كلنا يعرف أن الاعتذار سلوك أنساني راقي بين البشر، وهو فعل نبيل وأدب أجتماعي يعطي الامل بتجديد علاقة متوترة وتعزيزها والسير بها الى درجات عالية من التفاهم والتراضي أن كانت هذه العلاقات على مستوى أفراد في تعاملهم اليومي، والاعتذار فن له قواعد وأصول وهو ليس لطافة فقط بل هو اسلوب وتصرف يتطلب حذاقة ودبلوماسية عالية في كثير من الاحيان وشجاعة كبيرة للجهر به والاعتراف للآخر بالخطأ الذي وقع بحقه، ومن خصائص الاعتذار أنه يروض النفس ويقلل الشعور بالكبرياء والغرور وفي نفس الوقت،يزيل كمآ من الحقد والبغضاء عند الطرف المقابل الذي يشعر بالحيف والغبن الذي وقع عليه، لكن البعض ولأغراض متعددة بدأ يربط هذه السلوك النبيل على ما جرى بين العراق والكويت ويحاول أن يجعله شرطآ ومدخلآ في تحسين العلاقات بين البلدين. ففي الآونة الاخيرة أنبرى بعض الكتاب وبأيعاز من بعض الجهات السياسية في الكويت للترويج لهذا المصطلح، فالوفد الكويتي الاعلامي الذي زار العراق مؤخرآ تمهيدآ لزيارة رئيس وزراء الكويت طرح مسألة الاعتذار على رئيس الوزراء العراقي لجس نبض العراقيين في هذا الموضوع الشديد الحساسية والذي يراد منه جعل العراقيين يعتذرون على خطأ مفترض لم يرتكبوه،، لكن فات هؤلاء النفر بأن مسألة اعتذار شعوب أو دول مسألة حساسة تحتاج الى كثير من الدراسة والبحث وأهمها البحث في جذور الخلاف العراقي الكويتي تأريخيآ، ليس المشكلة في طرح هذا المصطلح من الجانب الكويتي المعروفة أغراضه وأهدافه والى ماذا يرمي، لكن المشكلة في بعض المحسوبين على العراق الذين جندوا أنفسهم لخدمة الغير وتعودوا طعن الوطن في أحلك الظروف تحركهم مصالحهم فحيث تكون يكونوا وحيث تدور يدوروا فلا تجد في قواميسهم كثير من المعاني النبيلة ولا مكان لكلمة وطن عندهم فحيث يكون المال يكون الوطن حتى ولو كان هذا التفسيرعلى حساب الكرامة، وكأني بهم كانوا بأنتظار ضربه معنوية جديدة توجه للعراق وشعبه أمعانآ في أذلاله.
أن من أهداف طرح مسألة الاعتذار هو جعل العراقيين يشعرون بعقدة ما يسمى( بغزو الكويت) الى أبد الآبدين ومزيدآ من الابتزاز ومن خلال نظرة على ما كتبه هؤلاء من مقالات وخطابات بعيدة كل البعد عن الواقع ويرفضها العقل والمنطق فقد ربطوا وبطريقة فجة غير منطقية لما حدث في عام 1990 بين العراق والكويت ببعض الاحداث العالمية ربطآ غير واقعي غوغائي يعلوه الصراخ والسرد الانشائي العاطفي ومحاولة خلط الامور وأجتزاء بعض الاحداث التأريخية العالمية بصورة مشوهة والتي لا تمت للحالة بين العراق والكويت بأي صلة حتى وصل الامر ببعضهم الى الاستعانة بالقرارات الجائرة السيئة الصيت التي أصدرها مجلس الامن في تلك الفترة بضغط أمريكي لتوفير غطاء له للتدخل وتدمير العراق والهيمنة على نفط المنطقة، وأخذ بعضهم يشير الى ما في تلك القرارات من أشارات على مبدأ حسن الجوار ويربطونها بإعتذار العراق وكأنهم يحاولون أحياء تلك القرارات وتهديد العراق بها مجددآ أن لم يعتذر للكويت، فمرة يشبهون ويقارنون أعتذار الفاتيكان لليهود وأخرى أعتذار المانيا لليهود ومرة تراهم يتخذون من الاعتذار الايطالي لليبيا على سنوات الاحتلال والقهر للشعب الليبي مثالآ يحتذى به، وفي كل الحالات هم مخطئون فلا أعتذار الالمان لليهود ولا الاعتذار الايطالي لليبيا يشبه أو حتى يقترب من الحالة بين العراق والكويت، فالمانيا نازية عنصرية هدفها كان طرد اليهود من المانيا وأوربا ولم يكن النزاع على حدود، أو أن أسرائيل أنشأت على أراضي المانية،أما المثال الايطالي مع ليبيا الذي يسوقوه فهو أيضآ ليس له أي وجه من التشابه مع الحالة بين العراق والكويت، فأيطاليا عبرت البحار وأحتلت أرض بعيدة عنها هي ليبيا وقهرت شعبآ لم يمسها بسوء أو يعتدي عليها، وهؤلاء الكتاب بطرحهم هذا أرادوا ذر الرماد في العيون وخلط الامور بطريقة لا تمت للعقل والتاريخ والجغرافيا بأي صلة عن طريق اسقاط أحداث تاريخية وفترات أستعمار همجية كانت تسود العالم على الحالة بين العراق والكويت، ومن حقنا وحق عوائل شهداء العراق الذين تسببت الكويت بما حصل لهم أن نطرح تسائل مشروع يدور في رأس كل مواطن عراقي هو من يعتذر لمن؟ هل أهالي الشهداء الذين كانت الكويت تسلم أبناءهم الى النظام السابق قبل أحداث عام 1990 ليعدموا، أم الذين فقدوا مزارعهم وأراضيهم التي أستولت عليها الكويت؟ وماذا نقول لعوائل أكثر من مليون شهيد سقطوا جراء الحصار الذي كانت الكويت من أشد الداعمين والممولين له؟ وماذا نقول لصيادي العراق الذين بمجرد خروجهم في عرض البحر لطلب الرزق يتم خطفهم وتعذيبهم وحتى قتلهم في الكويت وهنالك عشرات الشواهد والاثباتات على ذلك؟
ومن الذي مهد للأحتلال وفتح أراضيه لعبور تلك القوات للعراق في وقت رفضت فيه بعض الدول المجاورة للعراق والتي تربطها بأمريكا علاقات سيتراتيجة السماح للولايات المتحدة بأستعمال أراضيها منطلقآ للعدوان، وما حدث بعد الاحتلال من تعديات خطيرة في بعض محافظات العراق ومنها القيام بحرق مركز دراسات الخليج العربي في البصرة الذي يحوي على بحوث قيمة وخرائط نفيسة للمنطقة،ثم الدفع على قيام فيدرالية في البصره وهذا ما يقوم بترديده محافظها أضافة على أستضافة الكويت للمتلاعبين بالاموال العراقية وخير شاهد على ذلك شقيق محافظ البصره الذي استولى على مليار دولار وهرب الى الكويت، ثم كيف ستتذكرنا أجيالنا القادمة عندما نفرط بحقوق العراق فمن سور الكويت بطول الكيلو متر الواحد الى سور بطول 160 كيلو مترآ يقضم نصف أم قصر ويقف على أبواب الزبير ويلتهم عشرات الحقول النفطية العراقية وعشرات الاميال من الاراضي العراقية علاوة على مياه العراق الاقليمية التي لم تسلم من التعدي والضم، الكويت لم تتمدد بفعل الحرارة أو قامت بردم لمياه البحر، بل توسعت على حساب العراق وتوسعها كان دائمآ بأتجاه الشمال أي بأتجاه الداخل العراقي الى درجة أصبح العراق مخنوقآ بحريآ، ثم لماذا لم نسمع صوتآ من هؤلاء وغيرهم على رفض الكويت أنضمام العراق الى دول مجلس التعاون؟ حيث جاء الرد الكويتي سريعآ على رفض طلب العراق الانضمام الى مجلس التعاون.
أن مشكلة الكويت ليست مع أنظمة حكمت العراق بل هي مشكلة مع شعب العراق فهذه الانظمة هي أنعكاس لنبض الشارع العراقي،فالافعال التي قامت بها الكويت مع كل الاسف التي أشرنا الى البعض منها قد أضرت بالشعب العراقي كله وجعلته يشعر بالغبن والحيف وهو شعور خطير يؤدي لا سامح الله الى ردود أفعال لا تحمد عقباها، وأذا كانت النيات سليمة في حل الخلافات وعودة العلاقات التي توصف بالاخوية فعلى الجانب الكويتي الشقيق التفاوض على مسألة تعديل الحدود وأعادة الحقوق التي ذكرناها، عندها يتم الحديث عن أعتذار متبادل لا ينتقص من كرامة أحد، فهذه هي الاسس السليمة لقيام علاقة مستقبلة متطورة بين العراق والكويت، أما طرح مسالة الاعتذار في هذا الوقت وقفزآ على الحقوق فهو محاولة مكشوفة لقطع الطريق على العراق وجره الى ألتزام معنوي وأخلاقي لا يستطيع فيه مستقبلا من المطالبة بحقوقه التأريخية،وعلى المسؤولين العراقيين أن ينتبهوا الى ذلك فلا يقعوا في فخ التزام أخلاقي يفرض على العراق مزيدآ من الالتزامات والقيود الاخلاقية التي تجعله لا يستطيع المطالبة بحقوقه علاوة عن الالتزامات الجائرة المفروضة عليه أصلآ.
حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]
التعليقات