون استثناء.

باسم محمد حبيب