أمر مثير للشفقة والتقزز في أن، رؤية الوفود النقابية والحزبية الأردنية تتقاطر إلى دمشق كي تبارك لطاغيتها إستمراره وصموده الإسطوري في قتل وإعتقال وتهجير شعب بكامله، وفوق ذلك تلقي عليه العباءة العربية،فكأن الذين يقتلهم هذا الطاغية ليسوا عرباً، وكأن الحرائر التي يأمر شبيحتهquot; وجزء منهم إيرانيو الجنسية وأغلبهم إيرانييون بالثقافةquot;، لسن عربيات طلبن النجدة من معتصم فجاء المعتصم الأردني يبارك مغتصيهن!.
في الطريق من عمّان إلى دمشق يقع مخيم الزعتري، هناك حيث يقبع أكثر من تسعين ألف لاجئ سوري، وداخل هذا المخيم تسعون ألف حكاية رعب وخوف، وفي الأردن أكثر من ثلاثمائة ألف سوري نازح، في عمان والزرقاء وإربد وسائر الجغرافية الأردنية، كيف تمرّ هذه الوفود من فوق كل قصص الرعب وحكايات الموت وركامات العذابات وتصل إلى دمشق؟.
الغريب في أمر هذه الوفود التي تذهب وتبارك للقاتل وتشجعه على المزيد من الإغتصاب، انها تدعي تمثيلها للشعب الأردني؟, ربما ليست هناك مشكلة في أن يذهب شخص او مجموعة أشخاص إلى طاغية دمشق ويباركوا أفعاله بحق الشعب السوري ويلبسونه مايريدون من عباءات وحطات وعقل، تلك قضية قد يكون لها تفسيرات مصلحية او أيديولوجية معينة، لكن ان يدعي تمثيل الشعب الأردني هكذا وبكل جرأة، فتلك مسألة تستحق التوقف عندها والسؤال عن الأردنيين الذين يمثلهم امثال هؤلاء، ذلك أن معرفتنا بالأردنيين أنهم نشامى يذودون عن الشرف والأخلاق ولايمكن ان يباركوا قاتلاً أو مغتصباً؟.
ثم أنه من المعروف أن الأردنيين يرتبطون بعلاقات دم مع الشعب السوري، واكثر من ذلك فإن عائلات كثيرة من عائلات إربد والرمثة والمفرق وعموم الشمال الأردني لها فروع في الجنوب السوري خصوصاً في درعا والسويداء والقنيطرة وريف دمشق والبادية السورية، كما أن الكثير من عائلات عمان ذات أصول شامية وحموية وحلبية، ما يعني أن ثمة ترابط بين النسجين الإجتماعيين في البلدين لا يمكن فصمه.
لا شك أن ظاهرة الوقود الاردنية المتقاطرة لمباركة الطاغية المغتصب، والتي غالباً ما تكون وفود نقابية وحزبية، يمكنم فهمها في إطار الإنقسام النخبوي والحزبي الموجود في الأردن تجاه الأزمة السورية، وهو في حقيقته إنقسام وصراع حاد بين تيارات فكرية وسياسية ناشطة في المشهد السياسي الأردني. ففي الأردن مجموعة من الأحزاب التقليدية القومية واليسارية والإسلامية، تتنافس على الفوز بزعامة النقابات والجمعيات، وأغلب هذه الأحزاب، وخاصة القومية واليسارية، ذات طابع نخبوي لا إمتداد او عمق جماهيري لها، كما أن بعضها موجود كديكور سياسي يمثل مصالح الخارج ويرتبط به أكثر من إرتباطه بمصالح وتطلعات الشارع الأردني وهمومه، ولم يعد يُسمع له صوت إلا في ظل نكبات شعوب الجوار ومصائبهاquot; أحزاب النكباتquot;، مثل مواقف بعض الأحزاب والنقابات الأردنية من الأزمتين السورية والعراقية، حتى أن هذه الأحزاب، ذات الصوت العالي فيما خص الأزمة السورية، لا تمتلك أي نشاط مهم في الداخل الأردني، فضلاً عن كونها غير معروفة لشرائح كثيرة من أبناء الأردن.
تسمي هذه الشخصيات والقوى والأحزاب ما يحصل في سورية بالمؤامرة، دون النظر في حجم المأساة التي يسببها نظام القتل للشعب السوري ولسورية عموماً، والتي تفوق نتائجها تأمر العالم كله على سورية لو حصل وإتفق فعلاً هذا العالم على ذلك، وترى في نظام دمشق النظام الأخير الممانع والمقاوم، وهي تحتفل به وبسلوكه الإجرامي، مع ان شعب سورية لم يره في يوم من الأيام بهذه الصفة، كما تسخر هذه القوى جهودها للدفاع عن نظام بشار الأسد في الإعلام وفي المؤتمرات الحزبية والنقابية، وترتبط إرتباطاً وثيقاً ولصيقاً بسفارة النظام في عمان والتي يرأسها ضابط الإستخبارات السابق بهجت سليمان صاحب التاريخ السيئ بالتنكيل بالمثقفين والناشطين السوريين، من قوميين وشيوعيين وليبراليين،.
في الشارع الأردني، يطلق المتعاطفين مع الثورة السورية من مثقفين وناشطين على مؤيدي نظام الأسدquot; شبيحة بشارquot; ويحاذرونهم، ربما لانهم يشبهون نظام القتل في صلافتهم، لكنهم في الواقع أسوأ بكثير من هذه الصفة، ذلك ان نظرائهم السورييونquot; الشبيحةquot; يدافعون عن معلمهم لأنهم يعرفون انهم مرتبطون معه بذات المصير وأنهم سيقدمون إلى المحاكمة في حالة سقوطه لقيامهم بجرائم القتل والغغتصاب وحرق سوريةبكاملها، كما أنهم يدافعون عن مسروقاتهم وquot; أسواق السنةquot; التي يبيعون فيها شقا عمر السوريين ومدخراتهم التي يحللونها لأنفسهم لإعتبارات طائفية، أما شبيحة الأردن فعن ماذا يدافعون؟، إذا كانوا يدّعون أنهم لا يسترزقون من دعمهم هذا ولا يستفيدون من quot; أسواق السنةquot;، فهل هم أجراء يكعكة، هذا من الناحية المصلحية، أما من ناحية القومية والممانعة وسواها من الشعارات الكاذبة، فإنهم بلا شك يعلمون بأن معلمهم ليس له أي تاريخ بطولي إلا في مواجهة مواطنيه السوريين، وأنه بإستثناء ذلك لا مانع لديه من بيع الأردن لإسرائيل، إذا رغبت الأخيرة، وأنه لم ولن يوفر أية فرصة لتهديد إستقرار الأردن وإيذاء شعبه، كما أن ليست لديه موانع لبيع الخليج إلى إيران، وحتى بيع سورية نفسها لزيادة حصص وأسهم شركات رامي مخلوف، يعني أنه لا بالمعنى القومي ولا التقدمي ولا الأخلاقي يصلح بشار الأسد لان يكون مرجعاً وزعيماً وإماماً ويستحق عناء السفر من عمّان إلى دمشق وحمل هدية بحجم عباءة ...بمعناها الرمزي.