باسم محمد حبيب

احتفل كثيرون قبل ايام قليلة بعيد الحب او فالنتاين كما يحبذ البعض ان يسميه حيث يعود هذا التقليد الى عصور قديمة ويقال ان له جذورا فرعونية حيث اشارت بعض الدراسات الى وجود عيد بهذا الاسم لدى المصريين القدماء وان الرومان هم على الارجح مقلدين له وبالرغم من تعدد الروايات حول نشوء هذا العيد واشتهاره بين الناس الا ان هناك اتفاق على انه جاء بالرغم من ارادة النخب المتسلطة حيث تبناه العشاق والمحبين ليؤكدوا فيه مقاومتهم للجبروت ورفضهم للتسلط وهو ما اعطى لهذا العيد شهرة شعبية طاغية بل عده البعض اكثر الاعياد اهمية على الاطلاق ولكن مايثير الغرابة ان هذا العيد رغم عنوانه الرومانسي وفحواه الجليل اصبح مثار خلاف بين جهات عدة وتهافت بعض الفقهاء المسلمين لرفضه محذرين من الاحتفال به واحيائه لا لشيء الا لانه ليس عيدا اسلاميا او انه من الاعياد الوثنية او المسيحية حسب ما يراه هؤلاء عن اصله وكان الاعياد مرتبطة بالدين او حكر عليه وحسب مع ان هذا العيد بالذات لم يكن دينيا ولا سياسيا بل اجتماعي محض وبالرغم مما يقال عن اصله الكنسي ( كما في حكاية القس الذي اصر على عقد قران الراغبين بالزواج بالرغم من وجود حضر حكومي راى في الزواج شاغلا للناس عن الاهتمام بالحرب الامر الذي كلفه حياته ليغدوا بطلا للعشاق والمحبين ) الا انه ارتبط بتقليد اجتماعي وبرغبة في ترجيح قيم الحياة على قيم غيرها ولقد بالغ البعض عندما اعتبر احيائه هدما للدين وتجاهلا لخصوصيته بل وصفه البعض بانه من مخلفات الوثنيين ورجسا من ارجاسهم وبالنظر لشعبية هذا العيد واهميته الكبيرة فقد تناقلت الالسن هذه الاراء وتصاعد على ضوئها هدير الجدل ووتيرة المشادات وبدلا من ان يغدوا عيد الحب مناسبة للفرح والمحبة اصبح مصدرا للخلاف والخصومة حتى جعله البعض موضوعا لمخالفة الاخر ومشاكسته وبالتاكيد فان هؤلاء الذين رفضوا عيد الحب ومنعوا الاحتفال به لا ينطلقون من عامل ديني وحسب بل ربما جائت ارائهم كانعكاس لطبائع موروثة وقيم مغروسة في نفوسهم ولعل اهم ما اكده هذا الاختلاف هو هذا التباين الصارخ بين قيم وقيم بالرغم من انتماء هذه القيم لثقافة واحدة فالذين احتفلوا بعيد الحب او اصروا على تبنيه ليسوا في الواقع غرباء عن الذين عارضوه بل وجدنا بخلاف كل المقاييس مسلمين ايدوا العيد وتحمسوا له ومسيحيين تحفظوا عليه او تجاهلوه بغض النظر عن نسبتهم الامر الذي يشير الى ان القضية اعمق من مسالة دين وحسب وربما ساهم اكثر من عامل لترجيح راي على راي لاسيما في خضم هذا الاشتباك الحضاري والتقابل بين الشرق والغرب حيث الاسلاموفوبيا والارهاب والديموقراطوفوبيا لاسيما للجهات المعادية للديمقراطية وبالتالي لم يعد هذا العيد مجرد رقم هامشي في جدول الخلافات بل جزءا من خلاف صميمي وصراع وجود بين هوية تميل الى الانسحاب الى ذاتها وجذورها وهوية تنشد التفاعل والترابط مع الغير فهوا عنوان لمقدار التباين بين هذا الراي وذاك وبين هذا الواقع وذاك لكن ما يدفع الى التفائل وربما الايمان بهذا العيد انه يحمل في عنوانه كلمة الحب التي نحتاجها جميعا وربما نحن نحتاجها اكثر من غيرنا بعد ان هيمن البغض والحقد على النفوس واذا كان العالم يحتاج هذا العيد من اجل تذكر المحبين التواصل معهم فاننا بحاجة اليه حتى ننبذ خلافاتنا وننسى احقادنا ولو لساعات فالحب كنز لا يفنى.