قلنا في مقالٍ سابقٍ،ان الاصلاح الديني في الاسلام يجب ان يمر بثلاث مراحل:
الاولى هي - كيفية التخلص من التراث القديم الميت.
والثانية: هي - ألغاء نظرية الترادف اللغوي في القرآن.
والثالثة:هي - دراسة نظرية جدل الانسان في القرآن.
والنتيجة المتوخاة من الدراسة، هي البحث في صياغة نظرية جديدة لأسلامية المعرفة مصاغة صياغة حصرا من القرأن الكريم.
تعتقد الغالبية من المتعلمين وحتى المثقفين،ان التراث العربي الاسلامي مقدس لا يخترق،واختراقه سوف يدخلنا في مأزق فكري كبير مع المؤسسة الدينية الاسلامية الحالية بفرعيها السُني والشيعي. لذا فأن تجنب الحوار معه اسلم لنا من كل الاشكاليات التي قد نتعرض لها،ونحن لسنا بقادرين على مجابهتها والوقوف بوجهها،حتى وان كنا نملك الحجة والدليل.وهذا يعني ان نستسلم لها دون نقاش.
هذا آمر ان أستسلمنا له سيكون في غاية الخطورة،لان التاريخ بحاجة دائمة الى اعادة نظر،والنظرة النقدية للنص التاريخي تحتم على الباحثين تفحص الثوابت حتى في مواجهة الشخصيات العظيمة ابتداءً بالخلفاء الراشدين،وأنتهاءً بالصحابة المعتمدين، والفترات التاريخية التي عاشوا فيها.،لان تفحص الثوابت لا يقلل من شأن هذا أو ذاك،بقدر ما يهدف الى ترتيب التاريخ وتفسير النص تفسيرأً يتلائم والتطور الزمني والحضاري. لنقضي على عزلة المجتمع الاسلامي ونعطي تفسيرا للايديولوجية المنغلقة التي وضعتنا في سجنها الحديدي الذي لا ينفتح.
ان الاستمرار في تفسير النص التاريخي تفسيرا دينياً عاطفيا ً جعلنا نعيش في عزلة تامة عن المجتمعات الانسانية الاخرى ومنفصلين عنها تماماً. لذاعلينا ان نضع التراث على طاولة التشريح الكلي بأعتباره وثيقة تاريخية محتملة الصح والخطأ،لان القوانين التي تتحكم في تراثنا اليوم قد وضعت منذ القرن الثاني للهجرة، حتى اصبحت بعيدة عنا زمنياً، لا تفسح المجال لاحتياجات القرن الحادي والعشرين الميلادي.
لقد اخترقت المعتزلة هذا الاتجاه الخاطىءمنذ القرن الثاني للهجرة، حين اعطت تفسيراعقليا للنص الديني،وطرحت افكارا في غاية الاهمية،عندما جعلت الحرية المنطلق الاساس للتفكير فخرقوا المآلوف الخاطىء الذي بدأوا به بتقديس التراث،حين شككوا بنظرية النقل،وأصروا على ان القرآن محدث ومخلوق،ولا يقصد بالخلق هنا الانتحال وانما الانية الزمنية التي تتماشى وحاجة الدعوة اليها.،والتقوا مع الامام علي(ع) في نظرية العقل حين قال(كل شيء يستدل عليه بالعقل،والعقل هو الحجة)،لكن انتصار الفقهاءعليهم منذ عهد المتوكل العباسي 232للهجرة) قصمت ظهر الفكر الاسلامي العقلاني واصبح النقل اساس الفكر الاسلامي لا العقل وبذلك اضاعوا علينا فرصة النقلة العقلية الكبرى التي بدات بها المعتزلة ومدرسة أخوان الصفاء وخلان الوفا، هذه المأساة التي لازلنا نعايشها الى اليوم حين اصبحت الجبرية هي العقيدة الرسمية وحتى بروز مصطلح الاسلام دين الدولة الرسمي.والذي خلت منه الدساتير العالمية.
وحتى نخرج من المأزق الحالي علينا ان:
-الخروج من اطروحات القضاء والقدر ومشكلة الحرية ونظرية الدولة وتفسير التاريخ بالتفسير التقليدي الاحادي، الى التقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي ودراسة النص بلا عواطف والتي من شانها ان توقع الدارس في الوهم الذي لازلنا نعاني منه حتى اصبح تفسير النص وفق منطوق الفقهاء ضمير للبيع.
- معالجة مشكلة نصوص المرأة والميراث والوصية والتي تتطلب بحثًا علمياً موضوعياً،لاسيما من يتابع حقوق المرأة في الاسلام بموضوعية يرى لها وضعان :وضع في القرآن الكريم ووضع في الفقه الاسلامي كل منهما يختلف عن الاخر،في الاول ايجابي وفي الثاني سلبي، وسبب الاختلاف هو التفسير العاطفي للنص الديني وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة.
اما آيات الاماء وما ملكت ايمانكم فقد صمتوا لانهم امام المحنة التي لا مخرج منها لهم الان قرآناً وفقهاً سوى التكهنات الماورائية البعيدة عن المعالجات العلمية.
-الانفتاح على الفلسفات للديانات والمعتقدات الاخرى والدخول معها في حوار علمي جاد لا ديني عاطفي ميت.لان ما طرحه الفكر الاسلامي الاول فيه الغث والسمين وفيه الحق والباطل وفيه الخطأ والصواب،ساعتها نثبت باننا نحن المسلمون قادرون ان نتفاعل ايجابيا مع الفكر الانساني كله دون تميز،وبالتالي نخلق لنا ميزانا في التعامل الحضاري مع الاخرين دون خوف من سلطة او فقيه،وهذا ما سيقودنا الى سياسة الباب المفتوح في الاصلاح الديني المنشود.
-الأيمان بأن القرآن الكريم قد نهانا عن ان نقف من التراث موقف الانصياع الاعمى والتقديس، يقول الحق :(ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين،المؤمنون 24)(بل قالوا انا وجدنا آباءنا على أمةٍ وأنا على أثارهم مهتدون،الزخرف 22).هذا الموقف القرآني الرصين يدعونا الى نحترم التراث لا أن نقدسه.
- وتبقى مسالة الاصالة التي يجب ان تستغل لمعرفة التراكمات المعرفية عبر العصور لتوظيفها في الجديد من العلم والادب والدين،والابتعاد عن الخلط بين الاصالة والسلفية،لان الاولى مفهوم ايجابي نافع والثاني دعوة الى التقليد الاعمى واهمال مفهوم الزمان والمكان واغتيالا للتاريخ واسقاطا للعقل،وهي هروب مقنع من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
بأعتقادي ان ما هو مطلوب اليوم هو حركة اصلاح حقيقية تنقل المبادىء والمفاهيم الرئيسية للنص الديني والتاريخي الى تشريعات حديثة مبنية على منطق الجدل العلمي للنص الديني بما يناسب العصر الحديث،لمواجهة آيديولوجية الجهاد وفك الاتباط بين الجهاد والقتال والقتل،وبين التخريب والمتفجرات والاعمال الانتحارية اللامبررة شرعا وقانوناً ومقاومة الاحتلال. ومراجعة كل المناهج المتطرفة في المعاهد والبؤر الدينية المتزمتة التي يديرها التقليديون، والتي تفرخ لنا كل عام الف متخلف لا يعرف من الدين والجهاد الا اسمه، والحد من الاكثار من المدارس الدينية التي لا تخضع مناهجها التدريسية للمراقبة الحكومية المتوازنة،لان ترك هؤلاء على الغارب ما هو الا سُم زعاف تفرزه تلك الكتاتيب في مجتمعاتنا المدنية لتزيدها أنغلاقا لتحقيق مصالحها الانية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.كما نراها في باكستان ودول اخرى اليوم.
. وعلينا واجباً وطنياً ندعو منه الى فتح نوافذ جديدة للمجتمعات المنعزلة والمنغلقة لادخال هواء جديد لها،نرى ان المسلمين اليوم هم في أمس الحاجة اليه،والا سنبقى ندور في فلك التخلف متهمين بصفة الارهاب والقتل دون مراعاة لحرمة او قانون.فالرأي بالرأي الاخر،والحجة بحجة أقوى منها،والقرآن الكريم يقر بنظرية (وجادلهم بالتي هي احسن)،الم يفاوض الرسول الكريم (ص) قريش وهو يدرك انها المعتدية حتى انتصر عليها، لأن اعتقاده كان السيفُ هو آخر الحلول.
من هنا يجب ان نقول وبكل جرأة وأقدام ان الاصلاح الديني يجب ان يبدأ من مراجعة التراث مراجعة نقدية حقيقية وقبول كافة الافكار الاخرى حتى ولو أصطدمت بالنص الديني والسيرة النبوية الشريفة لنتكيف ونتغير وفق الواقع الحضاري الحالي لان الزمن يلعب دور في عملية التغيير..
والبداية تبدأ بقبول نصوص الحرية القرآنية ( قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،الكهف29) ورفض النظرية الجبرية في القضاء والقدر(وما تشاؤون الا ان يشاء الله، التكوير 29)لان الاية الكريمة خارجة عن القصد الجبري.والأقرار بأن القرآن ونصوصه الكريمة تدعو الى التعامل مع الواقع العملي لا مع الواقع النظري كما يدعي الفقهاء.ولا يصح ان ينسب الفعل الى فاعل غير مختار. والى مقالٍ اخر ان شاء الله
د.عبد الجبار العبيدي
التعليقات