لم تعد غارة، صارت غارات إسرائيلية، والهدف، كل شيء متحرك صوب جبهة لبنان، وكل شيء بات في التقدير الإسرائيلي يشكل إحتمال للخطر، وكأن إسرائيل إستفاقت فجأة على خيبة تقديراتها وتخاذلها في العامين الماضيين، وهاهي تعلن إنتهاء فترة السماح لتطورات الحدث السوري، لماذا؟، ...بحسب مسؤول إسرائيلي كبيرquot; سورية باتت كالثقب الأسود من الممكن أن يبتلعنا كلنا إذا إستمرت الأزمة تتفاعل فيهاquot;.
الضربة الإسرائيلية هذه المرة كانت في صميم قدرات قوات الأسد، مواقع ما يسمى بالنخبة، الفرقة الرابعة، وفي القلب منها، الألوية 105و104، وهما نخبة النخبة في قوات الحرس الجمهوري، مما يعني أن إسرائيل تتجاوز الهامشي والمسموح في القدرات السورية إلى إحتياطي القوة السورية والخزان الأكبر للقوة الضاربة في بنية قوات الأسد.
ولا شك أن هذه الضربة تتزامن مع متغيرات ميدانية خطيرة، ليست على المستوى السوري وحسبـ بل وأيضاً على مستوى البنية الإستراتيجية في الإقليم والعالم، ذلك أن ثمة واقع جديد بات يرتسم على سطح الأزمة السورية ،يتجسد بإقفال دائرة الحدث على تطور شبه وحيد، حتى اللحظة، وهو السير الحتمي باتجاه الحرب، ربما ليس غداً، لكن لم يعد هناك مفر منها، إذ لم تترك روسيا وإيران سبيلا لغير هذا الإحتمال، هجومهما الكاسح مؤخرا أصاب كل الأطراف بالذعر، والإنتظار بات يعني تركهما تهندسان المنطقة على هواهما ، والسكوت صار بمثابة إنتظار الموت ، كل طرف حسب وضعه وظروفه.
عملانيا، بتنا امام إعتبارات كثيرة باتت تتحكم هذا المسار منها: إكتمال بناء إدارة اوباما ، مما يعني أنها باتت قادرة على بناء تقدير موقف صحيح من الوضع في الأزمة وقدرنها على إتخاذ القرار وتنفيذه وخاصة في ظل وجود مناخ من الشك يخيم على أغلب المؤسسات الأمريكيةquot; من الدفاع إلى الخارجية والكونغرسquot;، وحتى في البيت الأبيض نفسه من سياسة أوباما الإنتظارية وجدواها.
ولعل ما يعزز هذا الإحتمال، توجه الإدارة الأمريكية إلى بناء وتجهيز البنية التحتية الأساسية للحرب في المنطقة منها تأكيد جهوزية البنتاغون لمثل هذا الإحتمال، إذ هو أتم وضع خطط عسكرية تتراوح بين شن عمليات كوماندوس أميركية داخل الأراضي السورية للسيطرة على مخزون الأسلحة الكيمائية، إلى قصف الطائرات والمطارات العسكرية، وصولاً في وقت لاحق إلى إقامة منطقة حظر جوي قرب الحدود الأردنية.
يتزامن ذلك مع قيام واشنطن بتعزيز شبكة تحالفات واسعة مع دول الإقليم المعنية بالحدث مباشرة والتي قد تلعب أدوار معينة في المرحلة القادمة، سبقتها بعض الإجراءات التقنية الضرورية مثل نصب قواعد صواريخ الباتريوت في تركيا وإعادة بعث الروح في التحالف التركي ndash; الإسرائيلي ، فضلاً عن تجهيز البيئة اللوجستية في الأردن لكي يكون قادرا على إستيعاب القدرات الحربية اللازمة للمعركة.
لكن مالذي أدى إلى مثل هذ ه النقلة في السياسة الأمريكية، وما هو الأمر الذي دفع برفع درجة الخطر في الأزمة السورية إلى هذا المقدار. لعل أهم الأسباب وراء ذلك يتمثل بوجود تحول في إدراك البيئة الداخلية للأزمة السورية، شكلت رافعة مهمة لهذه النقلة الأمريكية، وقد لوحظ مسارعة أعضاء الكونجرس من الحزبين معاً إلى التأكيد على تغيير المعادلة في سوريا، إذا تبين استخدام غاز الأعصاب، بل حتى الرأي العام يوحي بأن تغيراً في المزاج العام تجاه الحرب بدأ يظهر حسب العديد من استطلاعات الرأي.
إضافة لذلك، فقد تكونت لدى الإدارة الأمريكية رؤية دقيقة وتصورا أكثر شمولية عن الحدث وطبيعته، فقد كان واضحاً حجم الإنخراط الدبلوماس الأمريكي في الحدث السوري والذي إستغرق أكثر من ثلاثة أرباع نشاط وزير الخارجيةquot; جون كيريquot; حتى أنه يمكن تسميته بوزير خارجية الأزمة السورية.
فضلا عن ذلك، فإن أفق الأزمة باتت أكثر وضوحاً بالنسبة إلى صانع القرار الأمريكي، كما أن تكشف خريطتها بشكل نهائي سهّل قراءة مألاتها وخاصة على الأمن الإقليمي، وربما الأهم من كل ذلك وصول واشنطن إلى قناعة بأن الأزمة السورية هي من نوع الأزمات المغلقة التي لا تنطوي على ممكنات كثيرة لإجراء صفقات إن على المستوى الداخلي quot; بين النظام وخصومهquot; أو على المستوىين الإقليمي والدولي مع روسيا وإيران، مع توضّح حقيقة أن ما تطرحه هذه الأطراف لا يعدو كونه إخراج أميركا من دائرة التأثير في هذه المنطقة، والمقابل لذلك عدم إستمرار إستنزافها كطرف جريح لم يشفى بعد من تدخلات خارجية في أفغانستان والعراق.
إسرائيل تسارع إلى الخروج من دائرة الثقب الأسود التي أدركت أن الأزمة السورية وضعتها في مدارها، وواشنطن تعيد تدوير حساباتها، وهي تعلن عن ذلك صراحة عبر موافقتها الأكيدة على التحرك الإسرائيلي الجديد، والمنطقة بإتجاه صيف ساخن مع إكتمال دائرة الحرب إغلاق أخر منافذها.