لفت زميل لي في موقع (إيلاف ) نظري الى العيد السابع للحبيبة، وطلب مني أن أكتب مقالا بالمناسبة..
لا أخفي أنني رفضت في البداية أن أكتب هذا المقال المناسباتي إن صح التعبير، وتعللت لذلك بأننا معشر كتاب ( إيلاف ) لسنا كتاب مرتزقة لهذا النظام أو ذاك، وإيلاف ليست وسيلة إعلام حكومية للأنظمة الشمولية السائدة في العالم العربي حتى تكرس لها إحتفالات بهيجة وتعمر لها الموائد لتبادل الأنخاب بين قامعي الرأي ورقباء الزمن الأغبر، وبين القائمين على وسائل إعلام الحكومة الذين هم في الغالب من أعوان السلطة إن لم يكونوا من رموزها، كما حدث في العراق بزمن الدكتاتورية الذي كان منصب رئيس التحرير في الصحف توازي منصب وزير الحكومة أو عضو في القيادة القطرية للحزب الحاكم، وبالمناسبة مازالت هذه الصيغة الموروثة من الدكتاتوريات العراقية باقية في صحفنا اليوم، خصوصا في إقليم كردستان.
تذرعت بتلك الحجة لأنني بعد أن وجدت في جريدة ( إيلاف ) الحرية التي ناضلت من أجلها في حياتي، وما زلت أتعطش لها على الرغم من الحرية النسبية المتحققة في بلدي، وإعتقدت أن مساحة الحرية الكبيرة المتاحة لي في إيلاف قد حولتني الى كاتب آخر يستطيع أن يعبر عن رأيه بحرية مطلقة، فأنا وكما أشرت في مقال سابق لي، لم أجد في هذا الموقع المميز أية خطوط حمراء أو رقباء على آرائي، حتى أنني لم أصادف في أي مقال أن حذف حرف أو جملة، ما دفعني دائما الى إطلاق العنان لآرائي ومواقفي بجرأة متناهية، ومثل هذه المساحة بالطبع ضيقة جدا في الكثير من وسائل الإعلام الأخرى.

عليه فقد تصورت أن تطور كتاباتي بإتجاه خدمة المباديء التي آمنت بها وكرست لها شطرا كبيرا من حياتي، يحول دون عودة العجلة الى الوراء، بمعنى أنني بعد أن وصلت الى المكان المناسب من خلال هذه الوسيلة الإعلامية التي تتيح لي إطلاق آرائي بكل حرية، فمن المستحيل أن أعود الى صف قامعي الرأي ومضطهدي الفكر، أو أن أتحول الى بوق إعلامي لهذا الطرف أو ذاك، لذلك تصورت أن الكتابة عن إيلاف أو مدحها في مثل هذه المناسبات سيصبان في خانة المجاملة المخادعة، إن لم يصبان في خانة الإرتزاق؟!.

ولكني اليوم أعدت النظر بحساباتي من وجهة نظر مختلفة. فاليوم هو عيد ميلاد حبيبة، ومن المعتاد أن تقام الإحتفالات بمثل هذه المناسبات،يزور الأهل والمعارف المحتفلين بها، ويقدموا الهدايا للمحتفل بعيد ميلاده أو ميلادها، فهذه المناسبة لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة، ومن المطلوب أن يشعر المحتفل أوالمحتفلة بالفرح والسرورو وهو يتلقى التهاني من الأهل والأحباب، ونحن معشر الكتاب الدائمون لإيلاف صرنا من أهل الدار، ومن أصول اللياقة والواجب أن نشارك الإحتفال بأعياد ميلاد أهل الدار، لذلك نهضت صباحا لأكتب هذا المقال ليس تزلفا للقائمين على إيلاف وهم على ما أعتقد في غنى عن ذلك، لأن وزن وهيبة وجمالية هذه الجريدة الألكترونية الرائدة غدت مثل حقيقة الشمس التي لا تحجبها الغربال كما يقال.
في التقييم لهذه الجريدة ورسالتها الإعلامية، لا أجد إضافة الى ما كتبه الكثيرون حولها، ولكني أزيد بأنها كانت وستظل الرائدة في مجال تفردها في هذا العالم المليء بتناقضات السياسة، وهو التفرد في الحرية، ولعل هذا التفرد بحد ذاته يجذبني الى إيلاف، فمن يصدق أن أكون أنا الكاتب الكردي الذي ناضل لأكثر من 23 سنة في جبال كردستان، متحملا برودة طقسها الجليدي، وقساوة الحياة فيها من جوع وحرمان وفراق الأهل والخلان، حاملا البندقية تارة والقلم تارة أخرى ليدافع بهما عن كيان ووجود شعبه، والصحفي الذي يعمل في الصحافة العراقية منذ سن الرابعة عشر، والكاتب الذي يكتب المقالات السياسية منذ 39 سنة، أن يمثل هذا الشخص أمام محكمة جنائية في مدينته بتهمة القذف والشتم لمسؤول حكومي لمجرد أنه عبر عن رأيه في مشادة حصلت بين ذلك المسؤول ومسؤول آخر في حكومته؟!.
من يتصور أن تمتنع العديد من الصحف المحلية التي طغت على الساحة العراقية والكردستانية بفضل الحرية المتحققة التي ناضلت أنا وغيري من أجل تحقيقها، عن نشر الكثير من مقالاتي، أو حذف أجزاء كبيرة منها، وقد دفعت من عمري الشطر الأكبر لتحقيق تلك الحرية المنشودة؟!.
هذا هو أصل الإنجذاب الدائم لنشر مقالاتي في جريدة إيلاف التي أجد فيها ما أفتقده في وطني..
فإيلاف أصبحت هي وطني، ووطن لكل الأحرار في هذا الزمن الرديء.

شيرزاد شيخاني

[email protected]