لقد أنتهى عهد الاستعمار والاستبداد للشعوب بالمفهوم الحديث والمعاصر، والذي تمثل باستعمار الدول الاوربية للهند وجنوب شرق أسيا والوطن العربي،رغم ان أثاره لم تنتهي بعد،فقد ظلت معاهدات الاستعمار في بلادنا العربية كمعاهدتي سايكس بيكو وسان ريمو تمثلان العقبات الرئيسية في وحدة الوطن العربي،وما مشكلة فلسطين الحالية الا واحدة منهما، وكان مجيء نظم الحكم التجزيئية مشكلة اخرى خلفها لنا الاستعماربعد ان زرع فينا نظرية (فرق تسد) البغيضة، ومجيء الحكام الجدد الذين وجدوا ضالتهم في حكم شعوبهم خارج التاريخ،كانت مشكلة ثالثة،وكم من اشكاليات تولدت منها،لازلنا نعاني منها حتى الأن حين قرروا في أذهان العامة والخاصة سياسة فرق تسد التي أتخذت منها القيادات العربية بعد حركات الاستقلال الحديثة وسيلة للتشب بالسلطة دون فكاك..
واليوم سوف نناقش الفرق المتشددة التي اخذت من الجهاد ومفهومه الشرعي وسيلة لتحقيق مأربها الشخصية من جهة، وتحقيق مصالح اسيادها من جهة اخرى،لنظيفها مشكلة كبرى الى مشاكلنا المستعصية لتزيد في عمق انقساماتنا وضعفنا وتدهورنا نحو هاوية الانحلال والتدهور والسقوط،. وكأن عهدي الامويين والعباسيين قد عادا الينا مرة اخرى بثوب مغاير رغم التشابه في الزمن والحدث..فراحت تخلط بين الجهاد الحقيقي الشرعي وبين القتال والقتل والحرب والغزو بسبب جهلها لتأويل آيات الجهاد التي جاءت في القرآن والتقليد الاعمى لما تعارفت عليه العرب من حالات الاعتداءات القبلية والعشائرية والاخذ بالثأر قبل الاسلام شريعة لها.. واتخدت من نظرية الناسخ والمنسوخ الخاطئة واسباب النزول والقرأءات المختلفة والترادف اللغوي الخاطىء في تفسير معاني الكلمات القرآنية مخرجاً وسبيلاً شرعياً لها أيضاً.فراحت تخلط بين الجهاد والقتال وبين الشاهد والشهيد والعباد والعبيد واصطلاحات اخرى كثيرة بقيت نرددها دون معرفة بمعانيها المختلفة.
وفي هذا المقال المتواضع سنحاول ان نَدخلَ في مفهوم الجهاد ثم نقارن بين فهمهم له وبين الهدف الانساني من تشريعه في الاسلام وسوف يتبين لكم الفرق بعد ان تُحكِموا العقل وتأويل النص بما يتوافق والنظرية العقلية لمفهوم الجهاد في الاسلام حصرأ من القرآن الكريم.
مفهوم الجهاد في الاسلام
الجهاد لفةًًًً:
هو من جاهد جهاداً،ومعناه أستفراغ الوسع،اي بذل اقصى الجهد للوصول الى الغاية المقصودة. ويشمل مجاهدة الاعداء في حالة الاعتداء على الوطن،ومجاهدة النفس اذا انحرفت عن خط الاستقامة. كما في قوله تعالى(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُُُُبلنا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين-العنكبوت:69).
والجهاد ليس مقاتلة الاعداء فحسب،بل هو كلمة الحق التي تقال بوجه السلطان الظالم وعدم السكوت على ظلمه وتجبره على الناس،ومعنى ذلك المشاركة في الحياة السياسية بغرض التعاون لتقويم النظام العام وارساء اسس العدالة والقول بما يراه المجاهد مصلحة ونفعا للناس، بدلالة الحديث الشريف: (الجهاد هو كلمة حق عند سلطان جائر). كما جعل الشرع المحافظة على الواجبات الدينية والالتزام بها حقاً وصدقاً جهاداً.ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الاكبر لانه فيه ردع للنفس الانسانية عن الخطأ والاعوجاج،يقول الرسول(ص):(الجهاد الاكبر هو مجاهدة العبد لهواه). وتعتبر الشريعة الاسلامية ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد في الرد على ايذاء الخلق وظلمهم من الجهاد حيث قال رسول الله(ص):افضل الجهاد من اصبح لا يهُم بظلم احد.اي لا يقبل الاعتداء على احد،لان آية الاعتداء في الاسلام حدية(ان الله لا يحب المعتدين)،اي محددة المعنى والوضوح لاتقبل التأويل المختلف.
والجهاد في الاسلام لم يشرع في القتال الا لرفع العدوان ودفع الطغاة وعدم الاعتداء على الاخرين. فحياة المسلم كلها جهاد في عبادته لله وعمارته للارض وتزكيته للنفس الانسانية،ودفاعه عن حقوق العامة.،فالاسلام مرآة صافية عاكسة لكل صفاة الاستقامة الانسانية (انظرالموسوعة الجهادية تحت مفهوم الجهاد ).
من خلال قراءة النص الديني يتبين لنا انه لا يجوز اكراه الناس لاي عمل يتنافى ومفعوم الحق والعدل وحرية الانسان،لذا فألاسلام لم يتبع اي من انواع العنف الداخلي او الخارجي وبنوعيها الفكري والسياسي بدلالة الأية الكريمة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله واليوم الاخر _الاحزاب آية 21).
ان اساس الجهاد في الاسلام كما اسلفنا محاربة الطغيان وتحقيق حرية الكلمة والتعبير عن الرأي وسواسية الناس امام القانون وفي هذا السبيل يقول الحق(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة،ومن يقاتل في سبيل الله فيقتَل او يَغلِب فسوف نأتيه اجراً عظيما-النساء آية 74).
وبما ان كل مراحل الدعوة في عهده(ص) قامت على عبارة واحدة فقط هي (خلو بيني وبين الناس ) فالمشكلة كانت مجسدة في طغيان قريش وعدم قبولها للحوار الفكري واصرارها على القتال،لذا لا بد من محاربتها والانتصار عليها صوناً للحرية ورداً للطغيان وتحقيق هدف الاية الكريمة(من شاء منكم فليؤمن،ومن شاء فليكفر)والاية( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين سورة يونس اية 99)،ولذلك فأن الاستعباد للناس محرم شرعا وقانوناً حين جعل حرية الاختيار والتعبير هما الاساس.
هذا هو العمود الفقري للجهاد الداخلي في الاسلام ممثلا بالحصول على اعتراف الاخر كندٍ، فلو طرحت حاكمية الله بموجب ما طرحته الدعوة المحمدية لقبل بها حتى الملحد،ولشعر بحرج شديد في الوقوف ضدها،وبذلك نكون قد وضعنا ايدينا على النقطة الجوهرية في الطروحات السياسية،اما اذا فهمنا ان حاكمية الله تعني الحكم المطلق في كل صغيرة وكبيرة من الدشداشة القصيرة الى السواك كما تروج لها المنظمات الاسلامية المتطرفة والمتشددة،فقد وقعنا في فخ الطاغوت،وهذا ما نراه الان.
أما الجهاد الخارجي والذي نسميه فتحاً لنشر الدعوة فهو في منحيين هما:
الاول- تهديد عدو خارجي غير مسلم لدولة اسلامية واحتلال اراضيها بالقوة.كما حصل في استعمار الدول الغربية للاخرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
الثاني- تهديد عدو خارجي مسلم لدولة اسلامية ومحاربتها واحتلالها بالقوة،كما في ظاهرتي احتلال مصر لليمن في العهد الناصري،واحتلال العراق للكويت في العهد الصدامي،
لأن كل من شعب اليمن وشعب الكويت لم يؤخذ رأيهما في التغيير. لذا أعتبر غزوا لا شرعيا.
فيما يخص البند الاول،لقد امرنا القرآن الكريم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين،وأمرنا بألغائها اذا كانت مضرة بمصالحنا وعدم تنقيذ العدو لها، وهذاهو الذي فتح المجال الواسع للتعاون بين الشعوب المؤمنة بالرسالة وغير المؤمنة بها قال تعالى: (براءة من اللهِ ورسُوله الى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله،وان الله مخزي الكافرين التوبة آية (2،1).
. وآية اخرى تقول (ولا تقولوا لمن آلقى السلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا سورة النساء آية94 ).
هاتان الايتان المقدستان هما اساس العلاقات الدولية في الاسلام،لكن الحرب احياناً قد تكون ردا على عدوان او تهديد خارجي يستهدف ارض المسلمين وخيراتها ففي هذه الحالة يعتبر التقاعس عن الجهاد منقصة شرعية لا تغتفر،وقد حدث ذلك في غزوة تبوك بعد ما شعر الرسول(ص) ان الروم قد يدخلون شبه جزيرة العرب من الشمال بدون رضاه،فتقاعس البعض عن النصرة للرسول وجيش المسلمين في الجهاد،هنا يقف القرآن الكريم منهم موقف التعنيف القوي لعدم تلبيتهم دعوة الجهاد ضد الاعداء حين يقول القرآن(ما كان لأهل المدينة ومن حَولهُم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبون بانفسهم عن نفسه_ التوبة آية 120)، ولقد وجه القرآن اللوم حتى للرسول(ص) نفسه لانه أذن لبعضهم بالانصراف عن النصرة والجهاد يقول القرآن الكريم ( عفا الله عنك لمَ أذنتَ لهم حتى يتبن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين-التوبه آية 43). والعفو لا يأتي الا بعد التقصير.
هذا النوع من الجهاد مقر شرعا وفي كل الاديان ومن يناصر الاعداء،وخاصة في حالة تعرض الدولة لعدوان خارجي لدولة الاسلام والمسلمين فهو خارج عن الملة شرعاً،فمن حق المسلمين رد العدوان بالقوة المماثلة،يقول القرآن( الحرمات قصاص،فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم، البقرة، آية 194).وهنا يجب ان تتوفر الرغبة والعزيمة والارادة عند المُعتدى عليه،والرغبة هي القوة المعنوية لدى النفس الانسانية في تحقيق الهدف،والعزيمة هي التطبيق العملي للرغبة، والارادة هي القرار الاستراتيجي لضمان مستقبل الدولة..لذا من اخل بهذ التوجه القرآني فقد اخل بشريعه الاسلام.
ونتيجة لهذا الاتجاه الخاطىء في فهم آيات الجهاد طمست عزيمة الجهاد من الناحية التاريخية وتم ربطها بالسياسة والسلطة الزمنية منذ بداية الفتوحات الاسلامية على عهدي الامويين والعباسيين حين لم يفرق بين الجهاد والقتال،لذا كلما تهددت السلطة عمدت الى حل تناقضاتها بتوجيه الناس نحو الحرب الذي سمته جهاداً وهذا مخالف تماماً لهدف ايات الجهاد الاسلامي الاساسية.
ان بداية تطبيق ايات الجهاد على حروب الردة في عهد الخليفة الاول ابي بكر الصديق(رض) كان لامتناع الاعراب عن اداء الزكاة التي كانت مفهومها لا زال حديث عهد بهم، ويبدو ان ذلك الاجراء كان مبررامن وجهة نظرهم لتخوف الخلافة من تفكك وضياع الاسلام وهو لا زال وليدا.،والقبائل العربية التي اسلمت لم تصل الى مرحلة الوعي التام للدعوة الاسلامية بعد،لان أسلامها لم يعد سوى ان قياداتها هي التي اسلمت بعد فتح مكة (سورة الفتح 1-3،)،ولكن مهما قيل في الردة فهي بحاجة الى دراسة اعمق واشمل مما نحن نفهما الان، وما يجب ان ندخلها في مناهجنا المدرسية دون الوقوف على مفرداتها الصحيحة، لذا فأنها تبقى مشوشة في فكر الطالب دون تثبيت وهذا خطأ منهجي كبير.
.
وفي عهد الخليقة الثاني عمر بن الخطاب(رض) تطور الامر حين عمت الفوضى بعد ان سحقت حركة الارتداد، والنصوص التاريخية التي أوردها المؤرخون هنا غامضة ومتداخلة لم تعطينا تفاصيل الذي حدث بالضبط، سوى ذكرها لتوجه الجيوش نحو الفتوحات الخارجية،حتى عدها البعض أمتصاصاً للفتنة الداخلية وتقوية الدولة مادياً ومعنويا،وهذا هو راي المستشرقين الذين لم يُرد عليهم لحد الان بالحجة والبرهان من قبل مؤرخينا ان كانوا يملكونها. وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض)،استمرت الفتوحات هي الاخرى لازاحة الاحتلال الرومي والفارسي عن ارض العرب في العراق والشام، وهذا مبرر شرعأً وقانوناً، لكونها ارضاَ عربية محتلة،لكن في عهد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب (ع)توقفت حركة الفتوحات، ولا ادري ان كان الامام له وجهة نظر معينة لم ينقلها لنا المؤرخون،او ان الدولة توسعت فخاف على تمزقها وضياعها،ومصادرنا التاريخية تسكت عن الحقيقة هنا،وعندي ان الرأي الثاني أقرب للقبول.،ومن ناحية اخرى فقد توسعت الدولة ولم يعد بالامكان السيطرة على فتوح اخرى فاصابها التوقف.فقضية الفتوح خارج جزيرة العرب لا زالت بحاجة ماسة لدراسة علمية موثقة لبيان الحقيقة التاريخية والشرعية فيهاخارج نطاق التصور الفكري والعاطفة الدينية،بعد ان ظهر الكثير من المؤرخين الاجانب التي عدوها أعتداءً وتجاوزا على الشرعية الوطنية لاوطانهم وهم يطالبون اليوم بأعتذار العرب والمسلمين لهم رسمياَ عنها.وانا اعتقد ان العرب والمسلمين بحاجة لان يقدموا تفسيرا تاريخياً مبررا لها لاقناع الدول التي فتحت بوجهة نظرهم، لعلها تزول العُقد التاريخية المستعصية في فهمها واهدافها،واذا ما اقتضى الامر بتقديم اعتذار رسمي عنها للدول الخارجية التي فتحت عنوة دون رغبة منها، حتى نقف مع المقياس الحضاري حين نطالب بالتعويضات المادية والمعنوية من الدول الاستعمارية التي احتلت اراضينا سابقاً ولا زال بعضها محتلا الى الان.
بقي لنا ان نبين الفرق بين الجهاد والعنف وما رمي به المسلمون اليوم،فقد كتب الاستاذ معز الدين الخطيب تحليلا علميا لها،نقتطف جزءً منه مع التصرف فنقول:ان من غير الدقيق الاكتفاء بدرس ظاهرة العنف ومظاهر الخلط بينه وبين الجهاد ضمن الاطار الفقهي،فهو لاشك في ازمة بحاجة الى توضيح،لا سيما وان ظاهرة العنف هي ظاهرة عالمية لا تقتصر على الاصولية الاسلامية فحسب،لكن ارتباط المنظمات الاسلامية المتطرفة بها يعود الى فهم خاطىء في مفاهيم الجهاد الاسلامية حين دمجوا العنف بالجهاد ولم يتركوا للحوار مكاناً،خاصة وان الحس الديني العالي لهؤلاء الجماعة وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص بهم اشعرهم بالتهديد المستمر الذي لا بديل عنه الا العنف والالتزام به،ناهيك عن العوامل الاخرى الخاطئة في مفهموم تاويل النص الديني وقراءته قراءة احادية صرفة )معز الدين الخطيب،القاعدة والجهاد،دار الحياة،سنة 2005).
هناك فرقاً واضحا بين الجهاد والعنف،فالاول يتميز بوضوح الهدف ووضوح الوسيلة والالتزام باحكام الشرع ومكارم الاخلاق التي جاء بها الاسلام،قبل القتال واثناء القتال وبعد القتال،ولكل منه شروطه الدينية والاخلاقية،فلا قتل للبشر ولا قلع للشجر،ولاتدمير للثروة والموارد،وضرورة الخلاص من فكرة مقاتلة الكفار سواءًحصل الاعتداء منهم او لم يحصل كما هو في مفهموم نظرية التشدد الحالية،مستندين الى قول الامام الشافعي:( الجهاد فريضة يجب القيام به سواءً حصل من الكفار أعتداءأم لم بحصل(كتاب الأم ج4 ص168). وهذا التوجه يتعارض مع نص الاية الكريمة:( أدعُ الى سبيلِ ربك بالحكمةِ والموعظة الحَسَنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربكَ هو أعلمُ بمن ضَل َعن سبيله ِوهو أعلمُ بالمهتدين،النحل 125.)، والاجماع على ان الجهاد هو في سبيل الله واعلاء كلمته وليس بسط سلطة الاسلام على الناس بالقوة وهنا مكمن الخطأ ولنا في ايات الجهاد ما يثبت ما نقول.لكن ما يدعيه الفقهاء بأن أية السيف المتمثلة بالأية( 5 )من سورة التوبة قد نسخت اكثر من 120 آية من أيات الجهاد لهو اعتداء منطقي على الايات القرآنية،علما ان النسخ لم يكن في الايات القصار وأنما جاء في الرسالات المتعاقبة من موسى الى محمد. (انظر كتاب كيف نتعامل مع القرآن للشيخ محمد الغزالي ص82-83).
ان الاية الكريمة 256 من سورة البقرة، جاءت عامة لكل الناس(لا أكراه في الدين قد تبين الرشد ُمن الغي)،لذا فهي تتقاطع مع شعار الفتوح المعلن عند البلاذري في كتابه فتوح البلدان(أسلم تسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم،وان لم تسلم تدفع الجزية نظير حماية الدولة لك).
ان الاية الكريمة وضعت سُنة لكل الناس دون تمييز في الحرية الدينية والمدنية دون أكراه،لان الحرية هي هبة الله الى الناس،وليست هبة احد من الناس،فاذا تتبعنا آية الجزية في سورة التوبة يقول الحق: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر،ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،التوبه 29). فالأية الكريمة ليست عامة،بل وضعت شروطا ًدقيقة لتطبيقها عملياً حين لا يكونوا من المؤمنين بالله واليوم الاخر،ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله،كقتل النفس الانسانية بدون جرم مرتكب،وان يبداوا هم بقتال المسلمين بدلالة الاية عن يدٍ وهم صاغرون.
الديانات المنزلة كلها تؤمن بالله واليوم الاخر،ولا تؤمن بقتل التفس الانسانية بدون سبب مبرر،لذا فأن تفسير النص يحتاج الى اعادة نظر في قراءته،وما يعزز هذا الراي ما ورد بنص الاية الكريمة يقول الحق:(ان الذين أمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخروعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون،المائدة والبقرة 169،62). فشرط الآية هو الأيمان لاغير،وهم مؤمنون،هنا نلاحظ ان شعار الفتوح السابق يصح بالحوار لابالقتال.لذا لابد من اعادة النظر في هذه الاشكالية الدينية الكبرى- اشكالية الفتوحات- لكي نضع حدا للاراء المتضاربة وحتى يخرج الاسلام منها سليماً معافى.
اما العنف كما تمارسه بعض الجماعات المتزمتة الى تنسب الى الاسلام،فينقصه الوضوح في الرؤية وقصور الاهداف وخطأ الوسائل ومخالفة الضوابط الشرعية،ويعتبر اجتهاد افراد اوجماعات معزولة عن المجتمع،تخالف رأي الناس و هي لا تمثل امة الاسلام،بل تشكل قطيعة معها حين يصبح الجهاد بنظرها صحيحاً لكل راضٍ عنها غير منكر لها.
وحقيقة القول ان تفسير أيات الجهاد بالمنطق السلبي قد كلفنا الكثير ارواحاً ومالاً وسمعة عند الاخرين،واتهمنا وأتهم الاسلام بالارهاب والارهابين تجاوزا علينا وعلى النص الديني دون مبرر سوى التشدد في آحادية الرأي الخاطىء والاصرار العنيد،فهل من نهاية لهذا الموقف الخاطىء الخطير..
والله يهدي الى كل رشاد،،
د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]
التعليقات