- نظام شمولي متماسك،شديد المركزية والخصوصية في سلطته واستبداده وقمعه لمعارضيه.يتحصن بحزب quot;البعث العربي الاشتراكيquot;،الذي قاد انقلاباً على الحكم- ثورة مزعومة- في آذار 1963،سوغ له،ومازال، بأهداف وشعارات آيديولوجية وأخرى ثوريةquot;امة عربية واحدة... وحدة حرية اشتراكيةquot; تجاوزها الزمن والتاريخ،سقطت في مستنقع التناقضات السياسية وتعارض مصالح الأنظمة العربية والحروب العربية عربية.على الرغم من أن حزب البعث وضع للبلاد دستور مؤدلج على مقاسه، دستور قومي عربي أكثر مما هو وطني سوري، فرض فيه نفسه قائداً للدولة والمجتمع، ينتقص من quot;حقوق المواطنةquot; لكثير من السوريين، خاصة من حقوق غير العرب ومن غير المسلمين،عطل البعث العمل بهذا الدستور واستعاض عنه بقانون الطوارئ والاحكام العرفية ليمكن سلطته ويعزز حكمه.بفضل قانون الطوارئ وأحكامه الاستثنائية الجائرة لم ينجح النظام في شل وتقويض المعارضة السورية فحسب وانما استطاع،من خلال السجن والاعتقال والملاحقات الأمنية والتسريحات التعسفية،وغيرها من الاجراءات والممارسات القمعية،استطاع تقويض وتفتيت المعارضة وترويض الشعب السوري- الذي تميز عبر تاريخه الطويل بالحيوية السياسية- وتطويعه حتى أضحى شعباً من غير تطلعات أو طموحات سياسية.تدور في فلك النظام والبعثquot; كورسquot; يضم أحزاب شاخت مع قياداتها، فكراً وسياسية،حتى غدت قيادات من غير أحزاب أو أحزاب من غير جماهير. ارضاءً لايديولوجياته وعقائده اختزل البعثquot;الهوية الوطنية السوريةquot; بالعروبة والاسلام، اسقط منها سائر الهويات والثقافات والقوميات والأديان السورية الأخرى،من آشورية/سريانية و كردية و ارمنية وغيرها.وهذا خطأ تاريخي وسياسي كبير ارتكبه البعث،بدأت تبرز،تحت ضغط حرارة وتوترات المشهد العراقي والاقليمي،آثاره السلبية والخطيرة على وحدة quot;الهوية السوريةquot;.فاليوم، ثمة خلل عميق وضعف كبير في العلاقة الوطنية بين مختلف المكونات والأقوام السورية،هو نتاج سياسات التمييز والتفضيل بين السوريين،على قاعدة الانتماء والهوية، والتي تأخذ أحياناً أشكالا وأبعادا شوفينية.فتكاد لا تمر مناسبة كردية من دون حصول اصطدامات مع قوات الشرطة والأمن،تتطور أحياناً الى وقوع قتلى وجرحى بين المواطنين الأكراد، المحتجين أو المتظاهرين أو المحتفلين.وتحت بند quot;مقتضيات وضرورات المصلحة العامةquot; يتم من حين لآخر نقل وتسريح تعسفي لموظفين يعملون في دوائر ومؤسسات الدولة، لأسباب تتعلق بانتمائهم القومي أو وبميولهم ومواقفهم السياسية.من هذه الحالات، تسريح زوجة الناشط الحقوقي المعتقل أنور البني، اعفاء موظفين آشوريينquot;سريانquot;من مهامهم في بلدية القامشلي، نقل وابعاد مهندس أرمني، يعمل في مؤسسة بريد القامشلي الى مدينة الرقة.
- معارضة وطنية،على اختلاف انتماءاتها القومية واتجاهاتها السياسية،اجمعت على ضرورة انهاء حالة الاستبداد القائمة في البلاد وانجاز عملية quot;التغير الديمقراطيquot; والتداول السلمي للسلطة.لكنها فشلت حتى الآن في فتح ثغرة، ولو صغيرة، في جدار الاستبداد واخفقت في اجباره على تقديم أية تنازلات، سياسية أو غير سياسية، لصالح العمل الديمقراطي وتحسين وضعية حقوق الانسان السوري.فشل المعارضة على quot;جبهة السلطةquot;تسبب في اخفاقها على quot;جبهة المجتمعquot;.فقد فشلت المعارضة في تحريك الشارع السوري،بفعالياته المختلفة وقواه السياسية، وتكوين رأي عام يلتف حولها، يحتضن مشروعها الديمقراطي.وكادت المعارضة أن تخسر الخطوة الخجولة التي انجزتها على صعيد تنظيم ذاتها،اثناء انعقاد الاجتماع الموسع، في كانون الأول 2007،لمجلسها الوطني فيquot; اعلان دمشقquot;،الذي تشكل في تشرين الأول 2005 ويضم غالبية قوى المعارضة السورية.حيث انفجرت الخلافات التنظيمية والتناقضات السياسية والفكرية داخل المجلس، وعلى أثرها جمدت اطراف اساسية عضويتها في الاعلان.اعقب هذا الاجتماع حملة استدعاءات واعتقالات جديدة قامت بها السلطات الأمنية، طالت ابرز ناشطي وقيادات الاعلان لتزيد من مأزق المعارضة واجبارها على الانكفاء والانكماش على الذات من جديد.جاء تكريم المحامي والناشط الحقوقي المعتقل quot;انور البنيquot;،رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية،بمنحه جائزة دولية(ايرلندية) في ايار الماضي تقديرا للجهود والتضحيات التي قدمها في الدفاع عن حرية الرأي وعن المعتقلين السياسيين،جاء هذا التكريم ليرفع من معنويات المعارضة السورية،فضلاً عن ان تكريم البني يحمل رسالة الى الحكومة السورية فيما يخص الوضع المتردي للحريات السياسية والديمقراطية في سوريا.
- بموازاة أوضاع سياسية وديمقراطية سورية سيئة،نجد أوضاع اقتصادية وظروف معيشية أكثر صعوبة،وهي زادت سوءاً نتيجة تضرر المواسم الزراعية هذا العام وبعد موجة غلاء حادة،طالت معظم المواد الغذائية والتموينية ومواد البناء والمحروقات والكهرباء ومياه الشرب.الارتفاع الكبير في اسعار المحروقات تسبب في شل وتعطيل quot;القطاع الزراعيquot; الذي يعمل فيه اكثر من نصف سكان سوريا.عادت طوابير المواطنين على نوافذ الافران واكشاك الخبز.الكل يعلم ما لهذه المشاهد،في حال استمرارها، من مضاعفات سلبية على الاستقرار الاجتماعي وما قد تسببه من اضطرابات واحداث فوضى وشغب- كما حصل في العديد من بلدان المنطقة، مثل مصر واليمن وموريتانيا- خاصة في المناطق الأكثر فقراً وبؤساً واحتقاناً وانتشاراً للبطالة في سوريا مثل منطقة الجزيرة.تطمينات الحكومة حول ثبات سعر مادة الخبز، الوجبة الغذائية الرئيسية لغالبية السوريين، لم تطمئن المواطن السوري، فاستمرار quot;أزمة الرغيفquot; يضطر المواطن لشراء الخبز من الباعة في السوق السوداء باسعار مضاعفة.في مدينة القامشلي يتجاوز سعر ربطة الخبز،في ذروة الأزمة،الـ 50 ليرة في حين سعرها النظامي 15 ليرة.لا يبدو انفراج قريب وحلول ناجعة لمشكلات المجتمع السوري،لا بل محنة السوريين مرشحة لمزيد من التفاقم والتأزم مع تفشي آفة الفساد في مختلف مفاصل الدول والمجتمع واستمرار نهب وهدر المال العام بطرق واساليب مختلفة.وما يقلق المواطن السوري،النتائج السلبية والكارثية،على دخله ووضعه المعيشي، لمعظم quot;الاصلاحات الاقتصاديةquot; التي تحدثت عنها الحكومة حتى الآن.وغياب خطط تنموية جدية واستراتيجية تناسب متطلبات الحياة وحجم النمو السكاني وارتفاع نسبة البطالة الى مستويات عالية.طبعاً،زيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 25%،غير كافية للتخفيف من معاناة السوريين، فهي ضئيلة جداً مقارنة مع مستويات الغلاء وحجم البطالة ومتطلبات الحياة.
- هكذا يبدوquot;المشهد السوريquot;، يئن تحت وطأة غياب الكلمة الحرة وأزمة الرغيف. أنه لمشهد قاتم مثقل بالتناقضات السياسية والغير سياسية والأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية،في وضع اقليمي مضطرب ودولي ضاغط.وكأن اعلان quot;القيادة السوريةquot; فجأة- وبعد أشهر على قيام طائرات اسرائيلية بقصف منشأة في العمق السوري بذريعة انها مفاعل نووي لأغراض عسكرية،واتهامات امريكية لسوريا بسعيها لامتلاك سلاح نووي بمساعدة كوريا الشمالية- عن وجود مفاوضات سلام بين سوريا واسرائيل عبر الوسيط التركي،جاء ليضع quot;نقطة ضوءquot; في نهاية النفق السوري المظلم.وذلك من منطلق ان السلام سيوفر بيئة،سياسية وقانونية وحقوقية، جديدة في سوريا،فضلاً عن الفوائد والمكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يأتي بها سلام يفتح آفاق المستقبل امام البلاد.مقابل هذه الرؤية التفاؤلية لمرحلة ما بعد السلام،يستبعد الكثير من السوريين، حصول أي تغير أو تبدل جوهري في الحالة السورية، وخاصة في شقها السياسي. صحيح أن السلام مع اسرائيل سيقلص من نفوذ النظام ويضعف أوراقه الخارجية، وربما بعض أوراقه الداخلية ايضاً، لكن الصحيح ايضاً بأن السلام سيعزز من سلطة النظام في الداخل السوري وسيحسن ويحصن وضعه في المجتمع الدولي الحريص على quot;أمن اسرائيلquot; و حماية السلام في منطقة الشرق الأوسط،أكثر مناطق العالم توتراً واضطراباً.وبالمحصلة ستغدو قضية quot;التغير الديمقراطيquot; أشد استعصاء وصعوبة على السوريين مما عليه هي اليوم.والحالة المصرية خير دليل، فبعد ثلاثة عقود من عمر السلام مع اسرائيل لم يطرأ أي تغير جوهري على المشهد السياسي المصري ومازال شعب مصر يقبع تحت الاستبداد وقانون الطوارئ. بغض النظر عن الثمن السياسي الذي ستقدمه سوريا لاسرائيل مقابل عودة quot;الجولانquot; للوطن الأم، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي فرص نجاح وتحقق هذا السلام؟ وهل الطبقة السياسية الحاكمة وحزبهاquot;البعث العربي الاشتراكيquot;بمقدورهما طي حقبة تاريخية طويلة مليئة بالشعارات والخطب القومية، وفتح ابواب سوريا،قلعة الصمود والتصدي، امام الإسرائيليين، ولاحقاً رفع علم quot;دولة اسرائيل اليهوديةquot; في سماء دمشق،عاصمة الأمويين وquot; قلب العروبة النابضquot;.بلا ريب،بحكم المتغيرات، السورية والعربية والاقليمية والدولية،السياسية والغير سياسية، ضعفت حرارة الصراع العربي الاسرائيلي وتراجعت الكثير من أسبابه وعوامله، قد تبرر للحكم القائم،ولأي حكم آخر في سوريا، عقد صلح،غير مرغوب به، مع اسرائيل يعيد الجولان المحتل للسيادة السورية. في مصر قام الرئيس الراحل quot;انور الساداتquot; بابعاد quot;الحركة الناصريةquot;، التي حكمت وقادت مصر بزعامة جمال عبد الناصر حتى وفاته عام 1970- وهي ابرز حركات القومية العربية الى جانب حزب البعث العربي الاشتراكي، التي ترى في الصراع العربي الاسرائيليquot;صراع وجود وليس صراع حدودquot;- عن الحكم وعن المشاركة في القرار السياسي، الأمر الذي سهل على السادات الذهاب الى اسرائيل عام 1976وابرام اتفاقية سلام معها.في سوريا، السيناريو المصري لا يبدو وارداً،وذلك لخصوصية الوضع السوري، لجهة الحكم والحزبquot;البعثquot; والشعب معاً.لهذا تبدو فرص سلام quot;سوري اسرائيليquot; حقيقي، شامل وعادل،ضئيلة جداً،على الأقل في الزمن السوري الراهن. ويبدو quot;سلاماً مستحيلاًquot; في ضوء المواقف السورية والشروط الاسرائيلية المعلنة quot;قطع سوريا علاقاتها مع ايران وحركة (حماس) الفلسطينية وحزب الله اللبنانيquot;،شروط رفضها الرئيس بشار الاسد في أكثر من مناسبة.
سليمان يوسف يوسف
كاتب وناشط سوري.
[email protected]
التعليقات