في نهاية شهر ايار الماضي عقد في ستوكهولم مؤتمر عن العراق حضره السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، وكان بمعية الوفد كل من السيدين فوزي فرنسو الحرير وزير الصناعة والسيد يونادم كنا عضو مجلس النواب. وفي لقاء لهم ببعض ابناء الجالية الاشورية في السويد، عبروا عن انزعاجهم وسخطهم من الدعوات لاقامة الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري، لا بل قادا هجوما شرسا للداعين الى الحكم الذاتي واعلنا انهما سيعملان الى افشال المشروع.
الحكم الذاتي للاشوريين هو دعوة اطلقها الاستاذ سركيس اغاجان وزير مالية حكومة اقليم كوردستان العراق،والدعوة حضيت بدعم من احزاب كلدانية سريانية اشورية عديدة، ولكن من ظاهر ما صرحا به السيدان الحريري وكنا، يظهر ان هذه الدعوة تضر بمصالحهما، ولذا فاعلنا انهما سيعملان على اجهاض المشروع قبل ولادته.
الاشوريين (الكلدان السريان الاشوريين) شعب عريق تمتد جذوره الى اكثر من اربعة الاف سنة، وقد تمكنوا في العصور الغابرة من تأسيس دول وامبراطويات وامارات امتدت منذ دولة سركون الاكدي مرورا بدولة بابل والامبراطورية الاشورية والبابلية الثانية وقد سقطت اخر دولهم عام 539 ق م ولكن استمر بعض الامارت في مناطق نصيبين واورهاي (رها) الى القرن الثالث الميلادي. وقد شارك الاشورين في رفد الحضارة الانسانية باختراعات واكتشافات كثيرة وكان لمساهمتهم في نشر العلوم ابان الدولة الاموية والعباسية دورا كبيرا لتقدم هذه الدول وظهور ما عرف بالحضارة الاسلامية، الا ان الاشوريين تعرضوا الى مذابح كثيرة واضطهادات لا تحصى ولعل اكبر هذه المذابح كانت مذابح الحرب العالمية الاولى حينما فقدوا اكثر من نصف عددهم بعد اعلان الجهاد ضدهم في الدولة العثمانية، كما ان مذبحة سميل لعام 1933 كانت احد كبرى المذابح ابان الدولة العراقية.
جراء الظلم المستمر هاجر الاشوريين مناطقهم الاصلية وبلدانهم الام وهي منطقة بيت نهرين اي ما بين النهرين وهي تضم جغرافيا مناطق من سوريا والعراق وجنوب شرقي تركيا وبعض مناطق ايران، ولم يبقى في هذه البلدان الانسبة قليلة منهم. يدرك الاشوريين ان بقاءهم كامة مميزة لن يكون الا في بلدانهم الاصلية، ولكن هذه البلدان مارست بحقهم عمليات التعريب او التتريك او التفريس، وبرغم من ان العراق الحديث (بعد سقوط نظام صدام) قد اقر لهم ببعض الحقوق، الا انم يرون ان انقاذهم كشعب، لا يمكن ان يتحقق الا باقامة منطقة للحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية، يتمكنون فيها من صياغة قوانين تحافظ على ارثهم الحضاري وثقافتهم المتورثة وتطويرها، بالطبع ان هذا الحكم الذاتي يطالبه اشوري العراق، وهو لايعني البتة الانفصال، بل اقامة منطقة ادارية لها صلاحيات تشريعية وتنفيذية، لكي يتمكنوا من تشريع قوانين تنقذهم من الانقسامات التي تنخر فيهم وبالاخص في مجال التسمية، وتحديث اللغة ونشرها، بالطبع ان اقامة مثل هذا المشروع سيكون بادرة امل لهم لكي يتمكنوا من امتلاك ميزانية يمكنهم صرف جزء منها لربط ابناء الشعب في مختلف بقاء العالم، من خلال خلق قنوات اعلامية وثقافية وسياحية. ان شعور الاشوريين بالتيه مرده الاكبر هو عدم وجود هذه القنوات مما يخلق لديهم الشعور بالياس والخوف الدائمي بالذوبان وفقدان هويتهم المميزة، وبرغم من قيام قنوات تلفزيونية وبالاخص قناتي عشتار وسوريو، والتان تقومان بالبث باللغة السريانية، الا انهما لازلاتا تتطلبان كثيرا لكي تدخلان سوق الاعلام الممكن ان يجذب الكثير من المشاهدين ويربطهم بثقافتهم، وبالاخص بعد تربي اجيال عديدة على الاعلام الغربي او العربي. لقد كان طرح مشروع الحكم الذاتي مدعاة لبناء امال كبيرة، ولكن هذه الامال يراد وأدها لانها لا تحقق مصالح البعض او لانها مطروحة من قبل اناس يعتبرهم السيدان كنا والحريري اعداء لهم، وهنا نود التأكيد ان السيدين كنا والحريري ومؤيدهما لم يطرحا لحد الان اسباب منطقية وحقيقة لرفضهم هذا المطلب العادل. غير ما يمكنه استنتاجه من انهم يعارضون ذلك لانه من يروج له شخص معين، وهذا ما نفهمة من قول السيد يونادم كنا من انهم يطالبون بحق يتضمن نفس صلاحيات الحكم الذاتي ولكن بتسمية مختلفة.
اليس من الامور المدعية للبكاء حقا، ان يقال بانهم سيعملون على اجهاض مشروع الحكم الذاتي، ومن جانب اخر انهم يطالبون بنفس الحق ولكن بتسمية اخرى؟ اليس ذلك تكرارا لتجارب فاشلة عاشتها المنطقة، وبالاخص ان يدفع الشعب ثمن خلافات السياسين، اني ابشر اخوتي العرب انهم ليسوا وحدهم ضحايا سياسيهم بل كل الشعوب المتعايشة معهم وبجوارهم.
تيري بطرس
التعليقات