لا يمكن مناقشة الهزيمة الحضارية الساحقة للمرأة الكويتية و فشلها المؤلم في الوثوب لساحة العمل البرلماني دون مناقشة الأسباب الحقيقية و الموضوعية التي جعلت التيارات الدينية المتطرفة من مختلف الإنتماءات و الطوائف تتسيد الموقف و تفرض رؤاها على المجتمعات المتحررة و تساهم أبدع مساهمة في مهرجانات التخلف و النكوص للخلف تحت ستار قصف مكثف من شعارات التدين و التطيف المزيفة التي هي اليوم من أكبر معاول الهدم في مجتمعاتنا الشرقية و العدو الأكبر لقوى الحرية و النهوض التي تحاول إزاحة غبار التخلف التاريخي المتجمع عبر القرون، هزيمة المرأة الكويتية ليست هزيمة لنصف المجتمع فقط بل أنها هزيمة شاملة لكل المجتمع الذي بدلا من أن يعانق رياح التخلف و آفاق الحضارة و ينطلق بنفس قوة و زخم إنطلاقة الجيل المؤسس من الآباء و الأجداد نراه يستدير ناكصا صوب شعارات و قوى لا تريد الإصلاح الحقيقي و لا التقدم الفعال و تتمسك بالقشور و الأوهام و الرؤى الخيالية و الخرافية المدعومة للأسف من قوى الغرب المتحضر، و تلك الهزيمة الساحقة لحرائر الكويت لم تكن من صنع ( الموساد )! و لا ثوار ( الماو ماو )!! و سطوة ( المال السياسي )!! بل أنها للأسف صناعة ذاتية و محلية وهي صناعة من صنف الضد النوعي حيث وقفت غالبية نسوة الكويت ضد أنفسهم و قبلن بالوصاية الفكرية و السلوكية و التوجيهية من قوى و تيارات لا تريد في رأيي و تقديري الخير سوى لمصالحها و لمشاريعها الفكرية و لأجندتها السياسية و لا تلقي بالا حقيقيا لدعم قوى التطور و التقدم المجتمعية التي تتهمها بالكفر و الضلال و الفسق و الفجور!! و جميعها مصطلحات إتهامية فاقدة للمعنى الحقيقي و للمصداقية العلمية فلا أحد يستطيع المزايدة على إيمان الآخرين، و بالتالي لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة التي يتصورها البعض العاصم أو المنقذ من الضلال و الضياع و التيه في عوالم الشعارات الخيالية التي لا تطعم خبزا و لا تصنع تقدما بل تخلق عوامل رهيبة للتوتر و للشقاق الإجتماعي و تضع الحجر الأساس لصراعات لا نهاية لها، نعلم أن معركة الحرية في الكويت هي واحدة من أصعب و أهم المعارك المقدسة في تاريخ الكويت الحديث، و نعلم أن نمو الكويت و ظهورها و إزدهارها و خلق الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة كان واحد من أهم النجاحات و التحديات الحضارية الكبرى التي كسبها الجيل الأول و التاريخي من بناة الدولة الذين تمردوا على كل شكل من أشكال الوصاية الجاهزة أو تطبيق النماذج السلطوية المتطرفة التي رفضها الكويتيون جميعا و بمختلف طوائفهم منذ عام 1920 و حتى عام 1990، فبين بناء ( السور ) عام 1920 و بناء ( الذات الوطنية الجريحة ) عام 1990 مسافات حضارية هائلة و قيم تحدي مشتركة لا تريد بعض القوى المتطرفة دينيا و طائفيا إستيعابها متصورة أن رفع الشعارات الدينية و الطائفية سيجلب المن و السلوى و سيحقق المدينة الفاضلة!! رغم أن تجارب التاريخ و الشعوب المجاورة قد أثبتت العكس تماما و بالمطلق!! و لا داعي للتوضيح أكثر فالحر تكفيه الإشارة، حينما صمم الراحل التاريخي و مؤسس الكويت الحديثة المغفور له الشيخ ( مبارك الصباح ) أخذ زمام المبادرة و حسم الأوضاع و خلق الكويت الحرة الحديثة المستقلة لم يأخذ بفتاوي مستوردة و لم يراع سوى حقيقة الإصرار على صناعة الحدث التاريخي، و حينما رفض المغفور له الشيخ سالم المبارك الإملاءات و الشروط الخارجية فهو إنما كان يضع الخطوط التاريخية العريضة لحرية الكويت ووحدة طوائفها !، و حينما تهزم المرأة الكويتية الحرة اليوم فإن قطاعات نسوية كويتية عديدة هي من تتحمل مسؤولية ذلك النكوص المريع و المهول لأن صوت المرأة هو الكفيل بإيصال المرأة للمكانة التي تستحقها منذ زمن و ليس اليوم و لكن للأسف فقد كانت للتيارات الدينية و الطائفية الكلمة الفصل و التي حددت لحرائر الكويت طبيعة و ميدان و أساليب و خطط المعركة المستقبلية الصعبة و هي معركة الأفكار و المفاهيم و هي معركة نعلم أنها صعبة و تتداخل في ساحاتها إرادات داخلية و إقليمية عديدة و لكن هزيمة الفكر و الرؤى المتطرفة و المتخلفة ليست بالأمر الصعب و لا المستحيل ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح و ما نراه من موجات مد عاتية للفكر المتخلف منذ مرحلة الثمانينيات حتى اليوم لا بد أن نشهد إنحساره في الأمد القريب، فلم تسفر تلكم التيارات سوى عن موجات هائلة من ( تسونامي ) الفشل المريع، و الكويت بإعتبارها إحدى دول الإقليم تعرضت و تتعرض لتلك الموجات و لكنها بكل تأكيد لن تبقى أسيرة لها أبدا، فإرادة الحرية في الكويت فوق كل الإرادات و تلك الكلمة المقدسة ( الحرية ) هي سر كينونة الكويت و صيرورتها، فالكويت التي إحتضنت الأفكار و التوجهات و ساهمت في نشر الرسالة الحضارية للإنفتاح و التقدم و التسامح لا يمكن أن تقع أسيرة للتيارات الظلامية، فالمعركة اليوم قد أضحت مكشوفة و معروفة بالكامل، و صاحب القرار في الكويت يعي جيدا من أن القضية أكبر بكثير من موضوع توجهات دينية و فكرية معينة بل أنها قضية تتعلق أساسا بمستقبل الوجود الكويتي الحر و الحضاري، و نكوص المرأة الكويتية عن نصرة قضاياها الحساسة و المهمة ملف خطير ينبغي أن يعامل بحكمة و روية و دراسة موضوعية للأسباب و المسببات! فالعودة لقيم العصور الوسطى و لأساليب أهل ألإرهاب الفكري و السياسي هو صدمة حقيقية لكل من يعرف الكويت الرافضة لكل صيغ و أشكال الهيمنة و السطوة، و بدون شك فإن قوى الحرية و التقدم في الكويت قد إستخلصت مما حصل تجارب ثمينة قد يكون صعبا حل شفراتها و ألغازها، و لكن إرادة الأحرار تصنع التاريخ، فقدر الكويت أن تخوض على الدوام معاركا تاريخية حاسمة تكون نتيجتها النهائية لصالح قوى الحرية و الخير و التقدم، و رهاننا على التاريخ الذي يسير دوما لمصلحة الأحرار و إن بدت الظواهر عكس ذلك... المرأة الكويتية قادمة لا محالة.. تلك هي الحقيقة الخالدة التي ستمزق كل أحجبة و ملاءات التخلف و التبعية و الطائفية المريضة... و لا صوت يعلو فوق صوت الحرية....!.

داود البصري

[email protected]