حينما تابعت الأخبار المتعلقة بمحاكمة رموز التيار الإصلاحي في إيران، فاجأتني شهادة المعارض الإصلاحي المعتقل محمد علي أبطحي، الذي هاجم رموز التيار الإصلاحي مير حسين موسوي وهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي واعتبر أنهم سعوا إلى الانتقام من مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، كما انتقد خاتمي بسبب دعمه لموسوي في الانتخابات الرئاسية، ونفي مزاعم quot;التزويرquot; في الانتخابات، ووصف الحركة الاحتجاجية على نتائج الانتخابات بأنها هدفت إلى quot;تقويضquot; سلطات المرشد. هذه الشهادة جعلتني أتساءل: إذن لماذ تم اعتقال أبطحي؟! وهل يعقل أن تتطابق شهادته مع ما يدعيه أنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد حول quot;سلامةquot; الانتخابات الرئاسية؟!
لقد أكدت إبنة أبطحي في لقاء مع إذاعة quot;بي بي سيquot; عصر يوم محاكمته أن شهادته لا تعبّر عن وجهة نظره وأن أقوال أبيها قد أخذت منه بالقوة، فيما قالت زوجته لموقع quot;روزquot; إن إلقاء الشهادة بهذه الصورة يدل على انتفاء الأخلاق والضمير لدى مسئولي النظام، مؤكدة أن تجربة قمع الإصلاحيين ومحاكمتهم لن تبرئ المسئولين عمّا حدث بعد الانتخابات، مضيفة أن هذه الطريقة في أخذ الاعترافات من المتهمين تدين النظام الإسلامي، ومؤكدة بأن ما جاء على لسان زوجها في المحكمة لا يتوافق مع أدبيات أبطحي الدينية والسياسية. وكذب مكتب رفسنجاني تلك الشهادة مؤكدا أن ما جاء فيها يهدّد موقع النظام الإسلامي. وسخرت منظمة مراسلون بلا حدود من المحاكمة متهمة المسؤولين فيها بأنهم داسوا بأقدامهم على حقوق المتهمين الذين لم يستطيعوا إخبار محاميهم عن موعدها، في حين من استخبر من المحامين متأخرا عن أسماء المعتقلين في المحكمة تم منعه من الدخول إلى القاعة، ووصفت المنظمة المحاكمة بأنها جلسة تحقيق أكثر من كونها محاكمة. لذا هل يعقل أن يمنع المتهم من لقاء محاميه للتشاور معه في إطار حقوقه الطبيعية؟ وهل هدفت المحاكمة إلى إظهار حقيقة الأحداث التي جرت بعد الانتخابات أم هدفت إلى تأكيد نتيجة الانتخابات؟
يؤكد العضو في الأقلية الإصلاحية في البرلمان الإيراني النائب داريوش قنبري أن الحديث عن تعذيب المتهمين في المعتقلات لن يضفي أي شرعية على اعترافاتهم وشهاداتهم في المحكمة، مشيرا إلى أن الظروف الراهنة التي تعيشها إيران تؤكد الحاجة إلى تهدئة الأوضاع السياسية وصولا إلى معالجة الأمور في حين أن تلك المحاكمة والشهادة التي جاءت على لسان أبطحي لا تخدم التهدئة ومن شأنها أن تساهم في تصعيد الأمور.
ويقول النائب الإصلاحي في البرلمان الإيراني محمد رضا تابش إن غالبية معتقلي الاحتجاجات الأخيرة يعيشون في ظروف سيئة بالمعتقلات، مؤكدا بأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب. وحول ظروف أبطحي في المعتقل أكد تابش نقلا عن زوجة أبطحي أنه بعد 43 يوما في السجن فإنه فقد 18 كيلوغراما من وزنه، مشيرا إلى أن سجانيه كانوا يعطونه مسكنات ذات تأثير نفسي تجعله مرتاحا جدا مما تجعله يفقد اهتمامه بمشاكل الحياة.
إن ما يؤكد وجود ضغوط على أبطحي في المعتقل وأدت إلى إدلائه بشهادته على هذا النحو في المحكمة، هو عدم السماح لوسائل الإعلام المستقلة بتغطية المحاكمة، فقد سمح بذلك لوكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري. والسؤال هو: كيف يمكن التأكد من أن المحاكمة كانت شفافة وخاضعة للمعايير القانونية التي تهيئ للمتهم الظروف للدفاع عن نفسه دون تأكيد ذلك من مصادر مستقلة يأتي على رأسها الإعلام المستقل غير الخاضع للنظام؟ أم إنها محاكمة سياسية الهدف منها تحقيق المصالح الضيقة لفئة معينة بالنظام؟
أضف إلى ذلك أن محاكمة أبطحي وبعض الشخصيات الرئيسية في التيار الإصلاحي وبعض الصحافيين البارزين كمراسل نيوزويك مازيار بهاري وقرابة مائة من المحتجين، تمت بصورة مفاجأة ومن دون إبلاغ أسرهم أو أصدقائهم أو محاميهم او وسائل الإعلام المستقلة. كما أن المحاكمة تمت في ظل عدم وجود شخص واحد غير منتمي إلى الأصولية المتشددة الحاكمة أنصار ولاية الفقيه المطلقة. ويبدو أن أحداث المحكمة، في ظل نفي وجود تزوير في الانتخابات، لابد، وفق سيناريو أنصار أحمدي نجاد، أن تدعم ظروف تنصيب الرئيس الإيراني.
إن ما تشهده إيران من أحداث قمع غير أخلاقية ومن محاكمات تحمل شبهات وعلامات استفهام قانونية، تعود في أصولها إلى سيطرة الثقافة الفردية والمقدس الديني على جميع مجريات الأمور في البلاد، وهي قد ركّزت نفسها كأساس للحكم بعد ما أطاحت بمفهوم الجمهورية في ظل تفسير فقهي يضخّم موقع الاستبداد الديني والعنف، ولكونها فشلت في تبرئة دور الفقه في وقف نشر الكذب والكراهية والظلم في المجتمع، وفي صد القمع والترهيب والتعذيب بشكل عام.
ففي ضوء تلك الأحداث، لا يمكن للأوصاف التي يلصقها أنصار الولاية المطلقة بالدين بأنه متسامح وإنساني وعادل، إلا أن تكون مجرد أحلام غير قادرة على التحول إلى واقع، لأن أصحاب الولاية والأوصياء على شؤون الناس والدين ينتهجون الكذب أسلوبا والسلوك غير الأخلاقي وغير الإنساني نهجا ضد المخالفين والمعارضين لهم، بالتالي لا يعكس هذا النوع من الدين إلا صورة من صور الإلغاء، لأن التجربة أثبتت أنه من السهل على هذا الدين، الفقهي السياسي المستند إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي تعظّم دور الفرد وتهمّش دور الشعب، أن يتبنى نهج الطغاة والجلادين غير الأخلاقيين إذا ما شك أو عرقل شخص طريقة إدارته للأمور أو انتقد سلوك القائد والأفراد القريبين منه في الحكم، وهو النهج المستند إلى الحكم الفردي المطلق المقدس غير القابل للنقد والشك والسؤال. فمقدسهم يحث على أن الآخر، غير المؤمن بالولاية المطلقة أو غير الخاضع للولي الفقيه، هو ممثل للطاغوت وعدو الله، وأن الرؤى الناقدة للولاية وغير الخاضعة للحكم المطلق المقدس ليست سوى آراء بدعة وضلال، وأن الراد على الولي الفقيه كالراد على الله، وأن الآراء الخارجة عن الديموقراطية وصناديق الاقتراع ينتهي مصيرها في النهاية في بيت القائد حيث هو الذي يقرر مشروعيتها أو عدم مشروعيتها. هذا الإرهاب الفكري مهد للإرهاب على أرض الواقع مثلما رأينا. ولم تكن القاعدة الكفرية الإلغائية سوى قاعدة إرهابية صريحة مهدت الطريق لممارسي الإرهاب أن يتفننوا في ممارساتهم.
فاخر السلطان
كاتب كويتي
[email protected]
التعليقات