قد تکون عقدة المملکة العربية السعودية و مکانتها الاستراتيجية بالنسبة للعالم الاسلامي، واحدة من أکثر القضايا التي منحها النظام الراديکالي في إيران إهتماما إستثنائيا منذ مجيئه للسلطة عام 1979، وقد سعى هذا النظام ومن خلال مجموعة طروحات عقائدية سياسية محددة تمت قولبتها ضمن تنظيمات و مجموعات حرکية، الى التشکيك في الزعامة السعودية للعالم الاسلامي و موقعها المتميز وفي نفس وقت سعت و بشکل مباشر الى طرح نظامها العقائدي المؤدلج کبديل لها.


نظام ولاية الفقيه: مخاض القدرة أم تباشير الزوال؟ 2-3

وإذا ماکانت مجموعة من الدول العربية ذات النظم (الجمهورية)والتي کانت تتدعي الثورية و التقدمية و التصدي لإسرائيل و محوها من الوجود، قد وضعت من ضمن أهدافها الاستراتيجية معاداة المملکة العربية السعودية و حشرها في زاوية ضيقة وصولا الى النيل من نظامها السياسي، لکن الايام أثبتت قدرة و جدارة النظام السياسي في السعودية و إمکانياته غير المحدودة في مجال المناورة السياسية و إحباط المخططات التآمرية المختلفة ضدها و إنتهى الامر بهذه الانظمة الى عودتها بشکل أو بآخر للخيمة السعودية و إنتهت مشاريعها السياسية المعادية للسعودية الى حيث لم يعد لها ذکر في قاموسها السياسي المعاصر، وبعد کل هذا، يطل النظام الديني الراديکالي في إيران برأسه من أجل حمل راية معاداة المملکة العربية السعودية ولکن بشکل و مضمون مغايرين تماما، وفي الوقت الذي رفعت فيها تلك النظم غير الانقلابية و غير الدستورية شعارات تصف السعوديـة بالرجعية و التخلف و العمالة للغرب، فإن النظام الايراني قد أعاد الحياة مجددا الى تلك الشعارات البالية و أضاف إليها بعدا و مضمونا عقائديا محددا، و إلتزم خطا سياسيا فکريا متعنتا و متشددا من الرياض ولم يقف عند هذا الحد وانما طفق يدعو و يحث الامة الاسلامية الجمعاء على الوقوف بحزم ضد ماأسماه(المؤامرات الاستکبارية ضد الامة الاسلامية)، وقد کانت قضية الحج واحدة من تلك الابواب التي حاولت و تحاول طهران و بشتى الوسائل الدخول منها و النيل من النظام السياسي الثابت و المستقر في السعودية على الرغم من أنها قد وظفت خلال سعيها المحموم هذا تحرکات إستخبارية مريبة تهدف الى زعزعة الاستقرار و الامن في هذا البلد، وهو سعي باتت العديد من الاوساط الاستخبارية في بروکسل و فينا تدرکه و تعي أهدافه و غاياته البعيدة المدى.


وقطعا فإن هذا الموقف العدائي المريب و الحثيث، لم تجب عليه المملکة العربية السعودية بإستغلال الورقتين الطائفية و العرقية في إيران، خصوصا وان معظم المسلمين الايرانيين من أهل السنة يدينون بولاء محدد الابعاد للملکة العربية السعودية يرتبط اساسا بقضية إحتضانها للاماکن الاسلامية المقدسة و رعايتها الممتازة لها، في وقت ان طهران قد استغلت و بکل مااوتيت من قدرة الورقة الطائفية في السعودية وحاولت من خلاله العبث بالمقدرات و المواقف السعودية من أجل أجندتها الخاصة، لکن و الحق يقال أن هذا السعي لم يحقق أيا من أهدافه المرجوة و بسبب من هذا الاحباط فإنه لم يکن أمام طهران سوى بدء سياسة جديدة تسعى من خلالها للتعاون و العمل المشترك مع الرياض وهي نفس بداية العد التنازلي للنظم(العربية الفوضوية)، لکن هذه السياسة الظاهرية لم يرافقها عزم ضمني حقيقي من جانب طهران لتوظيف سياسة جديدة تصب في صالح البلدين.


النقطة المهمة و الحساسة في مسعى النظام الايراني لسحب بساط الزعامة من تحت أقدام المملکة العربية السعودية، تتمحور بشکلها الظاهري حول طرح نفسه کبديل أمثل و أفضل و أکثر حرصا على الاسلام و المسلمين، أما المحتوى الحقيقي للمسألة فإنها تتعلق بتخطيط مبرمج و معد له مسبقا من أجل إستغلال ورقة الزعامة للعالم الاسلامي من أجل حسابات و أجندة خاصة أخرى ليست لها أية علاقة لامن قريب أو من بعيد بالاسلام و المسلمين. وبديهي ان معممي طهران و قم ومنذ المحاولات الاولى لهم بهذا الصدد، قد أصطدموا بجدار صلب و منيع بين لهم بوضوح إستحالة تحقيق هکذا غاية وان توقيت زرع أماکن محددة من المملکة العربية السعودية بخلايا(سرطانية إرهابية)للنظام الايراني قد رافق إخفاق المعممين في کسب الشارع الاسلامي بهذا الخصوص مثلما جوبهوا برفض إستثنائي من قبل الشارع السعودي ذاته و لايبدو في الافق أي بريق أمل لطهران بخصوص تحقيق ولو مجرد مکاسب أو منجزات صغيرة ضد المملکة العربية السعودية بل وان الامر الذي أصاب طهران بالدوار هو ان الرياض بالاضافة لزعامتها الاسلامية قد تمکنت أخيرا و بشهادة مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية من کسب زعامة العالم العربي وهو أمر يضيف المزيد من القوة و الصلابة للموقف السعودي.


وقد نظر الکثير من المراقبين السياسيين بغرابة الى الموقف الاخير لقادة النظام الايراني بخصوص التأکيد على الاستمرار قدما في إستغلال مناسبة الحج لأهداف سياسية فيما نراه بمثابة رفسات الذبيح سيما وان طهران قد أسقطت في يدها و غلبها اليأس تماما ضد مساعيها بهذا الاتجاه، ولأجل ذلك فهي عادت الى سابق محاولاتها البدائية المتخلفة بضخ مئات من الحجيج الايرانيين المؤدلجين من أجل إثارة الفوضى و الشغب و تهديد الامن و الاستقرار السعوديين في واحدة من أهم المناسبات الدينية، لکن الرسالة التي يجب أن تتفهمها طهران هو ان العالم کله بشکل عام و المسلمين بوجه خاص، سوف يتفهمون کافة الاجرائات و الاحترازات السعودية عشية تصديها لهؤلاء الفوضويين المدفوعين من أجل مآرب سياسية معينة وان المعممين الذين يصرون بقوة على إستغلال هذه الشعيرة لمعاداة الولايات المتحدة الامريکية(في ظاهرها)، فإن موقفهم الحقيقي من واشنطن هو غير ذلك تماما وهو ماسنوضحه أخيرا في القسم الاخير من بحثنا هذا.