تضيء إيلاف هذم الأيام الشمعة السابعة في حياتها التي نرجو لها أن تكون مديدة ومثمرة وزاخرة بالنجاح. وللحق فقد ولدت إيلاف في العام 2001 عملاقة وناضجة رغم كل التحديات السياسية والتقنية التي واجهتها ولا تزال تواجهها. لم تحتج، مثل معظم الصحف، للمرور بمراحل الطفولة الصحفية أو المراهقة الإعلامية للوصول إلى درجة النضج التي هي عليها بعد مرور سبع سنوات فقط على وجودها في السوق الإعلامي العربي. وربما أكدت الإحصاءات الإلكترونية التي تشير إلى التزايد المستمر في أعداد القراء على مدى جماهيرية وجاذبية الجريدة بين القراء العرب حول العالم. وهو أمر يحسب بكل تأكيد للجريدة وللقراء الذن يدركون الفارق بين الغث والثمين في الحقل الإعلامي.

ساعدت عوامل عديدة في نجاح إيلاف. ولكن كان الفراغ الإعلامي الكبير الذي شهدته المجتمعات العربية والذي بدأ في العقدين الأخيرين من القرن العشرين من أهم العوامل التي ساعدت في نجاح إيلاف المبهر. وقد نتج الفراغ الإعلامي في العالم العربي عن فقدان الشعوب العربية الثقة في الإعلام بشقيه الرسمي أو الحكومي والمستقل.


وقد لعب الإعلام الرسمي العربي، الذي سيطر سيطرة شبه كاملة على منافذ المعلومات في الدول العربية، دوراً خاصاً وكبيراً في عزوف القراء عنه بعدما غابت عنه الحرية والجدية والموضوعية والحيادية في تناول القضايا، وبعدما تحول إلى أبواق تمجد الحكام والزعماء العرب الذين يفتقد معظمهم للشعبية والجماهيرية. ولعل الأمر نفسه ينطبق على الصحف المستقلة. فقد فقد القاريء ثقته في الصحف المستقلة بسبب تحول معظمها إلى صحف صفراء تقوم على نشر الفضائح والمواضيع المثيرة بغرض اجتذاب القراء من دون الاهتمام بالقضايا الرئيسية للشعوب ومن دون الاهتمام بأهم قواعد الالتزام الصحفية وهي أمور تنزلق الصحف عادة إليها بعدما تفقد بريقها الإعلامي. وقد جاءت إيلاف لتخطف عصا القيادة الإعلامية من الصحافة الحكومية والمستقلة ولتعيد الثقة للقاريء في صحافة قادرة على التناول بموضوعية من دون ابتزال أو تزلف للطبقات الحاكمة.

ولا يغفل الدور الذي لعبه التطور التكنولوجي في ظهور إيلاف كفرس أول في السبق الإعلامي العربي. فقد ساعد انتشار الإنترنت وأجهزة الحاسوب في نسبة كبيرة من أقاليم ومحافظات ومدن الكثير من الدول العربية في تشكيل جيش من قراء إيلاف من الخليج إلى المحيط، وبذلك لم تصبح إيلاف جريدة قاصرة على نخبة المهاجرين العرب في أوروبا والأمريكتين، بل أصبحت جريدة كل قاريء عربي من المحيط إلى الخليج، ربما باستثناء الدول التي تحظر إيلاف.

ولا ينبغي إغفال الدور الذي لعبته سياسة تحطيم التابوهات العربية الإيلافية في نجاح الجريدة. فقد هجرت الصحف الرسمية العربية العديد من القضايا والموضوعات بحجة عدم جواز مناقشتها إعلامياً. من هذه القضايا مشاكل الأقليات، والقضايا الدينية الشائكة، وأخبار الطبقات المهمشة، فضلاً عن الثقافة الجنسية. وقد برعت إيلاف في تحطيم هذه التابوهات العربية واستخدام معركتها معها كأوراق اعتماد لها لدى القراء. وقد نجحت الجريدة في تحدي الممنوعات وقامت بالتعامل مع القضايا على أنها على درجة واحدة من الأهمية. ولعل إيلاف هي الجريدة العربية الأولى التي تفتح أبوابها لكل هذه القضايا من غير حساسيات سياسية أو إعلامية أو جماهيرية.

عامل أخر غاية في الأهمية ساهم في نجاح إيلاف هو عدم خضوعها للابتزاز الإعلاني. فالمعروف أن جميع الصحف الورقية، إن لم تكن تمول رسمياً وحكومياً، فإن استمرارها في الصدور يقوم على الموارد الإعلانية التي كثيراً ما تفرض شروطها على السياسة الإعلامية للصحف وتحد من حريتها في تناول القضايا بحياد وموضوعية. ولكن إيلاف نجحت تماماً في أن تنأى بنفسها عن الضغوط الإعلانية.

بعيداً عن عوامل نجاح إيلاف دعونا نتحدث في سطور قليلة عن ما ننتظره من إيلاف في العام الثامن والأعوام التالية. لا ينبغي أن يكون نجاح إيلاف في السنوات الماضية دافعاً للخلود للراحة، فالعمل الإعلامي لا يهدأ ولا يتوقف ولا ينتظر.

ولعلنا ننتظر من إيلاف المزيد من الحرية في التعاطي مع كافة الأحداث والأمور والقضايا من كل بقاع الأرض من دون استثناء. فلا سقف للحرية، ولا حرية نسبية كما يزعم الطغاة والحكام هنا وهناك، وحين توضع السقوف تختنق الحرية وتنطفيء شعلتها. وإنصافاً للحقائق فقد نجحت إيلاف في إيقاد شعلة الحرية الإعلامية في العالم العربي حتى أصبح من المتعذر على النظم الدكتاتورية إطفاء هذه الشعلة. وعلى إيلاف الاستمرار في نقل شعلة الحرية والاستمرار في فتح كافة نوافذ أما نور الحرية في كافة البقاع المظلمة في عالمنا العربي.

وننظر من إيلاف في السنة الثامنة إيلاء المزيد من الاهتمام بالخبر الصحفي عبر دعم طاقمها الإخباري بالمزيد من المراسلين في عواصم العالم بدلاً من الاعتماد على وكالات الأنباء التي تشبه أخبارها وجبات الأكل السريعة كـ quot;ماكدونالدزquot; وquot;كنتاكيquot;، وهي وجبات لا تثمن. وأرى أنه يجب على إيلاف، إذا ما كانت تطمح للمنافسة إعلامياً مع الصحف الإلكترونية الدولية، الاهتمام بإرسال مراسلين إلى العواصم الكبرى ومواقع الأحداث لتغطية أهم الأخبار.

وننتظر من إيلاف الاهتمام بالفصل بين الخبر والرأي. قرأت في إيلاف الكثير من الأخبار التي امتزجت بالأراء، ففقدت الأخبار موضوعيتها ومصداقيتها. فالخبر الصحفي كما تعلمناه في معاهد وكليات الصحافة والإعلام هو الحدث مجرداً، ويجب أن ينشر من دون أن يتضمن تعليق أو رأي الكاتب أو الجريدة.

وننتظر من القائمين على إيلاف بذل المزيد من الجهود بغرض الوصول إلى قرائها في الدول التي تمنع شعوبها من قراءة الجريدة مثل سوريا والسعودية.

وأخيراً فإنني أهنيء إيلاف وناشرها وكل العاملين بها وكتابها على النجاح الذي حققوه في السبع سنوات الماضية. وأقول لهم أننا لا زلنا ننتظر منهم الكثير والكثير لإثراء القاريء العربي. كما أهنيء القاريء العربي نفسه على عثوره على ضالته الإعلامية في إيلاف، فما تقدمه إيلاف يستحق عقول القراء ووقتهم. وهي تستحق من دون شك تستحق هذا النجاح.

جوزيف بشارة
[email protected]