في وسائل الإعلام المصرية الآن مناحة على غياب الدور المصري في المنطقة ولا مناحة بني عبس على عنترة بن شداد بعد أن فارق الحياة!
والذي لم أفهمه لماذا كل هذا الندب واللطم والعويل في هذا الوقت بالذات مع أن الدور المصري غائب منذ فترة طويلة لدرجة أننا اعتقدنا أنه سافر إلى الخارج أو في إجازة استجمام!


ما الذي جد أو استجد حتى نرى هذه quot;المندبةquot; في وسائل الإعلام المصرية كلما نجحت عاصمة عربية شقيقة في تحقيق إنجاز سياسي كبير وكأن أي إنجاز عربي هو انتقاص للدور المصري. هل لمجرد أن نجحت قطر في عقد اتفاق تاريخي بين الفرقاء اللبنانيين يندمج هؤلاء في حالة جماعية من الندب واللطم والعويل وكأن شخصا عزيزا غاليا قد فارق الحياة؟


حدث هذا من قبل حين نجحت السعودية في إبرام مصالحة تاريخية بين فتح وحماس في مكة المكرمة، وهي مصالحة تآمر البعض على هدمها على طريقة شمشون الجبار حين هدم المعبد، وهذا ما تكرر حين حاولت اليمن استكمال الجهد السعودي، ولعل هذا ما يمكن أن يحدث أيضا في لبنان مع أنني أستبعد ذلك لأن الجميع قد استوعبوا الدرس!


لذا كان غريبا ولافتا للأنظار أن تطالب وسائل الإعلام المصرية بضرورة عودة الدور المصري للمنطقة فورا وبدون أي تأخير متجاهلة أن الدور الإقليمي لأي دولة يتوقف على وضعها الاقتصادي والسياسي والعسكري ونفوذها السياسي والأمني وعلاقاتها الإقليمية والدولية. كما توالت المقارنات بين الدورين المصري والقطري وكأن البلدين بينهما quot;تار بايتquot; لدرجة أن أحد المعلقين تساءل : كيف وصل الوضع لدرجة أن القوالب نامت والأنصاص قامت؟! وهو تعبير خالي من اللياقة ولا علاقة له إطلاقا بالعلاقات الدولية!


كما توالت الاتهامات بأن الدوحة حاولت وتحاول سرقة ونشل الدور المصري وكأن هذا الدور محفظة جيب أو حقيبة يد، مع أنك لا تستطيع أن تلوم أحدا على التحرك لملء الفراغ ndash;أي فراغ حتى لوا كان هذا الفراغ هو فراغ سيادتك شخصيا!


والغريب أن هؤلاء الذين يتباكون على الدور المصري الآن هم أنفسهم الذين صدعوا رؤوسنا ليل نهار بالحديث عن مكانة وزعامة وريادة مصر لدرجة أننا أصبحنا نعاني من ازدواج في الشخصية لأننا لم نعد نعرف بالضبط هل نحن حاضرون في المنطقة أم غائبون؟!


علينا أن نعترف جميعا أن قطر نجحت في إبرام اتفاق تاريخي بين الفرقاء اللبنانيين أسفر عن انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للبنان والبدء في إجراءات تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو إنجاز كبير بكل المعايير لكنه لم يكن ليتحقق إلا بالدعم السعودي والسوري والإيراني والمظلة الدولية!
دعونا نقولها بصراحة لقد نجحت الدوحة وما كان لها أن تنجح لولا أن اتفقت إرادة الرياض ودمشق وطهران بمباركة أمريكية فرنسية دولية على ضرورة التوصل إلى حل في لبنان يرعى مصالح الجميع بما فيهم الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة!


لا يهم كثيرا أن ينسب هذا الإنجاز لهذا الطرف أو ذاك طالما أنه يحقق مصالح الجميع الذين اتفقت إرادتهم على ضرورة ألا يغرق لبنان - في ظل المعطيات الجديدة على الأرض ndash; في جحيم الحرب الأهلية التي استمرت في السابق 15 عاما ولم يكن لها أن تنتهي لولا اتفاق الطائف!


نعم نجحت الدوحة في عقد اتفاق تاريخي ونجح أميرها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم في تحقيق مصالحة تاريخية في لبنان، لكن هذا النجاح لا ينبغي النظر إليه باعتباره انتقاصا لدور أحد، فلا أحد يمكنه تغييب دور أحد ما لم يكن هذا الأخير راغبا في الغياب بإرادته الحرة المستقلة أو مرغما على ذلك بشكل قسري!


وعلى الذين يتباكون على الدور المصري أن يدركوا جيدا حجم وطبيعة المتغيرات في المنطقة والعالم، وأن يدركوا العوامل الحقيقية وراء تراجع هذا الدور والتي ليس من بينها بكل تأكيد مؤامرات خارجية غير موجودة إلا في أذهان المصابين بالبارانويا أو جنون العظمة الفارغة!


الذين يريدون أن يكون لهم دور فاعل في المنطقة -أي منطقة-عليهم أولا أن يتزودوا بأسباب القوة وأن يتطلعوا إلى المستقبل بدلا من الماضي وأن يكفوا عن البكاء أو التباكي على الدور الغائب أو اللبن المسكوب!


وإلى أن يتحقق ذلك أرى عيبا كبيرا واسفافا لا حدود له، حتى ولو كان تعبيرا عن الألم والحزن، أن تنشر صحيفة مصرية مستقلة تحت عنوان quot;خرج ولم يعدquot; هذا الإعلان: يا أيها الدور المصري الغائب عد إلى أهلك، فأهلك جميعا في انتظارك ومعهم علبة شيكولاته - وفي قول آخر- حتة جاتوه!

عبد العزيز محمود
[email protected]