في يوم الاثنين الحادي عشر من شباط الجاري احتفلت الحكومة الإيرانية بذكرى مرور تسع وعشرون عاما على انتصار ثورة الشعوب التي أزاحت النظام البهلوي، ذلك النظام الذي قام على جماجم أبناء الشعوب و القوميات في إيران بدعم من القوى الاستعمارية التي جاءت به بمؤسسه quot; رضا خان quot;عام 1926م ليكن حاميا لمصالحها في المنطقة ، وعد استمر نظامه أكثر من خمسين عاما وهو يمارس البطش والإرهاب ضد أبناء الشعوب ويحرمهم من ابسط حقوقهم الفكرية والثقافية والسياسية، مستعينا بأقوى جهاز سري (الساواك) قمعي صنعته له القوى الصهيونية والدول الغربية لخنق الشعوب الإيرانية التواقة للحرية والساعية إلى الخروج من الهيمنة الاستعمارية التي كانت تنهب خيرات البلاد فيما أهل البلاد يعيشون الفقر والفاقة. ولم يكن الشاه ونظامه الفاسد في هذه البلاد سوى حارس مؤتمنا على الثروات النفطية التي كانت ملكا للشركات الانكلوا- أمريكية المتنفذة في السلطة، ولم يكن ذلك خفيا على الشعوب الإيرانية حيث أنها كانت تدرك وتعي ما يدور في البلاد من خلال مشاهدتها للقواعد العسكرية والخبراء والمستشارين الأمنيين الأجانب الذين كانوا يديرون البلاد ويحمون النظام من غضب الشارع الإيراني. ولكن كل هذه القوى والدعم الأجنبي والأجهزة البوليسية القمعية لم تستطع وقف أرادت الشعوب المضطهدة التي تمكنت في نهاية الأمر من إسقاط البهلوي وإزاحة نظامه الجائر عبر ثورة شعبية عارمة سعيا وراء الحرية والمساواة في الحقوق الإنسانية والقومية تحت راية الأخوة الإسلامية التي كانت احد أهم شعارات أبناء الشعوب والقوميات المضطهدة في إيران. إلا أن هذه الآمال سرعان ما تبخرت وأصبحت من جديد مجرد أحلام تراود الشعوب التي ظنت أنها بإسقاط البهلوي قد تخلصت من عصر الطواغيت والأنظمة الشمولية وقمع أجهزة الشرطة السرية وسياسة التمييز العنصري. وقد تفاجئ الإيرانيون و بمختلف قومياتهم وأطيافهم المذهبية بعد ان تبين لهم ان كل ما جرى لم يكن سوى تغيير صوري في شكل الحاكم ونظام الحكم مع تطوير جوهري في ألأساليب والأدوات التي كانت مستخدمة في قمعهم وخنق طلعاتها المشروعة التي ناضلوا وضحّوا من اجلها.
لقد حل النظام الملالي ، المعتمد على قوة الحرس و مليشيا الباسيج في قمع الشعوب، محل النظام الملكي الذي كان قائما على دعم وحماية القوى الصهيونية والشركات النفطية الأجنبية، وحل السلطان المعمم ( الولي الفقيه ونائب الإمام الغائب ) محل الشاه المتوج الذي كان يصف نفسه انه quot; ظل الله في الأرضquot; وكثيرا ما كان الملالي من إتباعه يشيعون بين الناس أن الشاه هوquot; الرب الأصغر quot; وكان الشاه ذاته يقول quot; أن هذه المملكة نعمة وهبها الله لوالدي وقد جعل وراثتها في الذكور من أبنائهquot;، وكان هذا الكلام مدرج في الدستور الشاهنشاهي الذي جاء الخمينيون المستبدون واستنسخوا منه هذه الجمل مع تغيير بسيط في الظاهر والإبقاء على المعنى وراحوا يجسدونه قولا وفعلا طوال الثلاثة الماضية من عمر نظامهم الاستبدادي الذي جعل كلمة quot; الإسلامية quot; عنوان لجمهوريته التي خلت من أي معنى إسلامي وجمهوري، حيث جعلوا من سلطة الولي الفقيه المطلقة نصا مقدسا وسيفا مشهورا في وجوه أبناء الشعوب يذبحون به كل من خالفهم الرأي و نادى بتعددية سياسية أو فكرية أو ثقافية أو طالب بحق قوي أو مذهبي مغتصب، وأصبحت المذابح الجماعية في السجون والمشانق في الساحات والميادين العامة وخطف واغتيال المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي، وحجز علماء الدين الأحرار في بيوتهم ، وخلق الحروب والفتن الطائفية مع الدول الجوار ، و دعم الإرهاب في مناطق كثيرة من العالم ، جزء من متطلبات تصدير الثورة و من ضروريات حماية نظام ولاية الفقيه الذي اعتبر الخميني quot;الراد عليه كل الراد على الله جل و علاquot;.
ولذلك يجب التمييز بين الاحتفالات التي تقيمها الشعوب الإيرانية هذه الأيام بمناسبة الذكرى السنوية لانتصار ثورتها على النظام البهلوي لتذكر به قادة النظام الحالي بمصير سلفه في النظام السابق، وبين احتفال المؤسسة الحاكمة التي تتباها بمرور تسع وعشرون عاما على هيمنتها وتسلطها على رقاب أبناء الشعوب الإيرانية أصحاب الثورة وصناعها الحقيقيون.
فما يجري اليوم في الشارع الإيراني من تذمر واحتجاجات، والتي وصل الكثير منها حد تنفيذ العمليات المسلحة ضد مؤسسات النظام وعناصره، لاسيما في أقاليم القوميات و الشعوب غير الفارسية، كلا كراد والعرب و البلوش و الاذريين وغيرهم ، كل هذه الاحتجاجات إنما هي تعبير واضح ان احتفالية الشعوب في إيران بذكر ثورة إسقاط البهلوي إنما هي رسالة تذكير صريحة لنظام الولي الفقيه ، تنبئهه فيها أن هذه الشعوب التي استطاعت بفضل تضحياتها الجسام من إسقاط أعتا نظام عرفته إيران في تاريخها المعاصر و هو النظام البهلوي الجائر، فإنها قادرة على إسقاط النظام الحالي و إلحاقه بسلفه وما ذلك إلا مسألة وقت فقط.
وقد قيل قديماً إن الحكم يدوم مع الكافر ولا يدوم مع الظالم.
صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
التعليقات