لم يكن موفقا نظام بشار الأسد وجوقة إعلامه في سورية ولبنان وروسيا، في محاولة توظيف الحدث الكيماوي لمصلحتهم، كل الأدلة التي حاولوا تسويقها هي أدلة أستنفذت أغراضها وصدقيتها في أكثر من تجربة ومحك، فلا مقتل عسكريين يهم كثيراً نظام في طور الغرق ويخسر أعداداً كبيرة منهم في الإنشقاقات والهروب، وليس للنظام أنصار ومؤيدين في خان العسل وسواها من الريف الحلبي، ناهيك عن الوقائع التقنية التي تؤكد عدم إمتلاك الجيش الحر لهذا النوع من الأسلحة وعدم قدرته على تشغيلها إن وجدت لديه.

في الأمر رسالة إلى فرنسا وبريطانيا ان السلاح الذي ستقدمانه للجيش الحر قد يقع في ايدي المتطرفين . انظروا ها هم استخدموا الكيماوي، ربما، وقد تكون رسالة على هامش الحدث الأكبر، التقسيم، هنا السلاح الموجود عند الجيش يصبح خطراً على امن الدولة القادمة، إذ في مخطط الأسد ومشغليه، إغراق سورية القديمة بدمارها وأشلاءها لسنوات قادمة تكون الدولة الوليدة قد أقلعت بسلام وهدوء.

في ظل ذلك، كان وقع إعلان حكومة غسان هيتو على النظام إيجابياً حيث بشّر إعلامه وجوقة الإعلام التابع له في بيروت بطلوع فجر التقسيم، متعيشين في ذلك على تصريح أطلقه رئيس الإئتلاف الوطني معاذ الخطيب حذر فيه من أن إعلان الحكومة قد يتسبب بمضاعفة الإنقسام، السياسي، وليس الجغرافي، في سورية، فما كان من هذه الجوقة سوى التطبيل والتزمير لهذا القادم، بل ذهبت إحدى صحف بيروت الموالية لنظام الأسد, إلى توضيح الحدود والتخوم للدولة القادمة، حيث النظام يسيطر على كامل مساحة الساحل والمناطق المحاذيه لهاquot; المجال الحيويquot; في أرياف ومناطق حمص وحماة وإدلب.

القضية في سورية، وبالنسبة للنظام وأنصاره بالتحديد هي قضية التقسيم، إستخدام السلاح الكيماوي، بنطاق محدود، أو التلويح بتفعيله كخيار قادم، ليس مجرد تكتيك الهدف منه التعجيل في تعويم مقاربات أخرى لحل الأزمة السورية، حيث تبدو مقاربة التقسيم في هذا الإطار أكثر المقاربات إغراءً وأقلها كلفة، في ظل إنتشار الرذاذ الكيماوي، وإستنفار الأساطيل والبوارج في البحر المتوسط، وثمة العديد من الأسباب تقف وراء ذلك:

-يشكل التقسيم معبراً أمناً للنظام ورجاله الذين إرتكبوا المجازر وتسببوا بالدمار لسورية، إذ لم يعد بإمكانهم الإفلات إلا وفق هذه المقاربة. حيث يظهرون وهم يلجئون إلى الكيان الموعود أنهم كانوا يحاربون المؤامرة التي تهدف إلى تقسيم سورية وإنهم لم يستطيعوا المحافظة سوى على القسم الغربي، لكنهم سيعملون على لنضال من أجل إعادة توحيد سورية، وقاحة المستبدين!.

-التقسيم في هذه الحالة يصبح درجة من درجات الإنتصار يمكن تسويقه لدى البيئة المؤيدة للنظام، والمثخنة بجراحها والخائفة على مستقبلها، لما يتضمنه من إنتقام من السوريين عبر حرمانهم من ثروات بلدهم، وخاصة بعد أن جرى إكتشاف كميات كبيرة من النفط في سواحل المتوسط، تقدرها مصادر سورية بأنها تعادل إحتياطي الكويت من النفط. وكذلك التأثير في البيئة الإستراتيجية السورية عبر تحويلها إلى بلد مغلق لا سواحل بحرية له، مما يجعل سورية القديمة حيزاً جغرافياً ضعيفاً تحت رحمة الطرف الذي يقدم له ممراً بحرياً للعالم، والذي لن يكون سوى سورية الغربية.

-التقسيم أيضاً فرصة للإنتقام من الدول التي ساندت الثورة السورية، حيث يمكن إظهاره على أنه جاء نتيجة quot; المؤامرة الكونيةquot; على سورية، وتحميل كل ما جرى في سياق الحدث السوري على مشجب هذه المؤامرة، وليس مستغرباً أن يذهب قادة سورية الغربية مستقبلاً إلى طلب التعويضات عما يعتبرونه أضراراً لحقت بهم نتيجة خسارته أملاكهم في دمشق والمدن الأخرى.

-التقسيم يخدم مصالح روسيا وإيران في سورية والمنطقة، وهما لا يعنيهما من سورية سوى هذه المنطقة، قاعدة لروسيا على المتوسط وقريبة من سواحل تركيا، وممرquot; كريدورquot; لإيران إلى لبنان وقاعدتها هناكquot; حزب اللهquot;.
لعل ما بات يشجع على هذا الخيار قناعة النظام إستحالة إستمراره في حكم سورية، بعد خسارته لعشرات ألاف من رجاله نتيجة قتلهم من قبل الثوار، فبالنسبة له ما دام أنه ذاهب إلى هذا الخيار فلماذا كل هذا الإنتظار والمغامرة بخسارة المزيد من رصيده البشري والعسكري، وأيضاً قناعة حلفائه بإستحالة قدرتهم على إدارة البلاد السورية حتى لو إستكانت ورضخت للأسد، بل أن تركها مدمرة في وجه الأطراف التي أيدت الثورة السورية أفضل إنتقام وخير وصفة لإنفاذ الجهود.

الكيماوي مرحلة وتكتيك، سيجري إستخدامه بدقة وعناية، ولن يكون هدفاً بذاته، النظام ومؤيدوه يحبون الحياة ويرسمون مشهداً جميلاً لها، إن من خلال تركيزهم للثروات التي نهبوها وسينهبونها من سورية القديمة في دولتهم الجديدة، أو من خلال تحكمهم ببحر من النفط في قاع المتوسط، كل السفن تسير إلى المتوسط، ولن يطول الوقت الذي سيظهر فيه بشار الأسد من طرطوس مدشناً هذا الخيار.