يتمتع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بموهبة فكاهية كبيرة قل مثيلها بين سياسيي العالم، فطرائف الرجل لا تتوقف، وما يكاد ينتهي من طرفة حتى تجده يلاحقك بأخرى. آخر طرائف أحمدي نجاد جاءت حين سعى لحصول إيران على مقعد بمجلس الأمن الدولي في الانتخابات التي أجرتها الجمعية العامة للامم المتحدة الأسبوع الفائت لشغل خمسة مقاعد غير دائمة. وقد فشل احمدين نجاد، كما كان متوقعاً، في حشد الأصوات اللازمة لفوز بلاده حيث حصلت إيران على اثنين وثلاثين صوتاً فقط من بين مائة واثنين وتسعين صوتاً تشكل الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين حصلت اليايان، الدولة المنافسة لإيران والتي فازت بالمفعد للعامين القادمين، على مائة ثمانية وخمسين صوتاً.

سعي محمود أحمدي نجاد للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي جاء بعد أيام قليلة من وصف الرجل مجلس الأمن بأنه quot;ليس مجلس أمن منظمه الأمم المتحدة، بل هو مجلس أمن بعض القوي الكبرى.quot; واعتبر أحمدي نجاد في تصريحات نشرها موقع الرئاسة الإيرانية، ترشح ايران للعضويه غير الدائمه في مجلس الامن بأنه quot;اختبار أخر لسلوك الدول التي تدعي بان مجلس الامن يعود للمجتمع العالمي بأكملهquot; موضحاً أن فكرة ترشيح إيران لعضوية مجلس الأمن كانت بمثابة محاولة جس نبض لمعرفة ما إذا كانت القوى الكبرى تقبل بأن تكون هناك دولة معارضة لسياساتها في مجلس الأمن.

وقد بررت إيران هزيمتها السياسية على الساحة الدولية، حيث عزا سفير أحمدين نجاد إلى الأمم المتحدة محمد خزاعي خسارة بلاده في انتخابات عضوية مجلس الأمن إلى عدم تسامح الغرب مع سياسات بلاده وقال خزاعي في تصريحات صحفية أدلى بها بعد هزيمة بلاده في الانتخابات ونشرتها صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; أن quot;البعض ليس لديه تسامح أن يسمع صوتاً مستقلاً في هيكل غير متسق مع ضرورات العالم اليوم....... من الواضع أن هيكل مجلس الأمن هو ذلك الذي يجب ان يُقال فعليا أن دولا معينة قليلة تتخذ فيه القرارات وتفرض الأفكار...... ومن الطبيعي ألا تكون هذه الدول مهتمة بالأفكار المستقلة أو دخول دول تعتقد في ضرورة اعادة فحص هيكلة.quot;

جاءت محاولة إيران الترشيح لعضوية مجلس الأمن الدولي على المقعد الذي سيشغر بانتهاء فترة أندونيسيا في كانون الثاني القادم بمثابة المفاجأة للمراقبين والسياسيين الدوليين. فمجلس الأمن لم يكف في السنوات الثلاث الماضية عن إصدار القرار تلو القرار للضغط على إيران للتوقف عن تطوير قدراتها النووية. وقد كان لافتاً أن مجلس الأمن استقبل أعلان الحكومة الإيرانية نيتها الترشيح لعضوية المجلس بالقرار رقم 1735 الذي صدر في السابع والعشرين من أيلول الماضي وطالب الحكومة الإيرانية بالامتثال تماماً، ومن دون تأخير لالتزاماتها بالتخلي عن طموحاتها النووية، وبالالتزام بتلبية متطلبات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وللحق فقد كان من العجيب أن تترشح إيران لعضوية مجلس الأمن في الوقت الذي ترى فيه قيادتها السياسية أن المجلس، الذي يمثل الذراع الأقوى لمنظمة الأمم المتحدة، مجرد ألعوبة بأيدي القوى quot;الإمبرياليةquot; وquot;الصهيونيةquot; الكبرى، ومجرد أداة لتنفيذ مخططات العالم الغربي الاستعمارية. وكان من المؤكد أن ترشيح إيران لعضوية مجلس الأمن في مواجهة اليابان، الدولة المنضبطة سياسياً والقوة الإقتصادية الكبرى في عالم اليوم، هو مجرد محاولة فكاهية عبثية ومثيرة للسخرية، فما من إنسان عاقل كان يتصور أن أي بلد حر أو أي إدارة مسئولة أو أي نظام متزن كان سينتخب نظام الملالي الفاشستي على حساب دولة اليابان الديمقراطية. ولعلنا نستطيع بالطبع بسهولة ومن دون عناء تخمين ماهية الدول الإثنتين والثلاثين التي صوتت لمصلحة إيران.

لم يكن هناك من سبب مقنع وراء ظن إيران قدرتها على الفوز في انتخابات عضوية مجلس الأمن وهي الدولة التي تتحدى الأمم المتحدة وتعادي المجتمع الدولي. ربما كان من الممكن أن تنتخب إيران لعضوية مجلس الأمن الدولي لو كان محمود أحمدي نجاد إختار السير على خطى معمر القذافي حاكم ليبيا الذي انتخبت بلاده العام الماضي لعضوية مجلس الأمن للمرة الأولى بعدما رفع ndash; القذافي - رايته البيضاء للمجتمع الدولي خوفاً من مصير صدام حسين الذي كان قاب قوسين أو أدنى منه. ولكن النظام الإيراني الحاكم لم يختر طريق التهدئة وإنما طريق المواجهة، ولم يرغب في تعويض ما فاته من أيام عجاف ستقوده إلى المزيد من العزلة عن المجتمع الدولي.

وقد كانت تصريحات سفير محمود أحمدي نجاد إلى الأمم المتحدة محمد خزاعي التي اتهم فيها الغرب بعدم التسامح واحدة من الطرائف المثيرة التي يتحفنا بها الحكام الإيرانيون. فالنظام الإيراني الذي ينتهك القوانين الدولية ويضطهد أقلياتها الدينية والعرقية ويرتكب الجرائم بحق الإنسانية لا يمكن أن يتهم الغرب بعدم التسامح إلا إذا كان المسئولون الإيرانيون يتحدثون إلى عالم من ذوي العقول الخفيفة. ولعل إقرار مجلس الشورى الإيراني، قبل أسابيع، بصورة مبدئية، مشروع قانون يسمى بـquot;القانون الجزائي الإسلاميquot; الذي يفرض عقوبة الإعدام على كل إيراني يتخلى عن الإسلام خير دليل على عدم تسامح إيران حتى مع أبنائها.

كانت محاولة إيران الفوز بعضوية مجلس الأمن واحدة من أبرز طرائف محمود أحمدي نجاد. فبعد طرفة إنكار المآسي الإنسانية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية ومنها الهولوكوست، وبعد طرفة وجود الولايات المتحدة في مرمى الصواريخ الإيرانية، وبعد طرفة العقوبة الإلهية التي دمرت الإقتصاد الأمريكي سعى الرئيس الإيراني لجذب أنظار العالم بطرفة جديدة أظهرت مدى سذاجة الرجل وعدم رجاحة عقله وعدم قدرته على تقييم الأمور ووضعها في نصابها الطبيعي. وربما لن تتوقف طرائف الرئيس الإيراني قبل أن يقود الرجل بلاده إلى حافة الهاوية، فهذه عادة الزعماء الأشاوس في الدول التي تقودها نظم شمولية. وكان الله بعون الشعب الإيراني.

جوزيف بشارة
[email protected]