سلطات الأمن الجزائرية كثفت من تواجدها حول الأماكن التي يتجمع أو يعمل فيها الصينيون في الجزائر لحمايتهم. هذه الإجراءات جاءت ردا على تهديد التنظيم الإرهابي الذي يطلق على نفسه اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، باستهداف المصالح الصينية في المنطقة انتقاما لقمع سلطات بكين أقلية الإيغور المنحدرة من أصول تركمانية.

أعود قليلا إلى الوراء حيث كتبتُ هنا قبل عام، مقالا تناولتُ فيه هذه الأقلية قبل أن تتصدر أخبارها عناوينَ نشرات الأخبار في العالم وتُسيل حبر أقلام المراقبين والمحللين:

المقال هنا: سَجنْتُم المسيحيين، لكن ماذا عن الصينيين؟

حينها كان بعض الصحفيين الجزائريين يُهلّل لاعتناق الصينيين الإسلام في الجزائر، ويُخوّن كل جزائري اعتنق المسيحية. وقُلتُ حينها إن الصينيين لم يعتنقوا الإسلام سوى للظفر بزوجة جزائرية للحصول على الإقامة وبالتالي الدخول في استثمارات محلية وامتلاك العقارات و المحال التجارية. في حين يعتنق بعض الجزائريين المسيحية للظفر بتأشيرة سفر على جوازات سفرهم تُخرجهم من حال اليأس التي يعيشونها. حتّى أنه هناك من يرى في تمسّح البعض تعبيرا عن رفضه ديانة النظام المُتسلّط الذي يُقرّ بأن الإسلام دين الدولة، ولو أن النظام اعتنق المسيحية لدخل الجزائريون في دين الإسلام أفواجا، وهنا لا أنفي أن البعض اختار ديانته عن قناعة.

لقد دعيت حينها إلى وقف شنّ الحملات الرخيصة على المسيحيين وسبّ الفرنسيين والأمريكيين والغربيين بصفة عامة في الصحف، لأنه من الضروري التفريق بين سياسات الدول والحكومات المبنية على المصالح، وبين عقائد الناس وقناعاتهم. ولا يمكن الانقياد وراء خطاب غوغائي غرائزي لا يخدم إلا المعتوهين في التنظيمات القروسطية، لأن لغة استعداء الشعوب ودعوات الانتقام ستنتقل حتما من كراهية شعوب الغرب إلى كراهية شعوب الشرق،إذا سلّمنا بأن القوة الاقتصادية بدأت تنتقل من الغرب الذي تتزعمه أمريكا والاتحاد الأوروبي إلى الهند والصين.

القوّة تستدعي الحفاظ على بنية الدولة الوطنية ومن ثم التوسع الإقليمي و الدولي باستعمال كل الوسائل المتاحة. والنمو الاقتصادي يتطلب البحث عن موارد جديدة للطاقة. الصين تبحث عن الطاقة في الدول المعادية لأمريكا مثل السودان و إيران ودول أخرى تقع خارج النفوذ الأمريكي وتتحالف مع أنظمتها. فالاستثمارات الصينية في إفريقيا في تزايد، وهذه السياسة تتطلب الميكيافيلية في التعامل مع نظام الخرطوم ndash; على سبيل المثال- ولو على حساب إعاقة العدالة الدولية في محاكمة المتورطين في مجازر دارفور.

من هنا، فإننا إذا انسقنا وراء العواطف والغرائز فسنعادي العالم أجمع ولن نترك لنا صديقا، وسنشن حملات كراهية ضد البوذيين والسيخ والهندوس وبقية من لم نعاديهم من أبناء البشرية، وهذا ما تفعله القاعدة في شمال إفريقيا ومن ورائها الأبواق الإعلامية التي تنفخ في مسببات الفتن.

أقلية الإيغور التي قمعت انتفاضتَها الأخيرة سلطاتُ بكين، تنحدر من أصول تركية وقد ردت تركيا على مضض عبر القنوات الدبلوماسية وعبر المظاهرات السلمية، ولم نسمع عن تنظيم إسلاموي تُركي، دعا إلى الانتقام من سياح صينيين في اسطنبول أو عمال صينيين في إزمير. الانزعاج التركي من القوة المفرطة التي استعملتْها السلطات الصينية ضد المسلمين في إقليم تشنغيانغ جاء على استحياء، باعتبار أن الأكراد يتربصون بكل من يدعو إلى احترام الأقليات ويقمعهم. وحكومة أردوغان المحسوبة على الإسلاموية السياسيّة تدرك ذلك جيدا.

حكام الصين لهم سجل حافل بقمع أي معارضة تنافسُهم الحكم، و الدالاي لاما زعيم إقليم التبت أكبر المتضررين من هذه السياسة. كما أن بكين تُعارض نسج أي علاقة مع الفاتيكان وتقمع كل من تجرأ على المطالبة بالحرية و الديموقراطية. ظاهريا هي تعارض البوذيين والكاثوليك وأخيرا المسلمين، لكنها في الواقع تطبّق الميكيافيلية بحذافيرها، هذا عن الدولة أما عن الشعب فلم نسمع بتنظيم صيني يطالب بالانتقام من العرب والمسلمين المستثمرين في بلاده لأن القاعدة ذبحت رعايا صينيين في العراق أو في أفغانستان.

سليمان بوصوفه