قمع وضرب ومن ثم إعتقال بالجملة. هذا ما عاملت به قوات الشرطة والإستخبارات السورية المدنيين الكرد العزل الذين تظاهروا يوم الأحد (2/11/2008) للتنديد بالمرسوم العنصري الأخير( رقم 49 للعام 2008) القاضي بمنع السوريين الأكراد( سكان المناطق الحدودية!) من التصرف بأملاكهم إلا بعد العودة إلى... وزارتي الداخلية والدفاع!. بكلام آخر شل حركة البيع والشراء في المناطق ذات الغالبية الكردية بهدف دفع أبنائها إلى الرحيل والهجرة، بعد ان تقفر وتصبح قاعاً صفصفاً لاحياة فيها.

الشرطة والإستخبارات السورية إعتقلت العشرات بينهم عدد كبير من مسؤولي الأحزاب الكردية المنظمة للتظاهرة، وحولتهم إلى...( فرع الأمن الجنائي)!.

المرسوم الأخير جاء ـ كما يبدو ـ بعد دراسة متأنية في دوائر الإستخبارات السورية (التي يقيم عليها عتاة الشوفينيين، من الحيتان السمان، سارقي قوت ومال الشعب السوري)، حيث الهدف، كماهو واضح، التركيز على الأكراد بغية تشتيتهم في عموم البلاد جرياً وراء لقمة العيش، وquot;فضquot; تجمعاتهم الكبيرة في محافظة الجزيرة ومنطقتي كوباني وعفرين، وهي كلها مناطق حدودية تقع شمال البلاد. لكن الكلام نفسه لاينطبق على سكان بقية المناطق الحدودية في سوريا، كأهالي محافظات: دير الزور( المجاورة للعراق) والسويداء ودرعا( المجاورتين للأردن) وحمص( المجاورة للبنان). الهدف هو الأكراد فقط، حيث أن بعض المصادر تحدثت عن عدم شمول هذا المرسوم للمواطنين العرب والمسيحيين( الآشوريين، الأرمن، والسريان) القاطنين في مناطق الجزيرة السورية.

النظام السوري ومنذ إنتفاضة آذار 2004 وهو يكيد ويكمن للشعب الكردي في البلاد. لم ينس رأس النظام وحاشيته المقربة ما فعله الأطفال والشبان الأكراد في تلك الإنتفاضة، حينما حطموا تماثيل الرئيس الراحل حافظ الأسد وإقتحموا مقار المخابرات ومخافر الشرطة في المناطق الكردية وأضرموا فيها النار. وثمة حديث خاص عن تصريح لأحد أقطاب النظام يقول فيه بأنهمquot; سيجعلون أكراد الجزيرة {يعوون} كالكلابquot;عقاباً لهم على قيامهم في وجه النظام في تلك الإنتفاضة. وما السياسة الحالية في قمع وتجويع الشعب الكردي في البلاد إلا ترجمة حرفية لهذا التهديد. فهناك ملاحقة كبير للنشطاء الأكراد في البلاد وإهمال كبيرللمناطق ذات الغالبية الكبيرة من جهة اقامة المشاريع وتقديم الخدمات وتأمين فرص العمل. وهو الأمر الذي دفع مئات الآلاف من أهالي تلك المناطق إلى الهجرة للمناطق الداخلية والعمل هناك بمايسد الرمق ويؤمن البقاء على قيد الحياة. هذا في داخل سوريا، أما في الخارج فهناك ملاحقة ولكن من نوع آخر. وليس من المستبعد أن تكون الإتفاقية الأخيرة بين النظام والحكومة الألمانية(14/07/2008) والمتضمنة إستقبال النظام ل7000 آلاف كردي يقيمون في ألمانيا إقامة غير شرعية، فصلاً من فصول السياسة المعادية للأكراد. وكأن النظام السوري يريد القول: quot;حتى ولو بعتم كل ممتلكاتكم وهاجرتم إلى الخارج، فلن تنجوا مني، وسأرجعكم إلى الفقر والقمع وحياة الذل والمهانة مرة أخرىquot;!.

وماهذا المرسوم الأخير إلا نوع من شرعنّة تجويع وتهجير ـ والحط من كرامة ـ الإنسان الكردي في البلاد، حيث إنه سيشل حركة العمل والبناء والإستثمار والإستقرار في تلك المناطق، بسبب عزوف الناس عن الشراء والبيع والإنماء في منطقة تخضع لقوانين ومراسيم تمييزية خاصة. ويعد هذا المرسوم الوجه الأكثر قبحاً لسياسة النظام المعادية لشريحة واسعة من الشعب السوري، وهو إستكمال لخطوات مثل نزع الجنسية السورية عن الأكراد( مايقارب 300 ألف شخص) عام 1962 وزرع مشروع ( الحزام العربي) في منطقة الجزيرة بعد مصادرة أراضي الملاكين والفلاحين الأكراد ومنحها لعوائل عربية أستقدمت من محافظتي الرقة وحلب بقصد التعريب، وذلك إعتباراً من عام 1970.

تظاهرة دمشق كانت صرخة سلمية إزاء هذا المشروع الخطير، وإذا لم تعد الحكومة السورية النظر في قرارها هذا فإن حوادثاً أخطر وأعنف ستقع. ثمة ما يهدد السلم الداخلي السوري في حال دوام هذا المشروع وسريان تطبيقاته في المنطقة. على المعارضة السورية والنخب المثقفة رفع اصواتها عالياً ضد هذا المرسوم الجائر، وتنظيم التظاهرات وإعلان العصيان العام تنديداً به، وكذلك العمل على فضح النظام في الأوساط الدولية والإشارة إلى جوهر هذا المرسوم الرامي لتصفية قسم كبير من أبناء سوريا وهم الأكراد، وإستئصال شآفتهم، بقفازات من حرير هذه المرة...

طارق حمو
[email protected]