للمرة الثالثة، وفي أقل من شهر، يردد بشار الأسد والدائرة القريبة منه، الحديث عن نهاية سورية، كما هي الأن، إذا لم ينتصر، المرة الأولى كانت مع قناةquot;ألو صالquot; التركية، حين أعلن بشار الاسد ان سورية سوف تقسم ما لم يبدل الشعب السوري خياراته ويبقى مصراً على إسقاطه، وفي المرة الثانية أكد مساعد وزير الخارجية فيصل مقداد أن سورية في حال سقوط الأسد لن تبقى كما هي. وفي حديثه الأخير لقناةquot; الإخبارية السورية كرر الأسد هذا الموقف بقوله quot;لا يوجد خيار أمامنا سوى الانتصار... إن لم ننتصر فسوريا تنتهي... ولا أعتقد أن هذا الخيار مقبول بالنسبة إلى أي مواطنquot;

الواضح أنه لم يبقى بين يدي رئيس نظام الحكم في دمشق إلا ورقة التقسيم يهدد بها ، تقسيم سورية أولا، ًومن ثم فإن هذا الأمر سيتفاعل ويؤدي إلى تقسيم بقية المنطقة quot;حسب إعتقاده أو ربما تخطيطهquot;. وهذا الأمر يؤكد ان النظام، ومنذ بدايات الثورة عليه، يخطط لهذه المرحلة التي بات يعلن عنها صراحة وبدون مواربة أو شعور بالخجل، فأما سورية كلها مزرعة خاصة له تحت ظلال شعارquot; امة عربية واحدة quot; وإما سورية مقسمة بدونه مع الاحتفاظ يحقه في حكم دوله خاصة به على أمل ان يصار لاحقاً إلى تقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية على قاعدة quot; مافي حد أحسن من حداquot;.
بدون شك، فإن منظومة التفكير هذه ليست وليدة اللحظة ولا يبدو أنها إستجابة لوضع سيسولوجي جغرافي معين فرض هذا النمط من التفكير، بل هي نتاج تخطيط، مركزي إقليمي دولي عميق، إنخرط فيه النظام وحاول أن يجعل له ما يحايثه على أرض الواقع ليحوله إلى معطى طبيعي في واقع المنطقة .
الثورة السورية، ورغم كل الفوضى التي إنتابتها لم تنزاح للتفكير وفق هذه الميكانيكية لا أيديولوجياً ولا إستراتيجياً، لا بالتفكير الذي ظل ينظر لسورية كدولة موحدة ووطن لجميع أبنائه، رغم تضمن قوى الثورة على أجنحة متطرفة أعلنت انها تريد إسقاط نظام الظلم ولم يكن لها أية مطامح سياسية معينة، ولا بالتخطيط العسكري التحرري، رغم بقاء البيئة الجغرافية للنظام بعيدة عن ساحة المعارك الساخنة.
ينتمي هذا النمط التفكيري إلى حقل أوسع من التشابكات الإقليمية والدولية للنظام، كما أن إرهاصاته بدأت في مرحلة مبكرة من حكم بشار الأسد، ثمة وقائع كثيرة تؤيد هذا التحليل.
فمن غير الطبيعي أن يقامر الأسد بإعلان الدولة قبل أن يؤمن لها شبكة الأمان الجغرافية من حدود وطرق تواصل وإمتدادات جغرافية، صناعة الدول تتطلب ذلك وتشترطه،ولابد أن ذلك جرى بترتيب وتأن وتريث مع حلفائه الإقليمين والدوليين، فالأسد لا يفكر بصوت عال في إحتمالات معينة إنما يمهد لإعلان خيار جرى بناؤه وترتيبه ووصل بلغة الإنشاءات إلى مرحلة التشطيب والتشييك النهائي.
ثمة خريطة طريق بشبكة واسعة من الطرق الإلتفافية عمل عليها الأسد، تضمنت بداية إقامة المجازر التي إشتملت على القوس الممتد من ريف إدلب وحماة وحمص وهي مناطق سهلية واسعة ، يميزها مرور نهر العاصي منها، وكان واضحاً وجود إرادة لترحيل سكان هذه المناطق وتهجيرهم إلى ما خلف العاصي، أولأ لترسيم أولى حدود الدولة البرية وثانياً لتحويل هذه المناطق إلى إقليم حيوي يشكل خط الدفاع الأول عن كيان الدولة المنتظر.
وإضافة إلى هذا الغرض الإسترايجي، ثمة غرض إقتصادي يتمثل بضم مناطق خصبة ذات مساحات واسعة تؤمن للدولة الناشئة كفايتها الغذائية من سهول الغاب وحمص وإدلب، وهي منطقة تنتج نصف الإنتاج الزراعي السوري الذي ان يطعم 24 مليون ويصدر للخارج.
كذلك فإن هذا النوع من التفكير لابد أن يكون قد درس مخارج ومداخل العبور لهذه الدولة وتأمين حدودها، ولا شك أن الحدود مع لبنان وخاصة الفتحة الغربية لجهة حمص والتي تحاول ميليشيا quot;حزب اللهquot; السيطرة عليها ، مما يعني ان قيادة الحب قد إنخرطت باكرً بهذا المخطط مما يجعلنا نفهم معنى الجهاد الذي يقصده نصر الله؟.
هل هي نهاية وعد البعث التاريخي بأمة واحدة؟ التجربة التاريخية تقول أن هذا النظام لديه قدرة هائلة على إلباس شعاراته المشاريع التي يريد، ولن يكون صعباً عليه إعادة إنتاج الشعار بطريقة جديدة تحت عنوانquot; أمة سورية واحدةquot; وأنه سيناضل قرن جديد من أجل تحقيق هذا الحلم.
بعد نفاذ مفاعيل قاعدة quot;أحكمكم أو أقتلكمquot;، التي طبق الأسد مفاعيلها مدة عامين على أجساد السوريين، وموت هذه القاعدة بسبب تضحيات السوريين الجسيمة وإصرارهم على نيل الحرية من عبودية أل الأسد، هاهو يطل عليهم بقاعدة تعامل جديدةquot; أحكمكم أو أقسمكمquot;، وظني أنها ستسقط كما سقطت كل أوهام الأسد منذ عامين، وربما الخيار المتاح للأسد أكثر من غيره يبقى البحث الجدي عن مكان أمن للجوءه وعائلته.