تجري في إيران هذه الأيام التحضيرات لإقامة احتفالية الذكرى السنوية لموت زعيم الثورة و الجمهورية الإيرانية روح الله مصطفى الهندي ( الخميني )الذي وافاه الأجل في 3/ 6/ 1989م نتيجة إصابته بمرض سرطان المعدة. فبعد موته اعتادت السلطات الإيرانية القيام كل عام بتسيير قوافل من الحرس الثوري و مليشيات التعبئة الشعبية ( البسيج )lsquo; معززة بقوافل من عناصر الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة lsquo;وعمال الشركات وموظفي الدوائر الحكومية وطلاب الحوزة الدينية lsquo; من مختلف المدن والأقاليم لحج قبر الخميني سيرا على الأقدام. وقد أعلنت السلطات الإيرانية هذا العام أنها سيرت أكثر من عشرين الف شخص من الأحواز سيرا على الأقدام للغاية ذاتها!. ولم يكن من باب الصدفة ان تعلن السلطات الإيرانية عن تسيير قافلة بهذا الكم من البشر الذين ادعت أنهم يمثلون مختلف شرائح المجتمع الأحوازي lsquo; فان هذا الإعلان يهدف إلى لفت الانتباه عن استعدادات التي يجريها الأحوازيون من أبناء المحمرة وسائر المدن الأحوازية الأخرىlsquo; لإحياء ذكرى مناسبة أليمة مازال جرحها يقطر دما عبيطا لم يجف ولم يلتأم منذ ثلاثة عقود مضت lsquo; وهذه المناسبة هي الذكرى السنوية لمجزرة المحمرة التي حدثت فجر يوم الاربعاء30آيار 1979م بأمر من الخميني ونفذها حاكم إقليم الأحواز آنذاك الجنرال احمد مدني. وعلى الرغم من بشاعة المجزرة وضخامة عدد ضحاياها الذين تجاوزوا الـ 500 شهيد وجريح lsquo; بين طفل وامرأة ورجلlsquo; ذهبوا جراء القصف المدفعي على الأحياء السكنية و حملة الإعدامات الجماعية التي استمرت ثلاثة أيام على يد مليشيات ما كان يسمي باللجان الثورية والقوا ت البحرية وعصابات المستوطنين الفرس. وقد اثنا الخميني على تلك المجزرة و وصف جزارها الجنرال احمد مدني quot; بعينه اليمنى quot; وكافئه بتعينه قائد للقوات البحرية في الجيش الإيراني. قبل ان ينقلب على النظام ويفر هاربا إلى أوروبا ليموت بها عام 2006م مصابا بمرض السرطان.


ولم يكتفي الخميني بتلك المجزرة lsquo; بل أمر باعتقال الزعيم الروحي والوطني للشعب الأحوازي الإمام محمد طاهر آل شبير الخاقاني lsquo;احد صّناع الثورة الإسلامية ضد النظام البهلوي المقبور و احد الأساتذة الذين كان الخميني قد تتلمذ عليهمlsquo; وقد جرى نقله إلى مدينة quot; قم quot; ليوضع تحت الإقامة الجبرية. وقد قضى الشيخ الخاقاني مدة خمسة أعوام مأسورا في محبسه بمدينة قم حتى توفي رحمه الله.
ولم تكن تلك هي النهاية lsquo; بل أرسل الخميني جلاده المشهور quot; الملا صادق خلخالي quot; ( مات هو الآخر عام 2003 م بمرض السرطان أيضا ) للمحمرة ليكمل المجزرة البشعة. وقد شكل الخلخالي محكمته الثورية السيئة الصيت التي كان شعارها quot; نعدم المتهم فالبريء إلى الجنة والمذنب إلى النار quot;lsquo; فاعدم المئات من الاحوازيين وسجن آلاف في غضون في غضون أسابيع.


ولكن قد يتساءل سائل عن الدواعي التي دفعت بالخميني ونظامه إلى ارتكاب هذه المجزرة المروعة بحق أبناء الشعب الأحوازي الذين كان الخميني حتى الأمس القريب يتباكى عليهم ويعدهم من منفاه بالعراق بأنه سوف يرفع عنهم الظلم ويعيد لهم حقوقهم المغتصبة إذا ما أطاح بنظام الشاه وانتصرت الثورة. كانت هذه الكلمات كافية لكي يصدق الأحوازيون بوعود الخميني ويقفون معه ويناصرونه ضد عدوه وعدوهم الشاه البهلوي. وقد كانت لفتوى الزعيم الروحي والوطني الأحوازي الشيخ الخاقاني lsquo; بتحريم العمل في مصافي النفط lsquo; الأثر القوي الذي أسرع بانهيار نظام البهلوي وعودة الخميني لإيران منتصرا.


وتعبيرا عن حسن نواياهم تجاه العهد الجديد وتصديقا بالعود التي كان الخميني قد قطعها على نفسه برفع الظلم والتمييز العنصري عنهم lsquo; فقد حل الأحوازيون جميع التنظيمات والحركات السياسية والعسكرية التي كانت تقاوم نظام الشاه البهلوي وتناضل لتحرير الأحواز من الاغتصاب الفارسي. وقد أسسوا لهم حركة ناطقة باسمهم أطلقوا عليها quot; المنظمة السياسية للشعب العربي المسلم quot; وشكلوا بعد ذلك وفدا من مختلف شرائح المجتمع الأحوازي ذهب لزيارة الخميني مهنئا بانتصار الثورة ومبايعا للحكومة الإسلامية الجديدة. وقد طالب الوفد العربي من حكومة الثورة ان تفي بالعهود التي كان زعيم الثورة قد قطعها على نفسه وان يتم درج هذه الحقوق في الدستور الإيراني الذي كانت الحكومة تعد لطرحه على الاستفتاء الشعبي.


و قد وثق الكاتب والصحفي العربي البارز الأستاذ quot; رياض نجيب الريس quot; الذي زار إيران و الأحواز في تلك المرحلة وعايش الأحداث بتفاصيلها lsquo; مطالب العرب و وصفها بمايلي : quot; وكانت المطالب العربية، حسب ورقة العمل التي قدمتها quot; منظمة الشعب العربي الإيراني المسلمquot; إلى رئيس الحكومة الإيرانية وقتئذٍ الدكتور مهدي بازركان وبموافقة الشيخ محمد الخاقاني، كالتالي:
1 ـ الاعتراف بالقومية العربية في إيران على أن يدرج ذلك في الدستور الإيراني الجديد.
2 ـ تشكيل مجلس محلي لخوزستان (عربستان) كأساس للحكم الذاتي في المنطقة ليقوم بتشريع القوانين المحلية اللازمة في المجالات الداخلية.
3 ـ تشكيل محاكم عربية لحل مشاكل المواطنين العرب وفقاً للقوانين في الجمهورية الإسلامية.
4 ـ اعتبار اللغة العربية اللغة الرسمية في منطقة الحكم الذاتي، علماً بأن الفارسية هي اللغة الرسمية في عموم إيران.
5 ـ إلزامية تدريس اللغة العربية في جميع المدارس الابتدائية في منطقة الحكم الذاتي.
6 ـ إقامة جامعة عربية في منطقة الحكم الذاتي تسد حاجات الشعب العربي الإيراني في خوزستان (عربستان).
7 ـ أولوية التوظيف في منطقة الحكم الذاتي لأبنائها العرب ومواليدها وبنفس شروط توظيف الإيرانيين من أبناء القومية الفارسية.
8 ـ ضمان حرية النشر والإعلام والصحف باللغة العربية في خوزستان (عربستان).
9 ـ تخصيص قسم من موارد النفط الذي ينتج أصلاً في خوزستان (عربستان) لإعمار المنطقة.
10 ـ تغيير أسماء المدن والقرى والأحياء الفارسية وإعادة الأسماء التاريخية العربية.
11 ـ إدخال المواطنين العرب الإيرانيين من منطقة الحكم الذاتي وإشراكهم في القوات المسلحة الإيرانية وسلك الشرطة المحلية.
12 ـ إعادة النظر في قوانين توزيع الأراضي على الفلاحين من ضمن القوانين الإسلامية المتعارف عليها.
وتصدت السلطات الإيرانية للمطالب العربية بعنف، لحساسية الوضع الجغرافي لعربستان، كونها مركز إنتاج وتصدير النفط الإيراني. والعمال العرب لا يشكلون أكثر من 20 بالمئة من عمال النفط، لأن السياسة الإيرانية كانت وما زالت ضد توظيف العرب. فالبَوْن شاسع بين العمال العرب والعمال الفرس المهاجرين من الشمال. شاسع في الرواتب والرتب. رواتب الفرس خمسة أضعاف رواتب العرب. بيوت العرب مجموع أعشاش وبيوت الفرس quot;قصورquot; بالمقارنة. وليس هناك عربي واحد في مركز تنفيذي.
وأمام هذا الوضع المتردي في عربستان ndash; الأحواز- ومواجهة العنف بين طهران والمحمرة، لم يعد من الممكن أن تبقى قضية الشعب العربي في إيران أسيرة التعتيم الإيراني ولا ضحية الظلم التاريخي الذي لا آذان له ولا عيون، كان لا بد من الانفجارquot;.
نعم لقد انفجر الوضع بارتكاب مجزرة المحمرة lsquo; التي أمر الخميني بارتكابها ردا على المطالب المشروعة التي تقدم بها الشعب الأحوازي انطلاقا من إيمانه بان الإسلام الذي نادى به الخميني واتخذه عنوان لجمهوريته العتيدة lsquo; هو الحل الذي يضمن حصول العرب وغير العرب من الشعوب والقوميات الأخرى على حقوقها بالعدل والمساواة و يضمن العيش المشترك بينهما. إلا ان مجزرة المحمرة أضاعت هذا الحلم و فتحت جرحا عميقا في قلوب الاحوازيين لم تترك السلطات الإيرانية بجرائمها المتتالية أي أمل لاندماله. فهذا الجرح مازال ينزف كل يوما بجرائمlsquo; الإعدام و سلب أراضي المزارعين وتهجيرهم lsquo; وتهديم بيوت العرب وبناء مستوطنات للقادمين إلى الإقليم من الأعاجم lsquo;. وسيبقى هذا الجرح مفتوحا حتى يستعيد الشعب العربي الأحوازي حقه المغتصب.

صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي