الإنفصال عن الواقع، يبدو توصيفاً مبسطاً ومضللاً في نفس الأن، لدى وصف حالة بشار الأسد به، فهو مبسط لأنه يلامس المشكلة من دون ان يحيط بها إحاطة كاملة، ومضلل، لأنه ضمناً يعني أن الرجل منفصل عن الواقع في جزئية منه، ولكنه واع ومدرك لمسارات الأمورالاخرى، وهي ما يتعلق بالأزمة السورية، وقد يكون سبب التضليل نابع من أسباب ذاتية، كأن يكون الأسد نفسه يصدر عن خداع ولا يريد توضيح الصورة، فيعطي للطرف الأخر ما يريد ويخفي ما يريد، أو قد يكون نابع من ظروف موضوعية تتعلق بظروف الأزمة وصعوبة الإتصال والتواصل ومعرفة الحقيقة كاملة.
في الواقع أظهر الرجل في حديثه الأخير مع صحيفة quot;الصنداي تايمزquot; البريطانية، أنه يصدر عن خليط من التبسيط والتضليل والتحايل والخداع، حتى ليظهر أنه خلطة مركبة من هذه السمات وغيرها لإنتاج حالة وظيفية خالصة، كأن يجيب مثلاً على سؤال حول الحوار مع المعارضة، بانه لا يقصد المعارضة بحد ذاتها، ولكن الحوار مع الشعب السوري برمتهquot; هذا الحوار المفتوح لا ينبغي أن يكون بين مجموعات حصرية بل بين جميع السوريين وعلى كل المستويات لأنه يدور حول مستقبل سوريةquot; ويوضح ذلك بالقولquot;. نحن ثلاثة وعشرون مليون سوري، ولنا جميعاً الحق بالمشاركة في صياغة مستقبل البلادquot; هنا يتساءل المرء أي حوار ذلك الذي سيجري مع 23 مليون فرد، ألا تحمل هذه الدعوة نية صريحة ومعلنة لقتل الحوار وإغراقه بملايين التفصيلات، هذا إن كان بالممكن إنجاز مثل هذا الحوار الغير مسبوق في التاريخ، ماهي أليات إجرائه، وكيف يمكن الإستفادة من نتائجه؟ ثم إذا كان النظام يفرض عقاباً جماعياً على مدن ومناطق كاملة ويحرمها أبسط حقوق البشر، هل من يتوقع ان يقوم بمحاورتها؟.
يعلق الأسد على قضية الإنفصال عن الواقع التي يتهمه بها الغرب على أنها حالة تحصلquot; عندما تكون منفصلاً عن الرأي العام في بلادك!quot;، ولكنه لا يوضح مدى إلتصاقه هو بالرأي العام في سورية، على حدود معرفتنا، ومن مشاهدات عيانية ومحايثة، أن الملايين خرجت في أغلب المدن السورية تقول له لانريدك، وإرحل، ولكن ربما الرجل يرى الامور في هذه اللحظة التي لايمكن أن نرى فيها مثل هذه التعبيرات وسط قصف الطائرات وراجمات الصورايخquot; السكود وغيرهاquot;، وما يدلل على ذلك انه يقول بنفس الحديث أنه حقق المطالب الشرعية للناس مما أدى على تراجع الكثيرين، ولكنه لم يحدد أين ذهبوا في تراجعهم هذاquot; للسجون أم لمخيمات اللجوء أم غادروا الدنيا نهائياًquot;
يستخدم الأسد إستراتيجية التوظيف للخلطة المشار إليها، في وصفه للمجموعات التي تقاتل ضده، حيث يصفها بانهاquot; طيف يتسع ليشمل صغار المجرمين، ومهربي المخدرات، ومجموعات تقتل وتخطف من أجل المال فقط إضافة إلى المرتزقة والمسلحينquot; ويرى أن هؤلاء المجموعات quot; لا يمتلكون أي أجندة سياسية أو دوافع أيديولوجيةquot; بالطبع يتجاهل الاسد مسألة توصيف مجموعاته المقاتلة، من الشبيحة وأجهزة الأمن ولجان الأحياء الشعبية والجيش الوطني وكتائب الأسد او نحرق البلد؟ وأية أيديولوجية أو أجندة تملكها مثل هذه المجموعات. فأية أيديولوجية لجيشquot; وطنيquot; يقتل ويغتصب ويسلب ويرفع شعارquot; الأسد أو نحرق البلد!quot;.
لكن في هذا السياق يتذكر الأسد أن لديه مسؤولية دستورية، وأن هذه المسؤولية تقضيquot; المحافظة على سورية والسوريين من المجموعات الإرهابية والمتطرفةquot; ولسؤال هنا المحافظة على السوريين من أجهزته هل هذه ليست مسؤوليته، ألاف السوريين خرجوا جثثا هامدة من المعتقلات ، الآلاف مثلهم قتلوا امام المخابز وتحت الأنقاض، وأعداد كثيرة نتيجة اعدامات ميدانية ، ومثلهم ذبحا بالسكاكين؟، هذا يحيلنا إلى إعادة تعريف السوريين من هم؟، لان الأسد في نفس المقابلة، وعندما تخبره الصحفية بأنهاquot; قابلت صبياً في السابعة من عمره في الأردن. يسأل: صبي سوري؟، وكأن الذين نزحوا إلى الأردن وغيرها جراء إجرام كتائب النظام ليسوا سوريين، حتى أن الأسد ينزع عنهم هويتهم السورية، ويصف كل من إضطر للعيش في الخارج باللاوطني!.
طبعا من حقه ان يستغرب، السورييون هم أولئك الذين حوله وبقربه ، السيد الرئيس لايعلم ان قواته أفرغت منطقة كاملة اسمها سهل حوران، تمد سوريا والشرق الأوسط بالقمح، وسكانها مستقرون منذ ما قبل الإمبراطورية الرومانية ، أفرغها بالكامل من سكانها ولجئوا إلى الأردن عبر الوديان والبطنان؟ ووزيره ينفخ في قربة إيران التي تمنحه بضع أطنان من القمح والطحين!
ويصر السيد الرئيس على أنه، فقط من حق السوريين وحدهم مناقشة مسألة تنحيه من عدمها، السورييون فقط، لم نكن نعرف ان وزير الخارجية الايراني سورين، لا بالأصل ولا بالتجنس، عندما أعطى لنفسه الحق بالتحدث عن بقاء الاسد في السلطة حتى 2014.
غير أن السلوك التضليلي يكشف صاحبه أيضاً، ويجعله أحد ضحاياه، مثلما حصل مع الأسد نفسه حينما أقر انquot; الحوار لن يؤدي إلى سقوطهquot; وضمنا لن يؤدي إلى تنحيته، وهوحسب الأسد ستكون له نتائج معلقة في الهواءquot; تقوية سوريةquot;، بمعنى أنه يريد توظيف الحوار لمزيد من التسويف الذي يتيح له قتل الثورة الشعبية ضده.
وتصل محاولات التضليل ذروتها عند حديثه عن الخطر الكيماوي، حيث يختزله بالقولquot; ما ينبغي للعالم أن يقلق بشأنه الآن هو وصول المواد الكيميائية إلى أيدي الإرهابيين، وقد تم نشر مقاطع فيديو تظهر اختبار مواد سامة على حيوانات أمام الكاميرا وتهديدات للسوريين بأنهم سيموتون بنفس الطريقة. لقد تبادلنا هذه المقاطع مع بلدان أخرى، وهذا ما ينبغي للعالم أن يركّز عليهquot;، يعترف ضمنا بالفبركات ويريد توظيفها بحرف تركيز العالم عن عملية إبادة الشعب السوري، يفبرك وعلى العالم ان يصدق فقط ولا يتطلع لشيئ اخر، الفيديو موجود والعناصر الامنية فيه معروفين بلاسم،
ولعل ذروة مفعول تلك الخلطة الموصوفة تصل عندما يصف نظامه بأنه معقل العلمانية الأخير في المنطقة!، في حين يعرف القاصي والداني الأسس الطائفية التي إنبنى عليها نظامه، وما سببه ذلك من تخريب للنسيج الوطني السوري، وما الأزمة التي يعيشها المجتمع السوري، إلا جراء السياسات الطائفية المنحطة.
الأسد ليس منفصلاً عن الواقع، تلك تهمة خبيثة، ودليلنا النفسي والعقلي على ذلك أن الرجل سأل الصحفية عن إسم الصبي المقطوعة رجله والذي شاهدته في الأردن!.