من دمشق والدوحة جاءتنا المعلومات، منها ما كان برداً وسلاماً على قلوب انفطرت وانتظرت فكان الخبر أملاً لا ندري إلى حين أو يدوم؟!

كله معلق بأهداب ورؤوس المتحاربين المتفاوضين...سقطت لغة السلاح وظهر للسطح أن هناك إمكانية للغة الحوار!، لو استخدمت من قبل...لتجنبنا وقوع مئة ضحية عدا الجرحى والخسائر المادية، لكن هذا البلد الصغير ذو البلاء الكبير، عرف تاريخه كل اللغات وسيطرت عليه كل المشاريع والتقسيمات المنبثقة على أساس طائفي سياسي على الدوام...وفي كل مرة تأتي النتائج بصيغة quot; لا غالب ولا مغلوبquot; !!ويبقى الأمر واقعاً يأخذ طابع الشد والجذب حتى يصل الغالب أو المغلوب لقناعة..أنه يخسر على الأرض فيرفع عقيرته السلاحية، ويحاول مرة جديدة حسم الموقف لصالحه...دون أن يأبه لما سيحصده من أرواح وممتلكات من أجل غايته السياسية، وتعود دورة الصراع إن بعامل ذاتي أو مع تدخلات وعوامل خارجية مناطقية وعالمية أيضاً لها دورها في تصفية الحسابات على ساحة تحفل بكل ما يمثل تربة خصبة وغطاء صالحا لتنفيذ الغايات...ويدفع شعب لبنان البسيط ثمنا يتناوب ويتناسب مع الأحداث، وحتى اليوم لم يحاول أي طرف من أطراف الصراع الداخلية أو الخارجية البحث عن مخرج حقيقي وخلاص نهائي للصراع...وهو الخلاص الأول والأهم من المحاصصة الطائفية، وبناء الوطن اللبناني على أساس تكافؤ الفرص والمواطنة...

وباعتقادي أن هذا الأمل سيظل شبحاً بعيداً عن الواقع...رغم كل ما خسره لبنان منذ قيامه بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم..فلا مسئوليه السياسيين براغبين، ولا رجالات مذاهبه يتخلون عن مناصبهم وقيادتهم المخلوطة بين السياسة والمذهب ــ رغم أنها تفرق ولا تجمع ــ كما أن الحل البعيد عن المحاصصة الطائفية يفتح آفاقاً غير محببة للجوار و لما يُراد للمنطقة أن تكون عليه من تقسيمات لا تبنى على السياسة...وهذا بالتالي يعني أننا سنخرج لنور الانتماء الإنساني والوطني دون تمييز عرقي أو مذهبي، ونكون قد ارتدينا ثوبا لا يليق بنا!...ويجعل من لبنان واحة حرية وأمل وحسد من الآخر...وحينها فقط تستطيع أن تحمل بجدارة لقبquot; سويسرا الشرقquot;.!!.
هذا الحلم أضعه بين يدي المتصالحين...بعد غسلها من دماء الأبرياء..عل دروس الدم الطازج لم تُنس كما نُسيت دماء عقد ونصف من حرب أهلية وتموزية ونهر بارد!.

الغريب في الأمر، أن سورية الشقيقة...أبدت رضاها ورحبت بالنتائج!، لكنها وعلى الفور في الوقت نفسه...أعلنت عن مسارها السلامي غير المباشر مع إسرائيل برعاية الجار التركي..وكأنه رد فعل سريع على توافق الدوحة !...وحتى هذا المسار فإنه من الغموض بشكل لا يعرف معه إلى أين وماذا ستسفر عنه نتائج المفاوضات، التي يقال أنها ستأخذ طابع المباشرة بعد أسابيع ــ وتواجد السيد رياض الداوودي على أرض تركيا عدة أيام لهذه الغاية ــ وفي كل الحالات نأخذ جل الأخبار وأهمها من مصادر إسرائيلية، لأن المصادر السورية تعلمت وتدربت على السرية وعدم الوضوح خاصة مع المواطن...كي لا تضعف شعوره القومي..لأنه يبدو أنه هش أكثر من اللازم!...يوهنه مقال صغير من مقالات الكتاب الذين يزج بهم الواحد تلو الآخر بسبب وبدون سبب...فالكلمة هي الخشية والخوف على...عزيمة الأمة !!..

وهنا لا أدري هل هي أُمة السيد حسن نصر الله أم أُمة البعث العربي الاشتراكي؟!...مع الاختلاف الأيديولوجي العميق، لكنه تلاقى مع المصالح طويلا!...و يبدو اليوم، أن هذا العهد يسير نحو الانقضاء أو السقوط من أجندات جديدة يُعدها أصحاب المصالح والقرار، فمسار السلام المطروح بين سورية وإسرائيل...وكلا الحكومتين من الضعف والفساد بشكل لا تقوى فيه إحداهما على اتخاذ قرار أو الثبات عليه..ناهيك عن انزلاق الورقة اللبنانية من اليد السورية نوعا ما...بعد الدوحة...والملاحظ أن الخاسر الأول في أوراق التفاوضات والاتفاقات...هوquot; إيران quot;.


فماذا يُطبخ ويُبَيَت لها إذن؟...
في العراق...انحسرت وانكشفت القوى المتواطئة معها...وفي لبنان يعود حزب الله لحياض الوطن ويتخلى عن سلاح البندقية في حسم الصراع السياسي...وتُطرح للمرة الأولى قضية سلاحه في جداول التسوية... وإن ستأتي متأخرة قليلا...وحماس واقعة في مصيدة غزة..وهاهو حليفها السوري يدير لها الظهر ويتخذ من منافستها على الأدوار في المنطقة جارتها الشمالية الغربية quot; تركيةquot;...حليفا جديدا في مشاريعه الإنقاذية..رغم التصريحات والتكذيبات التي تصدر من هنا وهناك...إنما يبدو للعيان...أن خطة الدوحة وما لحقها من محاولة لإبعاد سورية هو لعزل جارتنا الفارسية...وتبييت ضربة موجعة تعيدها لتقف على نفس المستوى من جاراتها المتخوفات من مدها وخطورتها النووية في المستقبل القريب...وكي تسقط ــ وإن إلى حين ــ من حسابات الخوف الإسرائيلي.


السؤال الهام هنا، هل سينهي السيد بوش عهده بضربة لمواقع إيرانية ترمز لخطر إقليمي أو عالمي ضمن الحسابات الأمريكية وغير الأمريكية؟.

فلورنس غزلان

باريس 25/05/2008