سأحاول المقاربة، بعيداً عن التفاصيل وأمور اليوميات، وسأمنح نفسي الحق في قول ما آراه واجباً في أشياء تتأرجح بعض الأحيان، وسأبدأ بقول أن البارزانية هي عنوان التاريخ السياسي الكردي الحديث، وأعتمده كمفهوم سياسي، أي ليس كعبارة لغوية فقط، ولن ألجأ إلى إعتماد البارزانيزم التي يستخدمها البعض، حيث أرى العبارة فيها من الإنشائية ما فيها.
وعندما أقول البارزانية فإني أقصد التوكيد وليس إشارة البدء في فعل البارزانيين، والتوكيد هنا هو تثبيت الحقيقة التاريخية للزعيم الراحل، الزعيم الملا، الملا الصلابة، الملا المؤسس، الملا الضرورة التاريخية والصيرورة التاريخية، الملا القائد، الملا الفتاك، الملا الذي لم يسقط حينما عايش مراحلاً كل شيء كان يسقط فيها، الملا الذي كان سبباً حاسماً في الوفاق الدولي بين الشرق والغرب في تجلياته الشرق أوسطية، وأقول الملا الذي حينها بمرارة ليست بعدها مرارة أعلن للملأ، وأؤكد للملأ اعتزاله العمل السياسي بعد نصف قرن وأكثر من العراك الشرس حيث لا أصدقاء إلا البشمركة، البشمركة الذي سيأتي سليل الملا بعده ليعلن وعلى الملأ أيضاً بأنهم ليسوا ميليشيات إنهم شرف الأمة، الأمة التي هي لعلها في شقاق كما ذكر جوناثان راندال في كتابه.
ولن أدخل في حيثيات شقاق الأمة على ذاتها، لا من وجهة نظر سوسيولوجية ولا من حيث لعنة السياسة، اللعنة التي واكبت وتواكب التاريخ الكردي حتى اللحظة، ولو أنه يتوجب الإشارة إلى فلسفة الفعل المقاوم على الصعيد الكردي، قولاً وممارسة وقيادة، وأقصد هنا قيادة الفعل المقاوم كتعبير سياسي واجتماعي لفلسفة الحق أياً كانت مدارس الفلاسفة القديمة والحديثة.
وفي هذا الصدد يحضرني ما ذكره الباحث والمفكر التركي إسماعيل بيشكجي عن تشبيه مسيرة الملا مصطفى البارزاني بعد السقوط الدراماتيكي لجمهورية مهاباد إلى الإتحاد السوفياتي، بأنها كمسيرة الزعيم الهندي الكبير غاندي إبان الإحتلال الإنكليزي للهند.
على أية حال كثر منتقدوا وأعداء الملا الراحل إبان إنتكاسة آذار عام 1975، وكثر الآن أصدقاء سليل الملا بعد نجاحاته التي جاءت تتويجاً حكيماً لفعل تاريخي قاده قولاً وممارسة بحكمة وحنكة ودراية في أحلك وأصعب الظروف على المستويات كافة، إنها أمور الأمة، والبارزانيون إلى جانب إخوتهم كانوا حكماء اللحظات الصعبة والقرارات الصعبة، وانجز ما انجز، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولأنني لا أستطيع الحياد في هذا الأمر، فأقول أن مسعود البارزاني هو ضمانة الإستقرار السياسي والإجتماعي وصمام أمانه وضمانة إعادة الأمور العالقة إلى مجالاتها الطبيعية على أساس الحق القومي المشروع، تأكيداً لتحقق الذات القومية الكردية في إقليم كردستان العراق بفعل الدور الحاسم والثقل الأساسي ميدانياً وتاريخياً على طول الخط، للبارزانيين وإخوانهم بشمركة وقيادة، وهذا في إعتقادي المتواضع وسام التاريخ الكردي على صدر رجل المواقف والقرارات الصعبة، سليل الملا الراحل، رجل الثورات والسياسة والوفاق الوطني مسعود البارزاني.
حنيف يوسف
* شاعر وسياسي كردي مقيم في هولندا






التعليقات