درج المسلمون دائما على منهجية تفسير وأستلهام وتطبيق وتأويل أيات القرآن على الأشخاص والأحداث والأماكن انطلاقا من قاعدة تقول : ان القرآن حمال أوجه، فهو ينطوي على قابلية تنفتح على فضاء واسع من المجاز والتطبيق والمواشجة بين النص القرآني ومظاهر الحياة وأنتاج مدلولات جديدة لأياته، بعيدا عن موضوع سبب النزول وتخصيص الأية، وهذه الأمكانية المرنة للقرآن يمكن أستثمارها وتوظيفها بالأتجاه الإيجابي الخير في تثمين ومباركة جهود الانسان في العلم والأبداع وكل ماهو جميل ومفيد للحياة، على العكس مما هو سائد في ألتعكز على أيات القرآن بأستعماله من قبل جراثيم الإرهاب في تبرير جرائم المفخخات والذبح وقتل الناس !

فأذا آمنا بعدالة الله ومساواته في المحبة بين جميع البشر والشعوب، وان الأرض كلها تتلقى بركاته، وان العدالة الإلهية ترفض ادعاء أصحاب دين معين إحتكار الحقيقة والإيمان وحدهم بحيث يصل طغيان مشاعر التعصب والتجاسر الى مستوى ان هذه المجاميع المتعصبة تصدر الأوامر الى الله خالق الكون وتأمره بإبادة وقتل وإدخال الأخرين الى نار الجحيم... وكأنها هي من خلق الكون، فألله الذي كتب على نفسه العدالة والرحمة والمحبة للبشر جميعا لايمكن ان يقبل بالأفكار العنصرية التي تدعي بوجود الفرقة الناجية أو الأمة أو الشعب المختار، وبناءا على هذا يمكننا أستخراج بعض الأيات القرآنية التي تبارك الولايات المتحدة الأمريكية وهي المحاولة الاولى في الفكر الاسلامي من هذا النوع.

يوجد في القرآن العديد من الأيات التي تدل معانيها ومدلولاتها على مباركة الله لأمريكا ففي سورة النساء / 79 جاء : ((ماأصابك من حسنة فمن الله...)) فالقانون العام يقول ان بركات الله وسعت كل شيء، وكل ما يحدث في الحياة وللانسان من خير هو من الله، وعليه فأن التقدم والأزدهار العلمي والثقافي والأقتصادي وغنى الثروات الطبيعية والمناخ المتنوع... كل هذه الخيرات التي تتنعم بها أمريكا هي بفضل مباركة الله ومحبته لهذا البلد الذي أغدق عليه من جميل كرمه ونعمه.

وأحد أسباب مباركة الله للشعب الأمريكي يذكرها القرآن في سورة النساء / 100 حيث يقول : (( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة...)) فكما هو معلوم ان الشعب الأمريكي تأسس بدافع الهجرة الدينية والهرب من الاضطهاد، فقد هاجر المؤسسون الأوائل المسيحيون من ايرلندا للتخلص من القمع وبحثا عن الحرية الدينية، وبعدهم هاجر الى أمريكا اليهود هربا من جرائم النازية ضدهم، وكذلك هاجر ومايزال يهاجر الكثير من المسلمين الى أمريكا هربا من الاضطهاد الديني في بلدانهم وهم يتمتعون بكافة حقوق المواطنة والمساواة هنا، ولديهم مساجدهم التي يمارسون فيها كامل حريتهم الدينية، وليس هذا فقط، وانما تستلم مساجد المسلمين في أمريكا مساعدات مالية حكومية دعما لها.

ومن بركات الله الى أمريكا الحكمة حيث جاء في سورة البقرة /269 (( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا...)) ومعنى الحكمة هنا شامل وواسع يشمل السداد والعقل والعلم والأبداع... ولو نظرنا الى ما قدمه الشعب الأمريكي للحضارة الأنسانية من أختراعات وأكتشافات كالهاتف والمصباح الكهربائي والطائرة والتلفزيون والسينما والأنترنت وغيرها من الأختراعات والأكتشافات العلمية والطبية التي يشهد عليها هذا العدد الكبير من العلماء الأمريكان الذين يحصلون على جوائز نوبل في كل عام... فهذا التقدم الفكري والعلمي والحضاري للأمة الأمريكية هو خير وبركة وحكمة من الله أنزلها عليها.

ويجب علينا ان تذكر دائما ان أمريكا حاربت بشجاعة الشر وتصدت بقوة الى نازية هتلر والى الشيوعية والإرهاب والنظم الدكتاتورية في العالم، وحققت أنتصارات باهرة فيها أستطاعت انقاذ ملايين البشر من القمع والموت.

و قبل ان يتسرع البعض ويتهمني بأني عميل أمريكي... أحب أن أشير الى أنني مواطن أمريكي من أصول عراقية عربية مسلمة أتشرف بحمل جنسية هذا البلد الذي حينما جئت اليه كان وعي السياسي ملوثا بغوغائية الخطاب الاعلامي والسياسي الذي كانت تقذفه التيارات القومية والاسلامية والشيوعية وما تطرحه من سموم عدوانية همجية ضد الحضارة الأمريكية والغربية عموما، ولكني بعد ذلك تطهرت بدماء شهداء جريمة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك من قبل جراثيم الإرهاب في 11 سبتمبر، وأغتسلت بدموع اطفال وزوجات وازواج وأمهات الضحايا الذين قتلوا في تلك الجريمة الهمجية... في لحظة الفجيعة تلك أستفقت على حقيقة وحشية الفكر الديني والسياسي الهدام الذي يحمله غالبية العرب والمسلمين، ونزفت روحي ألماً ووجعاً من عار فجيعة تلك التفجيرات، وما يجعلني أعلن حبي لأمريكا هو أنها من حسن الحظ لاتدفع الأموال لمن يعبر عن حبه لها من المواطنين، ولهذا أستطيع التعبير عن مشاعر الوفاء والاخلاص لها من دون تردد أو خوف من ان يتهمني أحد بأستلام الاموال أو المجاملة لها، فأنا أكتب أمتثالاً لأوامر الضمير والقيم الاخلاقية والعقل والدين والله.. التي تطلب منا الوفاء والأخلاص لأصحاب الفضل والمعروف والجميل... وبما أن فضل وخيرات أمريكا ليس عليّ وحدي، بل هو على عموم العالم أجمع بما تقدمه من علم ومعرفة وقيم أنسانية... فأنني أشعر بسعادة غامرة في التعبير عن حبي لها.

[email protected]