بالمنطق العسكري، إنتقال عناصر وكتائب quot;حزب اللهquot; إلى سورية يعني إفراغ جبهات وخطوط قتالية بكاملها، الجبهة اللبنانية مع إسرائيل طويلة، كما يعني إجراء مناقلات لمجاميع عسكرية بعدتها وعتادها، فيما المنطقة ترزح تحت مراقبة كاميرات الأقمار الصناعية الإسرائيلية، والمنطق يقول إن إجراء هذه العملية اللوجستية الضخمة لا بد انه يستدعي حصول تفاهمات إقليمية معينة كضمانة لسلامة سير العملية، إذ لا يمكن لجهة عسكرية يفترض أنها في حالة حرب القيام بهذا التحرك الواسع والمكشوف بدون أخذ ضمانات معينة بعدم استهداف هذه العملية.

تلك حسابات عسكرية روتينية وبديهية يجريها أي طرف، والأمر الذي يؤكد ضرورة مثل هكذا إجراءات، ما يتصل بطبيعة العملية ذاتها، بوصفها عملية لوجستية ذات طابع استمراري وطويل نسبياً، وليست غارة أو عملية محدودة خلف خطوط العدو تنفذها مجموعة صغيرة، ذلك أن القوات التي يجري نقلها تحتاج إلى خطوط إمداد مفتوحة بالاتجاهين كي تضمن تزويد الوحدات المقاتلة بالذخائر والأسلحة والمؤن وعمليات نقل الجرحى وسواها من المستلزمات الضرورية لسير المعارك وإنجاز الأهداف العسكرية المتوخاة.
الغريب أن تأتي هذه العملية العسكرية في أعقاب الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على مواقع سورية بذريعة الإشتباه بنقل أنواع من الأسلحة إلى quot;حزب اللهquot;، مما يعني أن العين الإسرائيلية ساهرة على مراقبة الدواخل اللبنانية والسورية، وتحديداً منها المواقع العسكرية، والغريب أيضاً أن تتزامن العملية مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية وزيادة مستوى الاستنفار في الجانب الإسرائيلي!.
غير انه في وسط هذا المناخ المتوتر كانت القيادة السياسية الإسرائيلية قد بعثت برسالة واضحة تلقاها الأسد عبر أطراف ثالثة مفادها أن إسرائيل ليست معنية بالحرب الداخلية السورية، وأعقبتها تصريحات واضحة لمسؤولين إسرائيليين يؤكدون فيها تفضيلهم لنظام الأسد على أي نظام أخر قد تأتي به سورية، مما يعني أنهم لم يقصدوا عبر إغارتهم على مواقع سورية تغيير قواعد اللعبة مع نظام الأسد وقواعد الإشتباك مع quot; حزب اللهquot; بقدر ما كان هدفهم إعادة تصحيح هذه القواعد ومنعها من الإنحراف.
فهل كانت هاتان الرسالتان هما الضمان لتحرك حزب الله، بهذه الأريحية العسكرية، في الداخل السوري؟. ليس خافياً على الحزب، الذي يدعي أنه على معرفة تامة بما يدور داخل أروقة صناعة القرار الإسرائيلي، من خلال رصده وقراءته النبيهة لإتجاهات السياسة والحرب في تل أبيب، بأن إسرائيل يغبطها تورط الحزب وإيران في سورية، بل وتساعد، حسب ما تسمح به الظروف، بتسهيل وتسريع إنجاز هذا التورط، وذلك تحقيقاً لإستراتيجية إسرائيلية تقضي باستنزاف إيران وquot; حزب اللهquot; في الساحة السورية، بعد أن أفرغت هذه الساحة من كل جدوى إستراتيجية وباتت مجرد مقبرة للقوة.
كيف لم يدركquot; حزب اللهquot; الرؤيوي والقارئ الإستراتيجي النبيه، على ما يدعي قادته، بأن من المستحيل إعادة بعث الروح بجسد النظام السوري الذي وصل إلى حد الإنهاك، ومن المستحيل إعادة تثبيت حكمه في سورية، وأن المعركة جاءت متأخرة كثيراً وباتت بلا جدوى أستراتيجية حقيقية، فقط مجرد مجاهيد ضائعة على هامش أزمة أصبحت ذات بعد معولم، وإذا كانت القصير وحدها تستنزف كل تلك الإمكانيات من رصيد قوة الحزب فكم ستكلف إستعادة سورية كلها؟.
ينتهي quot; حزب اللهquot;، بعد رحلة ثلاثين عاماً، إلى فصيل تابع، ليس للمشروع الإيراني كما بدأ، بل إلى جماعة تقاتل تحت إمرة الولي الفقيه، الذي بات يرى في الحرب السورية سره المقدس الذي قد يختم به حياته، حيث بات يتراءى له أن الإمام المهدي المنتظر قد يخرج من بساتين القصير ومن الحوض العاصي المقدس، لا من قتال اليهود خلف الليطاني طالما للقدس رب يحميها.