من الواضح أن الشرطة الإسرائيلية أصيبت بالجنون حين قررت استجواب إيهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهمة الفساد والرشوة واستغلال النفوذ، والمؤكد أنها لا تعاني فقط من الجنون وإنما من الزهايمر أيضا لأنها فعلت ما لم تفعله أي شرطة أخرى في الشرق الأوسط.


ويبدو أن الشرطة الإسرائيلية لم يتم تدريبها على معرفة أقدار quot;الكبارquot; الذين يتحكمون في مستقبل الحرب والسلام، بدليل إصدارها بيان يؤكد أن أولمرت مشتبه به في نصف دستة من الجرائم، صحيح أن الرجل نفي كل هذه الاتهامات جملة وتفصيلا لكن الشرطة ما زالت تنبش في ماضيه وأوراقه وعلاقاته وأرصدته في البنوك وممتلكاته بحثا عن دليل واحد يدينه!


لم نر إطلاقا ndash; ولا اعتقد أننا سنرى ndash; شرطة عربية واحدة تقوم باستجواب رئيس وزراء عربي واحد أثناء وجوده في السلطة بتهمة الرشوة واستغلال النفوذ. دعك من الرشوة هل يمكن أن نرى رئيس حكومة عربي واحد يعقد مؤتمرا صحفيا يؤكد فيه أنه لم يتلق هدايا أو عمولات من أي جهة كانت وأنه مستعد للاستقالة في حالة اتهامه رسميا من جانب النائب العام!


من الواضح أن التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية مع إيهود اولمرت بتهمة الفساد وتلقى الرشوة قد أثارت دهشتنا نحن العرب، كما أثارت بكل تأكيد انزعاج زعمائنا ورؤساء حكوماتنا الذين اعتبروها دليلا على الوقاحة وقلة الأدب وعلامة من علامات الساعة!
كيف تجرؤ الشرطة الإسرائيلية علي استجواب رئيس الحكومة الإسرائيلية في قضية تلقي رشاوى انتخابية من رجل الأعمال الأمريكي موشي تالانسكي، وكيف تحقق هكذا بكل صفاقة مع سكرتيرته الخاصة ومعاونيه ومحاميه وتداهم المباني الحكومية التي كان يعمل بها منذ عام 1993 بحثا عن أي مستندات تدينه. وكيف تتهمه باستغلال النفوذ في واقعة شاء عقار في أحد الأحياء الراقية بالقدس بسعر أقل من سعر السوق، وفي صفقة بيع بنك quot; لوميquot; ثاني أكبر بنك حكومي في إسرائيل.
ما جري في إسرائيل لا يمكن أن يحدث في أي دولة عربية، فمن رابع المستحيلات أن يقوم جهاز شرطة عربي بالتحقيق مع رئيس وزراء عربي بتهمة تلقي رشاوي أو حتى هدايا من أي نوع، فأجهزة الشرطة تابعة للأنظمة العربية ولا يمكنها أن تتحرك خطوة واحدة بدون تعليمات، فضلا عن أن أصحاب المعالي رؤساء الحكومات العربية ليسوا مواطنين عاديين حتى يمكن التعامل معهم هكذا كالدهماء أمام القانون!


من الوارد أن يتم التحقيق مع رئيس وزراء عربي بتهمة الفساد أو الرشوة أو المحسوبية أو حتى الخيانة العظمى ولكن بعد أن يترك منصبه وترفع عنه الحصانة والحماية وفي هذه الحالة لابد أن يكون قد ارتكب خطأ قاتلا يستوجب عقابه ودفنه بالحياة وتربيته هو وأولاده وأحفاده وقبيلته!


لم نر إطلاقا ولا أظن أننا سنرى في المستقبل المنظور رئيس حكومة عربي يتم التحقيق معه بتهمة الفساد أثناء جلوسه على الكرسي فهذا من رابع المستحيلات، دعك من الفساد لا اعتقد أننا سنرى رئيس حكومة عربي يحقق معه بتهمة تلقي هدايا مادية أو عينية أو عمولات من رجال أعمال عرب أو أجانب أو حتى حكومات شقيقة أو صديقة؟!


يا عمنا بلاش رئيس حكومة هل تتخيل مسئولا عربيا واحدا يتم التحقيق معه أثناء جلوسه على الكرسي بتهمة الفساد أو الرشوة دون أن يكون وراء ذلك أبعاد سياسية أو خلافات شخصية أو مالية أو تصفية حسابات.


استجواب ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل قد يكون حدثا فريدا من نوعه في المنطقة، لكنه ليس الأول من نوعه في إسرائيل فقد سبق أن حققت الشرطة الإسرائيلية مع الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بعد أن اتهمته أربعة من سكرتيراته بالتحرش بهن جنسيا، وقد أكدت التحقيقات قيام كاتساف ليس فقط بالتحرش الجنسي وإنما باغتصاب عدد كبير من مساعداته مما أدى إلى اتهامه رسميا بالاغتصاب والتحرش وسوء استخدام السلطة وإعاقة العدالة وهو ما دفعه للاستقالة ثم صدر حكم قضائي ضده بالسجن مع وقف التنفيذ. بل إن سلفه عيزرا فايتسمان رئيس إسرائيل الأسبق اضطر هو الآخر للاستقالة من منصبه بعد أن ضبطته الشرطة متلبسا بقبول هدايا لكن المدعي العام لم يوجه إليه الاتهام رسميا لأن الهدايا لم يقابلها خدمات!


هل تعتقد أنك يمكن أن ترى في يوم من الأيام زعيما عربيا واحدا يتم التحقيق معه رسميا بتهمة التحرش الجنسي بإحدى الموظفات أو السكرتيرات في قصره العامر؟! لا أظن أنك سترى هذا في حياتك ولا حتى أبنائك أو أحفادك من بعدك لسبب واحد بسيط أننا معشر العرب نعبد ونؤله ونقدس زعمائنا وقادتنا وأولي الأمر منا، ومن حق هؤلاء بكل تأكيد أن يلعنوا أبو الديمقراطية التي يتم فيها التحقيق مع رئيس دولة أو رئيس حكومة بتهمة الرشوة أو التحرش الجنسي أو حتى الاغتصاب تمهيدا لإقالته من منصبه، نعم ملعون أبو الديمقراطية التي يتم فيها تجريس وفضح الزعماء علنا أمام العالم دون أن يهتز الاستقرار السياسي أو ترتعش البورصة أو تنهار أسعار الوقود الحيوي!


إسرائيل دولة استعمارية عنصرية قامت منذ 60 عاما على القهر والعنف وسفك الدماء واغتصاب الأراضي وطرد السكان الأصليين وتهديد الجيران وممارسة العنصرية وسياسة التمييز العرقي لكن ذلك لا يمنع أنها دولة قادرة على محاكمة زعمائها ورؤساء حكوماتها إذا ضبطوا متلبسين باختراق القانون!


وإلى أن يتحقق هذا في عالمنا العربي بعون الله سوف نظل عاجزين عن استعادة أرضنا وحماية استقلالنا والدفاع عن كرامتنا،كما ستظل حياتنا نحن العرب قائمة على الشعارات الرنانة والحكايات الفارغة والأكاذيب!

عبد العزيز محمود

[email protected]