ستبدأ ايلاف باختيار تدوينات بشكل دوري. ونراعي في الاختيارات أن لا يكون المدون كاتبا معروفاً أو مكرساً، كما نراعي أن لا تكون التدوينة مقالاً منشوراً
إيلاف- المدونات
أيها المملون لا أقرأ ما تكتبون
عبد الرحمن مصطفى
في أي مجال هناك من أتقنوا فن الملل على أمل البقاء والاستمرارية.. كذلك في مجال الكتابة، يكتب المملون مقالاتهم دون أدني قلق، ولا يبالون بما تسببه كتاباتهم من آثار جانبية لدى القراء، المهم هو التواجد، والأهم هو أن يتأكد الكاتب وهو يكتب آخر نقطة في السطر من أنه سيقبض أجره على ما ارتكبه من كتابة، حتى إن كان ثمن ذلك أن يحبس نفسه أسير سجن السياسة التحريرية للمؤسسة أو المطبوعة.
من ضمن قوالب الملل الجاهزة التي يستخدمها المملون من أجل سد فراغ مساحاتهم في صحفهم المسكينة، قالب ادعاء الليبرالية، ولا تخلو هذه الكتابات من عبارات مكررة تتناول أحداث ذات طابع متكرر، فيسدد الكاتب عباراته وكليشيهاته إلى خصومه الذين لم/لن يلتق بهم في أي زمان ومكان.. من هذه المصطلحات،quot;النفط الوهابيquot;، quot;الإسلام السياسيquot;، quot;المد الدينيquot;، quot;الدولة المدنيةquot;، والكثير من العبارات على نفس المنوال التي تهاجم بتعالي الإسلاميين، والاسلامويين، والمتأسملين..الخ، وتنعى أمثال، حامد نصر أبو زيد، سيد القمني، ..الخ.
العبارات والكلمات في السطر السابق ليست وصما لمستخدميها، لكنها أصبحت أداة سهلة في أيدي الكتاب المملين، الذين إذا احتالوا على الناس بمقالاتهم، وجدوا من ينفق عليهم ويلمع وجاهتهم الزائفة.
قالب آخر سعيد الحظ، يلقى الإكبار والاجلال في أوطاننا، حين يرتدي الكاتب ثوبا إسلاميا، ويبدأ في قذف كلماته نحو أعداء quot;الأمةquot; مستخدما كلمات مفتاحية ساخنة مثل: quot;المؤامرةquot;، quot;الكيان الصهيونيquot;، quot;الانبطاحquot;، quot;أعداء الإسلامquot;، ..الخ، وتتمحور أغلب هذه الكتابات المملة حول فكرة الصراع، فلابد من قاتل ومقتول، وأمير ومؤامرة، وشرف وانبطاح.
ومن المؤكد أن هذا الكاتب الإسلامي المتوهج سيجد من ينفق على كلماته، ويدعوه إلى المآدب والاحتفاليات، أما إن كان أكثر توهجا، يلعب في ملعب رحب يتيح له الكتابة عن quot;المواطنة في الإسلامquot;، وquot;حوار الحضاراتquot;، فنحن أمام مرتبة أعلى.. نحن أمام مفكر إسلامي، لكن الواقع أن هذه الألقاب المزعومة، لا تقلل أبدا من إمكانيات هذا المفكر أو ذاك الكاتب في إثارة الملل.
من ناحية أخرى.. فبإمكان الكاتب أن يؤدي دور القومي صاحب الكرامة، أو أن يثير طرب أهل اليسار بمصطلحات وعناوين ماركسية عتيقة، بإمكان الكاتب أن يعيد ويزيد، وأن يثير ملل فئات تمعن القراءة ولا تكتفي بالعناوين الساخنة فقط، بإمكان الكاتب أن يفسر زفرة مسئول حكومي على أنها مؤامرة على الشعب، بإمكان الكاتب أن يفسر ضجر الشعب على أنه تمرد من قلة مندسة تريد إهلاك النهضة !
أن تكون كاتبا مملا.. أن تكون ثرثارا يحرق الموضوعات تكرارا، فقد ضمنت أنك ستعيش اليوم، وستقبض أجرا على كتابة مملة، أما الحقيقة... فهي أن كلماتك ستموت غدا، وسيكون مصيرها لفافة ورق متعددة الاستخدامات.
بتــاريخ:lrm;5/26/2008 7 lrm;
رياح تحمل الحل معها
يوسف غيث
إخوة ثلاثة كنّا ، وربما كان ما يجمعنا هو أننا لسنا ذا نفع أبداً ، على الأقل في نظر والدينا والأقارب وجميع من حولنا ، وكان هذا كافياً لنا كي نصدق هذه الفرضية.
والدي لا أدري مما كان يهرب. والدي أسلم نفسه منذ وقتٍ مبكر للطرق السريعة وكان ينقل البضائع من مدينة لأخرى ، فما إن ينهي رحلة طويلة من رحلاته حتى يسلم نفسه لأخرى ، حتى عندما قامت شركات الشحن الكبرى بسحب البساط من تحت الناقلين التقليديين للبضائع وتوظيف الوافدين في منظومتهم الكبيرة ، كان يبحث عن أي شيء ينقله حتى وإن كانت الرحلة شاقة والمبلغ أتفه من أن يعنى له ، فقط كان يريد أن يرحل ، وعندما مات وهو في إحدى رحلاته وجدته الدوريات الأمنية في سيارته الكبيرة بجوار إحدى الطرق السريعة وقد تيبست يداه على المقود ، حزنت كثيراً عليه عندما مات ليس لأنه أبي فقط بل لأنه سيمكث في هذه الحفرة طويلاً ، أطول بكثير من أي مكان جلس فيه في هذه الدنيا ، وكان هذا في نظري أشد عقاب قد يناله شخص كأبي.
والدتي التي ترجمني بسهام الليل عندما تشتم رائحة الدخان من سطح المنزل ، كانت لا تعلم بأن هذا الدعاء الروتيني الذي تقوم به سيؤدي مفعوله بقوة حسب ما طلبت ولكن بعد حين ، أيضاً كانت لا تستثني والدي من هذا الدعاء ؛ لأنه سبب ضياعنا كما تقول. أمي لو ألقت علينا نظرة موضوعية عادلة لوجدت أننا لا نختلف بشيء عن أبناء الجيران أو الأقارب ، فقط لأننا عدمنا وجود من يحمينا في ظل غياب أبي المتواصل فلجأنا إلى حماية أنفسنا من بعض الحثالة التي كانت ترى فينا لقمة سائغة ، ولكننا لم نكن كذلك. أمي كانت لا تخرج من المطبخ وبجانبها راديو قديم لم تدر بكرته يوماً عن إذاعة البرنامج الثاني ، فقط تحضر لنا الطعام وتغسل الأطباق وتستقبل ضيوفها من نساء الحي في الضحى الذين كانوا دائماً ما يشتكون من ضربنا لأبنائهم ، أعرف تماماً أن أمي كانت تريد أن نكون أطباء ومهندسين ولكنها تنسى أننا أبناء رجل بسيارة كبيرة يقودها على الطرق السريعة ، وبسبب هذا الأمر كان يستحيل علينا أن نكون كما كانت تريد ، هذا ما كان يخبرنا به الناس الذي كانوا يتندرون بمهنة أبي بمناسبة وغير مناسبة ، نعم كانت مهنة أبي تخجلني كثيراً وتحديداً في أول يوم من أيام أي سنة دراسية جديدة عندما يقوم المدرس بعمل تعارف بين أبناء الفصل ، ولكنني في السنوات الأخيرة كنت أتغيب عن هذا اليوم الكريه ليأتي الغد محملاً بشتائم المدير ورحلة طويلة للبحث عن فصلي التي تكون فيه كل الأماكن الجيدة في الفصل قد نفدت.
كنت أحب أخي الأوسط كثيراً ، قد يكون هذا لأنه يشبهني كثيراً وقريب مني في عمره ، ولكنه كان أقرب صديق إلى قلبي ، وكان هو الشخص الوحيد الذي أستطيع أن أتحدث معه ليلة كاملة دون أن أحس بالملل ، كنا نجلس في سطح البيت ندخن ونشرب الشاي ويحدثني عن مستقبل كبير أكبر من أن يكون لنا ، وأعلم أنا ويعلم هو أن لاشيء مما يتخيله سوف يكون ، ولكن هل نجلس في السطح بدون أن نتكلم ، وإن لم نتكلم في مستقبل بعيد هل نتكلم في واقع مر نريد كلنا الهروب منه؟! ، ربما كانت طموحاته وأمانيه لذلك المستقبل لم تتجاوز بيتاً كالبيوت التي تحيط بنا وقد شكلت من دورين وثلاثة وأربعة وكنا ننظر إلى الأعلى حتى نتعب ، لأن بيتنا بسطحه لا يتجاوز الأمتار الثلاث ، وسيارة كالتي يركبها أبناء الجيران ، والزواج من ابنة صاحب الدكان التي تنازلت عنها له بطيب خاطر ، ولكنه كان يعلم بأن تلك الأمنيات بعيدة جداً عن أشخاص مثلنا.
في ليلة من ليالي الصيف الخانقة ، هبت الرياح بشكل غريب جداً ، لا أدري لماذا أحزنتني تلك الرياح ، وقت أن هبت كنا نجلس أنا وأخي الأوسط كعادتنا في السطح ننسج الآمال ليلبسها غيرنا ، لم يتحدث أخي كثيراً فقط كان ينظر إلي بشكل غريب أزعجني ، وأدخنة سيجارتي كانت تذهب بعيداً ولكني أراها وهي تذهب ، وكذلك الأوراق المبعثرة في السطح كانت تطير بشكل انسيابي خفيف وبطيء حتى أنظر إليها فتسرع من هروبها ، أزعجتني تلك الليلة كثيراً ، فقطعتها ونزلت لأنام ، في الصباح ، خرجت ووجدت أمي تكنس الأتربة التي يجلبها أخي الصغير إذا عاد من الملعب ، في الطريق إلى الحمام أوقفتني وسألتني عن ما يحتويه الظرف الموجود بقرب التلفاز وإن كان لي ، أخبرتها بأني لا أملك أي ظرف وأكملت طريقي إلى الحمام وقبل أن أصل إليه توقفت ، لا أدري لماذا أحسست بأن ذلك الظرف يناديني لأرى ما بداخله ، أخذت الظرف وفتحته ، كانت بداخله أوراق قرأتها وفي نفس الوقت توقف صوت المكنسة ووقفت أمي تنظر إلي وأنا أقرأ ، لم أصدق ما كتب ، ذهبت لغرفته فلم أجده وكانت نظيفة كأن أحداً لم يدخلها أبداً ، سألت أمي عنه فقالت أنها لم تره ، وضعت يدها على قلبها وهي تسبح وتذكر الله وتسألني عمّا حدث لابنها ، حسناً يا أماه إن ابنك هرب ، ذهب إلى أفغانستان وصفقت باب البيت خلفي وأنا أسمع عويلها وصراخها.
لم يكن مظهري يدل إلا على شيء واحد فقط ، شخص يبحث عن شيء ما ، بحثت عنه في كل مكان قد يكون موجود فيه ولكن لا أثر له لقد هرب ، أخبرت الأجهزة الأمنية بما حدث وأعطيتهم صورة من رسالته وعدت إلى البيت في وقت متأخر من الليل لا أقوى على الحركة ، وكان آخر إنسان تمنيت أن أراه هو أمي ، ولكن كعادة حياتي فقط الأشياء التي لا أريدها هي ما تتحقق ، وجدتها في صالة البيت حازمة رأسها تأن كأي أم فقدت أحد أبنائها ، أخبرتها بما حصل وطلبت منها أن تغير محتوى دعواتها حتى يعود ، قلت لنفسي حسناً يا ابن الحرام اذهب إلى أفغانستان فلا أريد أن أراك بعد اليوم ، ودخلت غرفتي وأنا لا أريد شيئاً في الدنيا سوى أن أراه.
مرت الشهور وحملت معها أخبار كريهة جداً ، عرفت خلالها أن أخي يكمل نزهته الجهادية في معتقل في الجزء الشمالي للكوكب ، يالها من نهاية مفتوحة يا أخي ، تغيرت أمي وأصبحت لا تتكلم كثيراً ، أخي الأصغر وكأن الأمر لا يعنيه مازال هو المنظم لدوري أبناء الحي ، نهرته ذات يوم عن البرودة التي يعيش فيها ، فرفع صوته علي بمختلف أنواع الشتائم المستوردة من الملاعب ، ولولا تدخل أمي وسحبه من تحت قدمي لكنت نفذت تهديدي الدائم له بأن أخلطه بالأرض التي يقف عليها ، مرت أيام طويلة وحياتنا تسير نحو هاوية أشد مما نحن فيها ، وأمي بدأت تعاني مختلف الأمراض وهي التي لم تشتكِ من أي مرض يوماً، رسائل أخي المعتقل التي تصلنا وقد شطبت بأكملها إلا ديباجة الحمد والشكر لله والصلاة على نبيه ، تضعني في موقف محرج أمام والدتي وأنا أقرأها وأكذب ، وإذا نادتني من الغد لأعيد قراءتها وهي تكمل لي ازداد حرجاً ، حتى أصبحت أنا من يكتب الرسائل ، حتى لا أحرج إذا نسيت جزء منها في الغد.
أصبحت لا أنزل من السطح حتى في وقت الظهيرة التي تكون فيه الشمس قد اتكأت على جدار منزلنا ، وفي الليل هبت رياح تأخذ معها فقط الأشياء التي تريدها ، كتلك الرياح التي هبت ليلة رحيل أخي ، شعرت بألم الذكرى يثقب أحشائي كمسمار كبير ، ورحت أبكي على منظر الأكياس والأوراق التي تسحبها الريح معها ، كان منظرها محزناً بالنسبة لي كثيراً وكأنها جزء مني ، نزلت لأنام حتى لا أرحل معها أنا أيضاً.
في الصباح طرق الباب فانطلقت لأفتحه اعتقدت أنه شخص ما يحمل أخباراً من أخي ، فتحت الباب وجدت رجلين مستاءين من أنفسهم مستاءين من كل شيء ، سألوني عمّن أكون وسألا عن أخي الصغير باسمه ، سألتهم عن السبب فقالا لي أن أخي متورط في قضايا أمنية ، أنكرت عليهم ذلك ، وأخبرتهم ، أن أخي رحل قبل يومين مع المدرسة لرحلة قريبة وسيعود ، قالوا بأنهم يتمنون ذلك ، ولكنهم يريدون الآن تفتيش غرفته ، سمحت لهما بذلك ، فتشوا ولم يجدا سوى ملابسه الرياضية ، غادراني وحذراني من التستر عليه إذا عاد وضرورة إبلاغهم فوراً إذا عرفت عنه شيئاً ، فيما بعد ذلك من أيام لم يكن هناك ضرورة لأن أخبرهم بوجوده أولا ، فإن عاد سيعلمون قبلي بأنه عاد ، كانوا يجلسون مقابل بيتنا وأعينهم لا تتزحزح عن بيتنا أبداً ، مر أسبوع ولم أكن بحاجة لكي يمر أسبوع لأعرف أن أخي قد هرب هو بدوره أيضاً ، ملعونة هذه العائلة لم كلهم يهربون؟!
كنت أتمطى على سريري أريد أن أنام ، وفجأة انطفأت الكهرباء عن بيتنا بأكمله ، توقعت أن يكون انقطاع التيار عن الحي بأكمله ، فتحت الشباك وإذا الحي مضاء بالكامل ، لبست ملابسي لأرى ما الذي حصل لأفاجأ ببيتنا وقد امتلآ بأنوار المصابيح اليدوية ورجال الأمن في كل مكان ، كانوا يداهمون بيتنا بحثاً عن أخي الصغير ، حقيقةً لا أعلم لماذا لم أغضب وقتها ، توقفوا واعتذروا عما حدث وأعادوا تيار الكهرباء مجدداً ، ذهبت لأطمئن على أمي وجدتها قد جلست في ركن الغرفة بوجه لا يحمل من معاني الحياة شيئاً ، فقط عينان تدوران في الأرجاء ، رجوتها أن تعود للنوم ، وقبل أن أخرج من الغرفة قالت بأنها لا تريد أن تبقى هنا لأن صحتها لن تحتمل مداهمة أخرى ، تريد أن تذهب لأختها ، لا تريد أن تعيش هنا ، حتى أنتِ يا أماه.
رحلت أمي لأختها في مدينة مجاورة أما أنا فجلست في البيت فربما عاد أحد الأخوين ، استغربت من عدم وجود فريق المراقبة الدائم أمام البيت ، وبعد ساعات جاء شخص منهم يخبرني أن أخي قد قتل في عملية أمنية في استراحة شرق مدينتنا ، ذهبت إلى أمي وأخبرتها ، دخلت إلى المستشفى ولم تمكث طويلاً حتى رحلت ، عدت إلى البيت وأنا ألوك الغربة ، أركض عندما أدخله متجهاً مباشرة إلى السطح ، لا شيء هنا سوى الصمت حتى البرنامج الثاني خيل إلي أن مذيعيه قد استقالوا بحجة رحيل المرأة الوحيدة التي كانت تستمع لهم.
جلست على الكرسي الوحيد الموجود في الثلاجة ، وضعوه أمامي على السرير وخرجوا ، وقفت طويلاً أنظر إلى جسمه وهو مغطى بالكامل ، أي رغبة كانت تطغى علي أكثر ، أن أراه أم أتمنى ألاّ يكون هو؟ ، رفعت الغطاء عن رأسه ، تأملته طويلاً ، تأملت الشقوق الطويلة في صدره لماذا أخذوا بعض أعضائه؟ ، قالوا إنه قد انتحر في المعتقل ، فما الداعي لأن يأخذوا بعض أعضائه أم هربت هي الأخرى؟ ، خرجت وقلت لهم إنه هو ، إنه أخي الذي كان يجلس معي في مساءات لا تشبهنا ، هو نفسه الذي هرب في الليلة التي هبت فيها الريح ، ذات الريح التي هبت ليلة هروب أخيه ، حسناً يبدو أن لاشيء يجعل هذه العائلة تكف عن الهروب سوى القبور.
في الطريق إلى المنزل وأنا أستشعر الألم من هذه الوحدة التي اكتملت ، وأنا أسأل نفسي متى يحين دوري في الهروب ، هبت الريح.
بتــاريخ : 6/3/2008
الجياع والنهضة
سلمى بالحاج مبروك
إن اجتياح الغلاء لكل بلدان العالم واستفحالها خاصة في البلدان العربية ومنها الفقيرة حول هذه البلدان إلى تجمع كبير للفقراء والجياع الذين باتوا في عداد المهمشين وضحايا رغيف الخبز المر الذي أصبح الحصول عليه منتهى المنى وهي غاية لا تدرك في غالب الأحيان لذلك نجد مثلا في مصر طوابير تقف منتظرة طويلا صاحبة جلالة الفقراء ليموت الكثير تحت رفس الأقدام شهداء رغيف الخبز حيث تشير تقديرات بعض الصحف المصرية إلى وفاة قرابة ثلاثين شخصا نتيجة مشاجرات و تدافع من أجل رغيف الخبز الذي هو الغذاء الأساسي للفقراء ونفس الشيء في باقي الدول العربي التي بتنا نسمع عنها انتشار الاحتجاجات نتيجة غلاء الأسعار مقابل تدهور المقدرة الشرائية لدى المواطن الذي يأتيه الفقر والجوع من أمامه وخلفه يضاف إلى ذلك القهر والاستبداد وانعدام العدالة والشفافية بحيث أصبح المواطن العربي محاصرا فالحاكم المستبد أمامه وعدوه الفقر والجوع من ورائه وهو لا يملك من حيلة لذلك سوى الخروج إلى الشارع للانتفاض والاحتجاج وتعريض نفسه لضرب البوليس واهانتهوقمعه فتصير النكبة نكبتين وهو ان لم يمت جوعا فسيموت عسفا و جورا فإذا كان المواطن العربي المقهور لزال يتلظى بنيران زبانية سلطان الجوع والخوف فكيف لنا أن ننادي بالنهضة الفكرية والثقافية والحوار الثقافي مع الغرب ونحن لم نتحاور بعد مع أنفسنا وكيف لنا أن نطلب ممن يباتون ليلهم يتضورون جوعا أن ينجزوا معنا أحلام الحداثة والتقدم العلمي والحضاري ؟ ألم يعد اليوم الجوع هو أكبر عائقا أمام التحديث والتنوير فكيف نطلب من جائع أن يتدبر الكون وهو عاجز عن تدبر أمور غذائه التي هي مقوم أساسي من مقومات البقاء والاستمرار فإذا شعر الانسان بالتهديد في بقائه فإنه سيهاجم الكل من أجل حفظ كيانه مستعملا في ذلك كل الوسائل المشروعة واللامشروعة وستتحول عندها الحياة الى صراع من أجل البقاء يلتهم فيها القوي الضعيف والغني الفقير لنعود من جديد لحالة الفوضى واللااستقرار و ليتلاشى مجرد الحلم بالنهضة لأن التجويع وإفقار الشعوب لا يمكن أن ينجز لا نهضة علمية ولا ثقافية ولا رقمية لأن التفكير في انجاز النهضة يبدأ بعد إشباع الحاجيات الأساسية من غذاء وصحة تعليم وهي أهداف لم تتحقق بعد في أوطاننا وهو ما يضعنا أمام تلاشي حلم النهضة الذي راود مثقفينا طويلا ليتلاشى في بيداء الصحراء إلى أن تحل عندنا مشاكل الجوع فأين المفر إذن والجوع داء مستقر ينخر التماسك الاجتماعي و يهدد أمن الدول واستقرارها وينبئها بحدوث اضطرابات كبيرة قد تخرج عن نطاق السيطرة و قد يحول أوطاننا إلى أوكار للفوضى الهدامة إذا لم يقع البحث في هذا المشكل وإيجاد استراتيجية تحمي السواد الأعظم من المواطنين من الهلاك جوعا ولتتجه الحكومات إذا كانت معنية بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان بوضع خطة اقتصادية تركز على تحقيق الاكتفاء الغذائي برصد أموال للاستثمار في المجال الزراعي والتحكم في استغلال المياه ولتبدأ بتقليص ملاعب الغولف أو إزالتها إن لزم الأمر كما فعلت فرنسا لتحافظ على ثروةالمياه لاستخدامها في المجال الفلاحي أليس الغذاء وتجنب الأزمات الاقتصادية هي في مرتبة أهم من ملاعب الغولف الترفيهية التي بنيت خصيصا لنخبة قليلة من الأثرياء أفلا يقبل هؤلاء القلة التنازل عن بعض من ترفيهم لإنقاذ الملايين من الجوعى .
بتــاريخ : 6/4/2008