منذ أن تأسست العملية السياسية في العراق على القاعدة الطائفية المريضة و المعيبة و المتخلفة بعد الإنتخابات المسلوقة السابقة و المعروفة بكل تداخلاتها و تكريس لعبة ( المحاصصة الطائفية ) و العراق يعيش وضعا متدنيا و كارثيا في مختلف المجالات الحيوية خصوضصا و أن البرلمان المنتخب قد أفرز عناصر برلمانية كارثية حقيقية كانت أمينة لولاءاتها الطائفية و تشعباتها و إرتباطاتها الخارجية و ليست أمينة أبدا للرابطة الوطنية العراقية التي إضمحلت و ضمرت بشكل مفجع بعد هيمنة الأحزاب و العصابات الطائفية المدعومة من الإحتلالين ألأمريكي و الإيراني على مقاليد الأمور:

فالبرلماني السني لا يبحث إلا عن مصالح طائفته و الدفاع عن العصابات الدموية السلفية و الوهابية التي تشحذ سكاكينها للإجهاز على اللحم العراقي الحي، و السياسي الشيعي ببعده الطائفي لا يقاتل إلا من أجل الدفاع عن ولاءاته الطائفية و عن عصابات القتل و الجريمة المهدوية أو عن عناصر الأحزاب الشيعية المرتبطة تاريخيا و سياسيا و سلوكيا بالنظام الإيراني و أجهزته الإرهابية، و الرفاق الأكراد لا هم لهم إلا الهيمنة و التمدد لأكبر مساحات سلطوية ممكنة و تشكيل إمبراطورية كردستان و الهيمنة على المناصب الحساسة و على السفارات و سياسة العراق الخارجية و شفط المعلوم من ميزانية الدولة لصالح الحزبين الكرديين الحاكمين دون صالح الشعب الكردي المظلوم في العراق و الذي يعاني من الفقر و العوز و الحرمان!

فتلك المحاصصة الطائفية و العرقية قد خلقت دولة عراقية فاشلة بإمتياز هي نموذج مؤلم لكل صور الفشل العراقي المتأصل عبر التاريخ الحديث، و بمناسبة الحديث عن تطبيع أوضاع العالم العربي مع النظام العراقي الحالي فإن هنالك توجهات عربية جدية من بعض الأطراف العربية لفتح سفارات عربية في العراق و لقبول سفراء عراقيين جدد في بعض العواصم العربية و حيث بدأ كرنفال المزايدة و البيع و الشراء في البرلمان العراقي الطائفي الفاشل، وزادت سخونة الصراع على مناصب تلكم السفارات و كل الأطراف قد رشحت مرشحيها و شمرت عن سواعدها في ماراثون النهب السلطوي الجديد و المفجع أن كل أشكال و صيغ الصراع و المنافسة المحمومة تجري تحت الأغطية الطائفية الواضحة و العارية المفضوحة التي لا تخفي شيئا، و كل الهموم باتت مختصرة و مختزلة في مصلحة الطائفة الضيقة و ليس في مصلحة الوطن، فمثلا أعلن وزير الخارجية البحريني مؤخرا خلال لقاء له مع الوزير العراقي المفوض في سفارة العراق في المنامة السيد أحمد شفيق آغا ( الجلبي ) عن نية البحرين لإعادة فتح سفارتها في بغداد في غضون أيام قليلة!، و هنا أتوقف لأناشد جلالة ملك مملكة البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة بالتريث في إرسال السفير أو قبول أوراق إعتماد أي سفير عراقي جديد!!

ليس تخريبا للعراق؟ و ليس بدفاع معارضة العملية السياسية؟! و ليس كموقف عدواني من النظام العراقي الحالي بل تعزيزا و دعما لإرادة العراقيين الأحرار لرفض صيغة العمل الطائفي و لتمزيق العراق على أسس طائفية مريضة يكون ولاء السفير فيها للطائفة و ليس للعراق الشامل الجامع لجميع أبناء شعبه من مختلف الطوائف و الملل و النحل بعد عقود طويلة من هيمنة ساسة و قيادات البعث العراقي السابق على أمور الدبلوماسية العراقية التي حولها لأوكار إرهابية في خدمة جهاز المخابرات! و الإغتيالات الخارجية خصوصا و أن معايير النظام السابق البائد في إختيار السفير كان ينطلق أساسا من إتقاته لفنون ( الشقاوة ) و البلطجة و مهارته في إستعمال المسدس و السكين كما رأينا في مجموعة سفرائه السابقين في بيروت أو الكويت أو الرباط!!

دون أن نتجاهل حقيقة أن سفراء الصدام السابقين ما زال بعضا منهم في سلك الخدمة بعد أن بدلوا ولاءاتهم لسادتهم الجدد!!، وقد أثبتت تطورات الأحداث و مسار الأمور بعد خمسة أعوام على إنهيار النظام السابق بأن طائفيي السفارات العراقية في الخارج قد حولوا سفارات العراق لأوكار و بؤر تتناسب و قناعاتهم الطائفية!

فالسفير السني يسعى بكل جهده لخدمة أبناء طائفته و إحتقار الآخرين و تقديس ( هيئة العلماء المسلمين ) و حارث الضاري و بقية الجماعة من السلف ( الصالح ) و صفوف المقاومة الزرقاوية قاطعة الرؤوس!! أما السفير الشيعي فقد حول السفارة لمأتم عزاء و لحسينية كبيرة و رسمية و نشط في جمع الحقوق الشرعية للمراجع العظام!!، أما السفراء الأكراد فغني عن الذكر إنجازاتهم التاريخية في عواصم الدول الإسكندنافية و الأوروبية من تزوير في أوراق رسمية و توزيع الجنسية العراقية بالمجان و لوجه الباري تعالى على أكراد إيران و تركيا و لربما سوريا!! لكسب أصوات إضافية في معركة المصير التي يرومون خوضها في موقعة ( كركوك ) الفاصلة و غيرها من أمهات معارك الحزبين الكرديين المتقاسمين للسلطة و توزيع الرشوات على المثقفين و الأدباء العرب و العجم و البربر تأسيا بما كان يفعله ( الولي الصالح صدام التكريتي قدس سره)!! لشراء الضمائر و توسيع مساحات المرتزقة..!؟، و الصراع المحتدم اليوم على السفارات العراقية في الخارج لا يبتغي من ورائه مصالح الشعب العراقي المحروم و المسروق و الذي لا زال يهرب من وطنه بأعداد قياسية طلبا للجوء و للهروب من أهل ولاية الفقيه و خصومهم من جيش الصحابة! بل لصالح زمر من الطائفيين و الحزبيين و سياسيو الطائفية الجديدة و المريضة.

و لنتحدث بصراحة أكثر و دون مواربة، فسفارة العراق في الرياض مثلا يرد لها أن تكون سفارة عراقية ( سنية ) بالكامل مع ما يعني ذلك التوجه من إرتباطات و ملفات أخرى؟ و سفارة العراق في البحرين يراد لها أن تكون سفارة ( عراقية شيعية ) نظرا للوجود الشيعي المكثف في البحرين مثلا و ما تلعبه البحرين من دور في عملية المواصلات البحرية مع العراق و زيارة الزوار الشيعة البحرينيين لمراقد الأئمة في العراق!! و سفارة العراق في الإمارات ستؤول لطرف سني بعد نهاية فترة فارس الياور!! و هكذا الحال، أما سفارة العراق في دولة الكويت فتقرر أن تكون من حصة الأحزاب الشيعية وحدها!!

وهي تتصارع حاليا على الحزب و الشخص الذي سيمثل جمهورية العراق في دولة الكويت على أساس طائفي بحت و مريض و ليس على أساس المواطنة العراقية الخالصة!! و هنا أدعو حكومة دولة الكويت أيضا لرفض إستقبال أي سفير عراقي يتم تعيينه على أسس طائفية لأن العالم العربي بحاجة ماسة للتعاون مع الشعب العراقي و إنقاذه من نار التقسيم الطائفي و العرقي و هي نار خبيثة ستمس بشرورها و ألسنتها الحارقة كل دول المنطقة و الإقليم، و لعل أحدهم يتساءل و يعيب على الدول العربية عدم إستقبالها لسفير عراقي بينما العالم الغربي تعامل مع سفراء العراق؟ و السبب بكل بساطة هو أن الدول الغربية هي من كرست نظام المحاصصة الطائفية و شعوبها لا يهمها في شيء أن يكون السفير العراقي سنيا أم شيعيا أم كرديا أم هندوسيا! فكل ما يهمها مصالحها و مصالح شركاتها و لو تعارض الأمر حتى مع قوانينها الداخلية!!

و لعل حكاية السفارة العراقية في بريطانيا توضح الكثير من الأمور لمن يريد أن يفهم حقيقة السياسة الغربية، فالقانون البريطاني يمنع بصرامة أن يكون حامل الجنسية البريطانية سفيرا لبلاد أخرى في بلاط سان جيمس!! و مع ذلك فقد تم إختراق هذه القاعدة القانونية عبر إصدار مرسوم ملكي خاص يتيح لأحد رعايا صاحبة الجلالة العمل كسفير في بريطانيا العظمى كما حصل مع الدكتور صلاح الشيخلي الذي أصبح سفيرا للعراق في بريطانيا و اليوم يتصارع على المنصب ثلاثة من الطائفيين الشيعة جميعهم من حزب الدعوة أصلا منشقين كانوا أم لا زالوا في حالة عمل حزبي و جميعهم يحملون الجنسية البريطانية.

و لا أدري إن كان الديوان الملكي البريطاني سيصدر مرسوما ملكيا خاصا بالسماح لأحدهم بتولي السفارة العراقية وهم كل من مستشار الأمن القومي العراقي الحالي الجنرال ( موفق الربيعي ) دام ظله!! و الدكتور وليد الحلي ( حفظه الله )! و مستشار رئيس الوزراء السيد صادق الركابي ( أعلى الله مقامه )!! و الطريف أن الدستور العراقي قد منع أي مسؤول عراقي من رتبة مدير عام و ما فوق أن يحمل جنسية دولة أخرى!! و مع ذلك فإن غالبية المسؤولين العراقيين الحاليين بدءا من الجلبي و ليس إنتهاءا بعلاوي و ما بينهما من المستشارين و الأعوان يحملون جنسيات أجنبية و ليسوا على إستعداد أبدا للتخلي عنها!!وحتى ظهور المهدي!!؟..

و مهازل السياسة الطائفية في العراق لا حدود لكوارثها و إفرازاتها و تجلياتها و إبداعاتها الرائعة، و الدبلوماسية العراقية عاجزة و شبه مشلولة لا وظيفة لها سوى في صراع القوى السياسية و الطائفية على المناصب و الإمتيازات و تقاسم الكعكة الدسمة و إختيار المناطق الدبلوماسية طبقا لتصانيف مذهبية و طائفية و عرقية، و مالم تثبت الدبلوماسية العراقية أو الدبلوماسي العراقي خلوه من أمراض التصنيف و الولاء الطائفي و إيمانه المطلق بالولاء الوطني العراقي الموحد الذي يسمو على كل الفرق و الملل و النحل فلا فائدة أبدا!! على الحكومات العربية مساعدة أحرار العراق في التخلص من النهج الطائفي المريض و التقسيم العرقي البغيض، حماية لمستقبل ووحدة العراق أولا و حرصا على دول الإقليم من العدوى التقسيمية المميتة، فالواقع السياسي و الدبلوماسي في العراق اليوم يخلو من أي وجود عربي بإستثناء سفير أردني غير مقيم في بغداد يمارس مهامه من خارجها فقط.

أما 21 سفارة عربية أخرى فلا وجود لها في ظل الإرهاب المستشري في الشارع العراقي، أما سفارات العراق في العالم العربي فبعضها مشلول و معظمها مهزلة طائفية فيما يتصارع القوم تصارع الوحوش على الفريسة على سفارة العراق في دولة الكويت مثلا!! و التي تقرر أن تكون من حصة الطائفيين و ليس الأكراد هذه المرة!!، و مالم تتخذ الحكومات العربية من خلال الجامعة العربية قرارات صارمة بشأن طبيعة الوجود الدبلوماسي العراقي الذي ينبغي أن يكون خاليا من التأثيرات و الأجندات الطائفية، و مالم يثبت السفير العراقي المعين إنتمائه الوطني العراقي بدلا من إنتمائه الطائفي فإن المهزلة العراقية ستستمر في إنتاج أروع مسلسلات الخيبة و الفشل و الدمار...!.

داود البصري

[email protected]