العقود النفطية
تحدثت في مقال سابق من هذه السلسلة حول الخلافات الكردية العراقية حول مسألة كركوك والمادة 140، وسأكرس هذا المقال عن الخلاف العاصف بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية حول العقود النفطية التي تتمسك كل من الحكومتين بموقفين متناقضين حول شرعيتها، والمشكلة أن كل طرف منهما يتمسك بنصوص دستورية لبناء موقفها تجاه شرعية تلك العقود، ويعض كل منهما على تلك النصوص بالنواجذ.
باديء ذي بدء وقبل الخوض في التفاصيل الأخرى الدستورية والقانونية، سأبني موقفي حول تلك العقود بتشبيهها بشيكات من دون رصيد، لأن تلك العقود تتطابق مع الصكوك المصرفية غير المغطاة برصيد مالي وقانوني ضامن،ومنذ البداية سأبدي إستغرابي الشديد والذي يصل الى حد الدهشة عن أسباب الإستعجال في هذه المسالة خصوصا من جانب حكومة إقليم كردستان، فلا أرى سببا وجيها لهذه العجالة غير المبررة في توقيع تلك العقود مع شركات عالمية كل همها هو الإستحواذ على ثروات الشعب، وليس من أجل سواد عيونه، خصوصا وأن هناك قانونا وشيك العرض على البرلمان العراقي سيعالج جميع جوانب إدارة الثروات النفطية وغيرها في العراق.
فأنا أعتقد بأن تلك العقود المغرية التي وقعتها حكومة الإقليم تدخل في إطار القول الشائع ( وهب الأمير ما لا يملك )، وإلا فليس هناك أي مبرر معقول يجيز لحكومة الإقليم أن توزع ( مكرماتها ) على الشركات العالمية بهذا الشكل، لا بل وتتحدى وزارة النفط العراقية بالتوقيع عليها رغم رفض تلك الوزارة،وأعتقد أن هذا الموقف الرافض سيؤثر على هيبة حكومة إقليم كردستان ومصداقيتها في المحافل الدولية، فكما علمنا أن هناك الكثير من الشركات المتخصصة رفضت توقيع المزيد من تلك العقود بسبب موقف الحكومة العراقية التي هددت بفرض عقوبات مقاطعة ضد تلك الشركات في حال إستمرارها بتوقيع العقود النفطية مع الإقليم.
ولقد كان وزير الموارد الطبيعية ( النفط ) الكردية واضحا أثناء مشاركته في الجلسة البرلمانية الأخيرة للبرلمان الكردستاني عندما أشار الى quot; أن موقف وزارة النفط العراقية هذا، حال دون إستقدام شركات ذات خبرة عالمية للمساعدة في تأسيس شركات نفطية محلية خاصة في كردستانquot;.
وإذا أخذنا النصوص الدستورية التي يتحجج بها كل من الطرفين، سنجد أن هذا الخلاف في الأساس لا مبرر له، لأن حجة الطرفين وعلى الأقل حجج حكومة الإقليم ضعيفة وغير معقولة، فالمادة (108)من الدستور العراقي تنص علىquot; أن النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظاتquot;.وهذا يعني أن هذه الثروة أين وجدت في العراق هي ملك لكل العراقيين،و لا يجوز لمجموعة من الأشخاص أو الإقاليم أو المحافظات أن تتصرف لوحدها بهذه الثروة.
ومن قراءة متمعنة لهذا النص سنجد، كما أن لإقليم كردستان حق التملك في نفط البصرة والعمارة والموصل، فإن من حق أهل البصرة والعمارة والناصرية حق تملك نفط كردستان، ويجب أن لا ننسى أن إنهمار مليارات الدولارات على إقليم كردستان كل سنة إنما هي متأتية من شراكة شعب كردستان في نفط العراق، لأن العراق مازال منذ ثمانية عقود يعتمد بشكل أساسي على ثرواته النفطية لدعم الميزانية السنوية للدولة.
وفي الإطار ذاته يجب أن نلاحظ الفقرة الثانية من المادة ( 109 ) من الدستور والتي تنص على أن quot; تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمارquot;. وسبق أن سمعنا مرارا من مسؤولين محليين في كردستان في تصريحاتهم العلنية quot; أن تلك العقود النفطية من شأنها أن تجلب الإستثمارات الأجنبية الى كردستان والعراقquot;، بل أن مسؤولين كبار في الإقليم يشيرون في تصريحاتهم الى مدى إستفادة العراق من نتائج تلك العقود الإستثمارية، حتى أن آشتي هورامي وزير النفط الكردي أشار في كلمته بالبرلمان الكردستاني الىquot; أن العراق سيستفيد من تلك العقود النفطية بشكل كبير، حيث ستدر عمليات الإنتاج النفطي في كردستان عائدا إضافيا يقدر بـ 35 مليار دولار سنويا quot;. ولكن من يعيد قراءة نص الفقرة الثانية من المادة 109 مجددا سيجد أن رسم السياسة الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، هو إلتزام مشترك بين الحكومتين الإتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات quot; معاquot;، وبالتالي لا يجوز لطرف معين سواء كانت الحكومة الإتحادية أو حكومات الأقاليم والمحافظات أن ينفرد برسم تلك السياسة، وبما أن العراق مازال يفتقد الى قانون خاص بالنفط والغاز، فكيف يمكن رسم تلك السياسة من دون وجود غطاء قانوني، يمكن الإهتداء به لرسم تلك السياسة؟؟!!.
أشار وزير النفط الكردي في كلمته بالبرلمان الكردستاني الىquot; أن هناك ثلاثة حقول نفطية جديدة تم إكتشافها في كردستان بإمكانها مجتمعة أن تنتج أكثر من مليون برميل من النفط يومياquot;. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ألا تستدعي إدارة هذه المنشآت النفطية التي تتولى إستخراج وتسويق النفط في الإقليم وجود سياسة إستراتيجية شاملة لكيفية الإستثمار الأمثل لهذه الثروة الهائلة؟!. وكيف يمكن وضع هذه الإستراتيجية من دون وجود قانون منظم لإدارة الثروة النفطية؟!.
والسؤال المكرر هوquot; إذا كانت حكومة الإقليم تفتقر الى الخبرات والكفاءات المتخصصة في مجال إدارة شؤون النفط، وتعجز لحد الآن عن تأسيس شركة نفط متخصصة في كردستان بحسب وزير نفطها، فكيف يمكنها أن ترسم سياسة إستراتيجية منعزلة عن بغداد التي لها خبرة طويلة ومتراكمة في مجال تحديد إستراتيجية الإنتاج والتسويق والإدارة وغيرها من مستلزمات إدارة هذه الثروة؟!.
أنا أعتقد أن إستقدام شركات عالمية للتنقيب والإستخراج وفي المستقبل تسويق النفط من كردستان بموجب تلك العقود النفطية، بعد إعطاء كل تلك المغريات للشركات الأجنبية والتي لابد أن الكثير منها مازالت مستترة وغير معلنة، لا يعدو ذلك سوى تصرفا طفوليا وغير جائزا،لأنه يعتبر تبذيرا غير مبررا لثروة هي في الأساس مملوكة للشعب العراقي!.
هناك أصداء تتردد في الكثير من المواقع والصحف الكردية وغيرها في الخارج، وهي تستند على معلومات مسربة من الداخل، تشير الى نسب كبيرة من الأرباح المخصصة على شكل إغراءات لتلك الشركات الموقعة للعقود النفطية مع كردستان، فهناك من يشير الى نسب أرقام مرعبة مثل 60-80%، ورغم شكوكي بمصداقية تلك الأرقام، ولكني في قرارة نفسي أعتقد جازما أن هناك الكثير من المغريات التي تقدمها حكومة الإقليم لإقناع تلك الشركات بالعمل في مجال الإستثمار النفطي، وإلا فإن تلك الشركات لا أعتقد أنها ستغامر بتوقيع تلك العقود في ظل هذا الموقف الصلب من وزارة النفط العراقية. وسنترك هذه المغريات للمستقبل الذي هو كفيل بكشفها في حينها.
نشرت جريدة ( الصباح الجديد) بعددها الصادر يوم 13/5/2008 خبرا حول تهريب صهاريج من النفط عبر الإقليم الى إيران. ويقول الخبرquot; ذكرت مصادر خاصة لـquot; الصباح الجديدquot;، أن عملية تسويق اقليمية للنفط العراقي تتم يوميا من خلال تنكرات بحجم 20000-35000 لتر، عبر حدود إيران الى دولة الإمارات العربية عبر موانيء ايرانية على الخليج، وتتراوح عدد التنكرات من 100-150 تنكر عبر المعبرين الحدوديين في السليمانية وفي حاج عمران.وفي اتصال لـ quot;الصباح الجديدquot; مع السيد ادوارد جبلي مدير كمرك حاجي عمران حول تفاصيل هذا الموضوع، قال: quot;ان العديد من الشاحنات المحملة بالنفط الخام تعبر الحدود العراقية كل يوم نحو ايرانquot;، ولم يكشف مدير الكمرك عن عدد تلك الشاحنات لكنه قال quot;ان حمولة كل منها تتراوح بين 10 آلاف و35 الف لترمن النفط الخام وانهم يتقاضون مبلغ 5 آلاف دينار للطن الواحدquot;. واضاف ان quot;هذه العملية بدأت منذ ما يقارب الشهر وان النفط الخام هذا يأتي من الاقليم ومن بيجي وبموافقة وزارة الموارد الطبيعية في الاقليم عبرشاحنات نفط كبيرة تحمل ارقام quot;اربيلquot; وان الحمولة تنقل الى الجانب الاخر من الحدود وتفرغ في شاحنات نفط ايرانية، تنقلها الى اماكن لم يحددهاquot;؟؟؟!!!.
وجدير بالذكر أن هناك عدة آبار نفطية في منطقة شيواشوك القريبة من قضاء كويسنجق تستخرج منها كميات من النفط الخام يوميا منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، ورغم بدائية الأجهزة والمعدات التي تعمل هناك، ولكن بإلإمكان إستخراج كميات قليلة من النفط فيها وتسويقها، وإذا كان الحال الآن مع هذه الكمية المحدودة من النفط الخام التي تهرب بالصهاريج الى إيران عبر أراضي كردستان، فكيف يمكن تصور حجم التهريب في حال أنتج الإقليم مليون برميل يوميا، وما هي الضمانات التي تكبح عمليات التهريب في ظل وجود مافيات كردية فاسدة متخصصة ومتمرنة على التهريب عبر عقود طويلة من الزمن في كردستان.
أخيرا أقول أنه كان من المفترض أن يستضيف البرلمان الكردستاني وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني لمواجهة وزير الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم، فعلى ما أظن فقد تحدى الشهرستاني حكومة الإقليم بهذا الصدد، ولكن هذا التحدي لم يحصل، ولم نسمع ثانية عن إستضافة الشهرستاني في البرلمان، ولا أدري هل كان هناك طرف إرتعب من كشف الأوراق وتقديم الوثائق أو الدلائل القانونية ببطلان تلك العقود، أو أن هذه المواجهة المطلوبة قد ألغيت لحاجة في نفس يعقوب؟؟؟!
شيرزاد شيخاني
التعليقات