مرة أخرى يفشل البرلمان العراقي في اقرار قانون الأنتخابات الجديد فبعد الحديث عن مفاوضات ماراثونية بين الكتل والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان توصل هؤلاء الى شبه أتفاق على بعض النقاط الخلافية التي كانت تعرقل تشريع هذا القانون مثل القائمة المفتوحة والدوائر الأنتخابية المتعددة، لكن معضلة مدينة التآخي الوطني (كركوك) أطلت برأسها من جديد لتعيد المشهد السياسي العراقي الى حافة التوتر حيث لم تفلح الكتل السياسية في أيجاد أية صيغة توافقية حولها بسبب تعنت الأحزاب التي تدعي تمثيلها للمُكًون الكردي وهي قائمة التحالف الكردستاني التي تضم الحزبين الكرديين الأتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وهما حزبان يتقاسمان السيطرة على منطقة شمال العراق ولكل حزب من هذين الحزبين ميليشيات مسلحة غير شرعية تضخمت بعد أحتلال العراق وتمددت على مناطق كثيرة محاذية لها في الشمال العراقي حيث أصبحت هذه المجاميع المسلحة تتواجد في مدينة الموصل ومدينة التآخي الوطني (كركوك) وبعض أجزاء من محافظتي ديالى وصلاح الدين.
أن عدم أقرار قانون الأنتخابات يجعل من الصعب المضي قدمآ في عملية سحب القوات الأمريكية المحتلة من العراق والمخطط لها عام 2011 وهذا ما صرح به بعض القادة الأمريكان بأن تأجيل الأنتخابات من شأنه أن يعيد النظر في عملية سحب القوات المقررة حسب الأتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة ، مما سيجعل العراق رهينة الى أجل غير مسمى بيد قوات الأحتلال الأمريكية وهو ما سيٌعقد الأمور في العراق ويجعلها مفتوحة على كافة الأحتمالات، والذي يدفع ببقاء الأوضاع على حالها يظن بأن أنتهاجه لمثل هكذا سياسة سوف تجعله آمنآ في كيانه المزعوم الى أبد الدهر والعراق ينزف ويٌستنزف، وهذا هو سوء تقدير، وأفتقار الى نظرة سيتراتيجية بعيدة مدى، فالفوضى الشاملة قاب قوسين أو أدنى ولن يسلم منها أي طرف وخاصة الذين لا يقدرون عواقب الأمور والذين تسيرهم أطماعهم وأهواءهم العنصرية.
لذلك فالحلول التي تطرح من هنا وهناك ومنها حل أجراء الأنتخابات العراقية بدون كركوك أو تقسيم المحافظة بين ما يسمى بمكونات كركوك أو مقترح خمسين زائدآ واحد ،هي محاولات ترقيعية غير عملية وهي تعدي واضح ومستفز على حقوق أهالي كركوك خاصة والعراقيين عامة وهي ليست حلول أصلآ وأنما تأجيل لحل المشكلة والهروب من أستحقاقات مواجهتها بشجاعة ، فالحل الجذري لمشكلة كركوك وغيرها من مدن العراق وقصباته والتي تخضع الآن لأكبر عملية سطو يكمن في عدة خطوات عملية تستطيع من خلالها الحكومة العراقية أن تمارس ضغطآ ضد كل من يحاول العبث بوحدة العراق ، منها تخفيض الميزانية المرصودة الى منطقة كردستان العراق والتي تقدر ب17% تعطى بغير وجه حق وبدون أدنى عدالة للتوزيع بين المحافظات الى 5% وخطوة مثل هذه سوف يكون لها مردود أيجابي على مجمل الوضع في العراق والمنطقة ،والخطوة الأخرى هي الشروع بأقلمة مشكلة شمال العراق بين كل من سوريا وتركيا وأيران والعراق حيث يتم الأتفاق مع هذه الدول على عقد أجتماعات دورية للنظر بهذه المشكلة المستفحلة والتي بالتأكيد سوف تطال بنيرانها مستقبلآ هذه الدول الأربعة ،والقيام بتشكيل قوات الدفاع الشعبي من أبناء المحافظات المذكورة المستهدفة بالسطو والضم تقوم بالحد من هيمنة وتسلط البيشمركة وتعمل على حماية هذه المناطق جنبآ الى جنب مع الجيش العراقي والأجهزة الأمنية العراقية الأخرى ،أن بقاء هذه المجاميع المسلحة وأضفاء الشرعية عليها والأستعانة بها حتى في بعض مناطق بغداد هو أجراء خطير له عواقبه الوخيمة وقد بدأ العراقيون في بغداد الآن يشيرون بأصابع الأتهام لهذه الميليشيات بأنها تقف خلف كثير من الأنفجارات الضخمة التي ضربت بغداد وكأن الهدف منها هو المساومة على الأمن مقابل فسح المجال لهم للعبث بكركوك وغيرها.
لا شك بأن مدينة التآخي الوطني (كركوك ) هي خط أحمر وسوف تكون هذه المدينة كعود كبريت تُفجر المنطقة برمتها لمن يحاول سلبها أو العبث بها فالعراقيون بكافة طوائفهم متفقون على أن هذه المدينة هي عراق مصغر تحوي جميع مكونات الشعب العراقي ولم تكن يومآ ما مدينة ذات لون واحد أما الأدعاء بأنها مدينة بغالبية كردية فهو أدعاء باطل تفنده سجلات نفوسها قبل عام 2003 ، وأما الحديث عن التهجير فقد حدث بالفعل بحق مواطنين عراقيين من القومية الكردية وهو عمل مُدان بقوة ، لكن لا يمكن مقارنة الأعداد التي هٌجرت بما هو موجود الآن حيث تجاوز عددهم المليون وافد الى المدينة وهو مؤشر على سياسة تغيير التركيبة الديمغرافية للمدينة لغرض تكريدها ،وهنالك معلومة لا يمكن أسقاطها أو نكرانها وهي أن كثير من الأكراد العراقيين سكنوا كركوك وتوافدوا عليها نتيجة لما كانت تتمتع به هذه المدينة من فرص عمل كانت شبه معدومة في محافظات الشمال مثل أربيل والسليمانية وهذا من حقهم ،ولكونهم عراقيون سمح لهم بالعيش والعمل فيها أسوة بمحافظات العراق الأخرى ،ومن واجبنا هنا أن نقوم بأسداء النصح والمشورة والتذكير بعواقب الأمور لبعض الزعامات في كردستان العراق بأن لا يقدموا على المغامرة والمجازفة بالمنجزات والمزايا التي تحققت لهم، ولا يطيحوا بآمال المواطن الكردي البسيط ،وأن يلتصقوا بالعراق الذي يوفر لهم كل هذه المزايا والأمكانات، ولا يكونوا أداة بأيدي من يريد الشر لهذا الوطن وأهله، وأن يكون هدف هذه الزعامات المحافظة على مفهوم ومبدأ التعايش وتعميقه بين كافة المكونات العراقية في كركوك وغيرها فهو الضمانة لهم لبقاءهم في مواقع المسؤولية كوجوه لها تأثيرها في المشهد السياسي والأجتماعي العراقي.
حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]
التعليقات